العنوان : مكانة السنة النبوية والدفاع عن الألباني خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن للسنة النبوية، مكانةً في الإسلام عليّة، فهي للدينِ بعد القرآن أعظمُ المباني، وهي للإسلام الأساسُ الثاني، وهي وحيٌ كالقرآنِ والسبعِ المثاني، قال تعالى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وقال ﷺ (ألا إني أُوتيت القرآنَ ومثلَه معه) يعني السنة النبوية.
وقد أمرَ اللهُ باتباعِ سنةِ نبيه ﷺ في كتابهِ الكريم، وأمرَ بتعظيمها وتوقيرِها والتسليمِ لها، فإنَّ أَمْرَ اللهِ تعالى بطاعةِ الرسولِ ﷺ هو أمرٌ بطاعةِ سُنّتِه عليه الصلاةُ والسلام، وإنّ أَمْرَ اللهِ بالردِّ إلى الرسولِ ﷺ هو أَمرٌ بالردِّ إلى سنتِه ﷺ، والأمْرَ بتحكيمِ الرسولِ ﷺ والتحاكمِ إليه هو أمْرٌ بتحكيم سنتهِ ﷺ وبالتحاكمِ إليها، وأمْرُ اللهِ بتلاوةِ الكتابِ والحكمةِ في البيوت هو أَمْرٌ منه جلّ وعلا بتلاوة القرآنِ والسنةِ فيها؛ فإنّ الحكمةَ إذا قُرِنتْ بالكتابِ في القرآنِ كان معناها سنةَ النبي ﷺ.
قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) } وقال تعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وقال تعالى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} وقال تعالى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } وقال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
عباد الله: لـمّا كانت السنةُ النبوية هي المصدرَ الثاني من مصادر الدين الإسلامي بعد القرآنِ الكريم، أمرَ النبيُّ ﷺ بحفظ سنته، والعنايةِ بها، وأمر بتبليغها للأمة جيلاً بعدَ جيل، فالسنةُ تبيّنُ القرآنَ وتوضّحُه وتفصّلُه بل وتزيدُ عليه أحكاماً ليست فيه.
وإنّ من أعظمِ مَهامِّ النبيِّ ﷺ التي كلّفهُ بها ربُّه أنْ يبيّن لهم معانيَ القرآن، ويفصّلَ لهم مُجْمَلَه، قال تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ولذلك فلولا السنةُ النبويةُ ما فَهمتِ الأُمّةُ المعنى التامَّ للصلاةِ ولا الزكاةِ ولا الصيامِ ولا الحجِّ فضلاً عن غيرِها مما جاء مجملاً في كتابِ الله غيرَ مُفصّل، ولتوضيحِ المقصودِ أضربُ لكم مثالاً بهذهِ العبادةِ الجليلةِ التي نحنُ فيها وهي صلاةُ الجمعة، فإنّنا لو قرأنا القرآنَ كلَّه لما وجدنا فيه وقتَ صلاةِ الجمعة، ولا وجدنا فيه أنَّ صلاةَ الجمعةِ ركعتان جهريتان، ولا وجدنا فيه أن للجمعة خطبتين يفصلُ الخطيبُ بينهما بجلوس، بل هذه التفاصيلُ كلُّها إنما تكفلت ببيانها السنة النبوية، فلنعرفْ قدرَ السُّنة، ولنعرفْ عِظَمَ شأنِها في دينِنا الإسلامي.
إخوةَ الإسلام:
كان النبيُّ ﷺ حريصاً غايةَ الحرص أن تحفظَ أُمّتُه سنَّتَه، وأنْ تحافظَ عليها، وأنْ يبلّغَها أصحابُه لمن بعدَهم، وهكذا كلُّ جِيْلٍ بالنسبةِ لمن بعدَه، قال ﷺ (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ) وقال ﷺ «نضّر اللهُ امرأً سمع منا شيئاً فبلّغه كما سمع..» الحديث، وكان ﷺ إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً لتُحفظ عنه وتُفهم ، وكان يأمرُ أصحابَه بتعلّمِ سنته وتبليغِها أهاليهم، لأنّها وحيٌ من الله، وتبليغٌ عن الله، واللهُ يقولُ لنبيه ﷺ { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} فامتثل الصحابةُ أمرَه، وقاموا بأداء المهمة على أكملِ وجه، فحفظوا السنة في صدورهم، وحفظوا ما تيسر منها كتابةً في سطورهم، ثم بلّغوها للتابعينَ تامّةً غيرَ منقوصة، وبلّغها التابعون لأتباعهم، ثم سخّرَ اللهُ تعالى للسنةِ مِن أهلِ العلم مَن فرّغوا لها أعمارَهم، واستفرغوا فيها وُسْعَهم، وبذلوا لها أقصى ما أمكنهم، فحفظوها، ودوّنوها، وميّزوا الصحيحَ من الضعيف، وفضحوا أهل الكذب والتزييف.
