العنوان : الطمأنينة وستر العورة في الصلاة خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله عبادَ الله، وعظّموا في قلوبكم قدرَ الصلاة، فإنها عظيمةٌ عند الله، هي أعظمُ أركانِ دينِكم بعد الشهادتين، وكانت للنبي ﷺ قُرّةَ عين، الصلاةُ هي عمودُ الإسلام، وأولُ ما يحاسَبُ عليه العبدُ يوم البعث والنشور، يحافظُ على الصلاةِ المؤمنون، ويتكاسلُ في القيام إليها المنافقون، ويضيّعُها من ضَيّع نصيبَه من الإسلام. وجَعلَها النبيُّ ﷺ حدّاً فاصلاً بين الكفر والإسلام، وجعلَ من عاهده على الإسلام إذا تركها ناقضاً لعهد الإسلام.
من جحد وجوبَ الصلاة ِكفر إجماعاً، ومن تركها تكاسلاً فقيل َكافرٌ مرتد، وقيل يأمره بها وليُّ الأمر فإن أبى قتله حدّاً، وبئسَ الرجلُ يتردّدُ حالُه بين الكفرِ وبين استحقاقِ القتل. وعلى ماذا؟ على تركِ خمسِ صلواتٍ في اليومِ والليلة، تجعلُه أقربَ ما يكونُ من ربهِ تبارك وتعالى. وهي مع ذلك لا تكلّفهُ تعباً ولا مالا. نعوذُ بالله من الخذلان.
إخوةَ الإسلام: إنّ تعظيمَ قدْرِ الصلاةِ يتجلى في صُوَرٍ كثيرةٍ منها:
المحافظةُ على الطمأنينةِ فيها، فمن ترك الطمأنينةَ ولو جاهلاً أو ناسياً فكأنّه ما صلى، فقد رأى النبيُّ ﷺ رجلاً يصلي ولا يطمئن في صلاته أي لا يَسْكنُ ولا يَستقِرُّ في قيامهِ ولا ركوعِه ولا بعد ركوعِه، ولا يسكنُ ولا يَستقِرُّ في سجودِه ولا بين السجدتين فقال له: (ارجع فصلِّ فإنّك لم تصلّ) ورأى حذيفةُ رجلاً لا يُتِمُّ الركوعَ ولا السجودَ فقال: «مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ عَلَيْهَا» رواه البخاري.
نعم إخوةَ الإسلام: إن من أكثرِ الأركانِ التي يتهاونُ فيها بعضُ الناسِ الطمأنينةَ في الصلاة، وذلك حين يؤدونَ الصلاةَ بسرعةٍ وعجلةٍ لا يُتِمّونَ القيامَ ولا الركوعَ، ولا القيامَ بعد الرفعِ من الركوعِ ولا يُتِمّونَ السجودَ ولا الجلسةَ بينَ السجدتينِ، أو لا يطمئنونَ في واحدةٍ منها.
إن هذه ظاهرةٌ مشاهدةٌ وللأسفِ في كثيرٍ من مساجدِ المدن، وفي مساجدِ طُرقِ الأسفار، فلْنَعْلمْ أيها الإخوة في الله أنّه من صلّى وحدَه ولم يطمئن، أو قضى ركعةً أو أكثر فلم يطمئن، أو صلى إماماً ولم يطمئن، أو صلى مع إمامٍ لا يطمئنُّ واستمرَّ معه؛ فصلاةُ هؤلاءِ كلِّهم باطلةٌ، كأنّهم ما صَلَّوا والعياذُ بالله.
وعليكم أَيُّها الإخوة أن تُعلِّموا أبناءَكم وبناتِكم في البيوتِ كيفَ يُصَلُّونَ، فإنّ المدارسَ قد لا تقوم بهذا الدورِ كما يجب، وقد ينسى المتعلمُ ما تَعلّم، وعلينا جميعاً إذا رأينا من لا يطمئنُّ في صلاته أن نُعلّمه إنْ كان جاهلاً، وأمّا إن كان عالماً بالحكم فنَعِظُهُ بالترغيبِ في الثواب، والترهيبِ من العقاب، فإنّ الموعظةَ تُرَقِّقُ القلوب، والذكرى تنفعُ المؤمنين.