فحفظ الله بهم دينه، وحفظ بهم سنة نبيه ﷺ أحسن حفظ، فها هي اليوم بعد ألف وأربعمائة سنة غضّة طريّة، كأنما تكلم بها النبيُّ ﷺ بالأمس، وكأنّ النبيَّ ﷺ حيٌّ بين أظهرِنا نشاهدُ أحوالَه، وجهادَه وأسفارَه، وصفاتِهِ وأخلاقَه، ولا عجب في ذلك ولا غرابة فقد قال تعالى { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } فالحمد لله على فضله وإحسانه، وجزى اللهُ الصحابةَ والتابعين لهم بإحسان، وعلماءَ السنّة عنّا خيرَ الجزاء، ورفع درجاتِهم في عليين، ورضي عنا وعنهم أجمعين، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
ا لحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنّ النبيَّ ﷺ لم يورّث ديناراً ولا درهماً وإنما ورّثَ العِلمَ الشرعي، العِلمَ الذي به حياةُ القلوبِ، وسعادةُ الدنيا والآخرة. والعلماءُ هم ورثةُ الأنبياء، ولهؤلاءِ الورثةِ مقام ٌكريم، ولهم على الأُمّةِ حقٌ عظيم، لا سيما العلماءُ الذين عُنُوا بكتابِ الله، وسنةِ رسول الله ﷺ، واستقاموا على العقيدةِ السلفيةِ التي كان عليها الصحابة والتابعون لهم بإحسان، العلماءُ الذينَ بيّنوا السننَ، ونبذوا البِدعَ، وحذّروا منها ومِن أهلِها، وتحمّلوا في سبيلِ البيانِ والنُّصحِ العداوةَ والأذى.
ولنعلمْ أيها الإخوةُ أنّ لعلماءِ السنةِ أعداءً لا يتورعون من الطعن فيهم، ولا يستحيون من رميهم بالتُّهم التي يعلم القاصي والداني براءتهم منها، ومن الأمثلةِ القريبة ما نُشِر قبل أيامٍ قريبةٍ، من الطعنِ في الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، واتهامِه بالإرهاب، وتأسيسه حزباً من الأحزاب، وقد خان أمانةَ الكلمةِ من كتب ذلك ومن ألقاه، فالشيخ الألباني رحمه الله هو العالمِ النحرير، والمحدّثِ الكبير، العالمِ الذي خدم السنة النبويةَ خدمةً قلّ نظيرها من قرون طويلة، وهو من أوائل العلماء الذين حذروا من فتنة التكفير، ومن جماعة الإخوان المسلمين، ومن فكر سيد قطب، ومن السرورية، وحذّر من فتنة جهيمان ومن معه، وردّ على شبهاتهم، وحذّر من جماعةِ التبليغ، وحذّرَ من الجماعات الحزبية، فهل مثل هذا الإمام يتهم بالإرهاب؟ إنّ من يفني عمره خادماً للسنة، ومحذراً من هذه الجماعات الضالة وأفكارها، لهو الحريصُ حقا على اجتماعِ الكلمة، ووحدةِ الصف، وحقن الدماء، واستتبابِ الأمن.
لقد عرف أهلُ الفضلِ للألبانيِّ فضلَه فكان محلّ تقدير كبيرٍ من قيادةِ المملكة العربية السعودية ومن كبار علمائها حتى فارق الدنيا رحمه الله وغفر له.
أيها الإخوة:
إنّ الطعنَ في الألباني اليومَ هو سُلّمٌ ووسيلةٌ للطعن غداً في إخوانِه من العلماء الكبار كالشيخ ابن باز وابن عثيمين وأمثالِهم، وإنّ القصدَ من الطعن فيهم ليس أشخاصَهم ولا أسماءَهم وإنما المقصودُ بالحربِ من قِبَلِ أهلِ الأهواءِ والبدعِ هو السُنّةُ والتوحيدُ والعقيدةُ التي كان يحملها هؤلاءِ العلماء وكانوا يدعون إليها ، وهؤلاءِ يريدون أن يفصلونا عن عقيدتِنا وتوحيدِنا وسُنّتِنا ودينِنا بفصلِنا عن العلماء الربانيين الذين هم امتدادٌ لسلفِنا الصالح، فلنكن على حذر شديد من مكرهم، وعلى يقظة بالغة من تدبيرهم، واللهُ المستعان.
اللهم احفظ علينا ديننا وعقيدتنا، وارزقنا التمسك والاعتصام بسنة نبينا، اللهم ارزقنا الثبات على صراطك المستقيم، وأعذنا من الشيطان الرجيم وأتباعه الغاوين، اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، اللهم ارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحة يا رب العالمين، اللهم احفظ حدودَنا بحفظك، وأيّد جنودَنا بنصرِك، اللهم عافِنا واعفُ عنا، واهدِنا وارزُقنا واغفِر لنا وارحمنا. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حفظك الله شيخنا الكريم فقد أجدت وأفدت
جزاك الله خيرا