عباد الله: إن المحافظين على صلاتِهم والخاشعينَ فيها هم المفلحون، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} ثم قال {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} ثم وعدهم فقال {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} جعلني الله وإياكم في الصلاة من الخاشعين، وعليها من المحافظين، وفي الفردوس من الخالدين. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وعظّموا قدرَ الصلاة، ومن تعظيمِها المحافظةُ على سَتْرِ العَورةِ فيها، لأنّ سَتْرَ العورةِ شرطٌ من شروطِ صحتِها، ومن الـمُشاهَدِ اليوم دخولُ بعضِهم إلى المسجد بسراويلَ قصيرةٍ تَكشفُ عن جُزءٍ من الفَخِذ، أو تكونُ على حدِّ الرُّكْبةِ، فإذا ركعَ أو سجدَ أو جلسَ انكشفَ بعضُ فَخِذِهِ، وفَخِذُ الرجلِ عورةٌ في الصلاة يجبُ سترُه.
وبعضُهم يصلي في ثوبٍ وتحتَه سروالٌ قصيرٌ، ويكونُ الثوبُ شفّافاً يُرى لون بَشَرةِ الفخذِ مِن ورائه، فهذا في حُكمِ مَن لم يستر عورتَه.
فلنعظّمْ قدر الصلاة ولْنَتَزيّنْ لها باللباس الواجبِ الذي يسترُ العورة، وبالزينةِ المستحبةِ، وهو ما زاد على ذلك من اللباسِ الحَسَنِ بلا إسراف، قال تعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وقد ضَربَ لنا الصحابيُّ الجليلُ تميمٌ الداريُّ مَثَلاً عظيماً في التزيُّنِ للصلاة، فيما صحَّ عنه أنه اشترى ثوباً بألفٍ لأَجْلِ صلاتِه فكان يصلي فيه.
عباد الله:
ومن تعظيمِ الصلاةِ اجتنابُ كثرةِ الحركةِ فيها بالعَبَثِ بالساعة، أو الجوال، أو العِقال، أو اللحية، أو بغيرها فمن فعل ذلك بطلتْ صلاتُه إذا كانت الحركةُ كثيرةً متواليةً.
إن المطلوبَ في الصلاة هو خشوعُ القلبِ وسكونُ الجوارحِ وانشغالُ كل عُضوٍ بالعبادةِ التي شرعتْ له، فاليدانِ أثناءَ القيام تُضمّانِ على الصدر، وفي الركوعِ تُقبضُ بهما الركبتان، وفي السجود تُوضعُ الكفَّانِ على الأرض، وفي حالِ الجلوسِ تكونُ على الفخذِ أو الركبة، ومَن تَرك الحقَّ اشتغلَ بالباطل.
ومما يقع فيه بعض الناس مما لا يتناسب مع تعظيم قدر الصلاة حضورُها والجسدُ والملابسُ منتنة برائحة التدخين، فإنها رائحة مؤذية للمصلين والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، والتدخين في نفسه معصية لله، ومفسد للبدن بأنواع من الأمراض المهلكة، ومتلف للمال في مضرة خالصة لا نفع فيها، يصدق عليه أنه خبيث من الخبائث وقد قال تعالى عن نبيه ﷺ (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) فمن ابتلي به فليبادر إلى التوبة إلى الله منه وإلى الإقلاع عنه يكن خيراً في دينه وبدنه وماله.
إخوة الإيمان: لنحرص على صلاتنا ولنَتَفقَّهْ في أحكامها وآدابها، حتى نُصلي َكصلاةِ رسولِ الله ﷺ وقد قال لأمته ” صَلُّوا كما رأيتموني أصلي”.
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وهيء لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم أمّن حدودنا وانصر جنودنا ويسر أمورنا، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، والحمد لله رب العالمين.