العنوان : الوصية بلزوم السنة والتحذير من بدع شهر رجب
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا اللهَ عبادَ الله، واعلموا أنَّ هدايةَ العبدِ وسعادتَه، ونجاتَه من النارِ وفوزَهُ بالجنة، مرهونةٌ بتمسكهِ بكتابِ الله وسُنّةِ نبيه ﷺ قال تعالى {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} وقال تعالى { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
وأخطرُ وأكثرُ ما يُضِلُّ الناسَ عن السنن، هي البدع، لذلك جاء التحذيرُ الجازم والتنفير البالغ من البدع ومن أهلها، في كتاب الله، وفي سنة رسول ﷺ، وفي كلام السلف الصالح، قال تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فصراطه المستقيم: هو السنة، والسُّبُل: هي البدعُ والضلالات.
وقال ﷺ: «عليكُم بسنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ، المَهديِّينَ الرَّاشدينَ، وعَضُّوا عليها بالنَّواجذِ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمورِ، فإن كُلَّ مُحدَثَةٍ بدْعَةٌ، وكل بدعَةٍ ضَلالةٌ”، وقال ﷺ «شَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» مسلم.
وحذَّرَ الصحابةُ وتابعوهم بإحسانٍ من البِدَعِ كلِّها، ونصحوا الأُمّةَ وأَوْصَوْها بلزوم السُّنن واجتنابِ البدَع، فقَالَ عبدُ الله بن مسعود رضي الله عنه: “اتّبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفِيْتُم” وقال رضي الله عنه «إِنَّا نَقْتَدِي وَلَا نَبْتَدِي، وَنَتَّبِعُ وَلَا نَبْتَدِعُ , وَلَنْ نَضِلَّ مَا تَمَسَّكْنَا بِالْأَثَرِ» وقال أيضاً رضي الله عنه: “إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَقْوَامًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ , فَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّبَدُّعَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعَمُّقَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعَتِيقِ»
وعَنْ عَاتِكَةَ بِنْتِ جَزْءٍ قَالَتْ: أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَسَأَلْنَاهُ عَنِ الدَّجَّالِ فقَالَ لَنَا: «لَغَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ مِنَ الدَّجَّالِ، أُمُورٌ تَكُونُ مِنْ كُبَرَائِكُمْ، فَأَيُّمَا مُرَيَّةٍ أَوْ رُجَيْلٍ أَدْرَكَ ذَاكَ الزَّمَانَ، فَالسَّمْتَ الْأَوَّلَ، السَّمْتَ الْأَوَّلَ , فَأَمَّا الْيَوْمَ عَلَى السُّنَّةِ» أي أنّه يخاف عليهم من البِدَعِ أكثرَ من خوفهِ عليهم من الدجال، ثم أَوصى مَنْ أدركَ البدعَ من رجلٍ أو امرأة أن يتمسك بالسَّمْتِ الأَوّل، وهو ما كان عليه النبيُّ ﷺ وأصحابُه رضي اللهُ عنهم.
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: “إياكم وما ابتُدِع فإنما ابتُدِع ضلالة”، فبيّنَ رضي الله عنه أنَّ كلَّ البدعِ ضلالةٌ، فليسَ في البدَعِ في الدين حقٌ ولا هدىً ولا رُشْد.
وقال حذيفة رضي الله عنه ناصحاً طلبةَ العلمِ على وجهِ الخصوص لأَنّهم القدوةُ للأُمّة: ” اتقوا اللهَ يا معشرَ القُرّاء، خذوا طريقَ مَنْ قَبْلَكُم فَوَاللهِ لئن سَبَقتُمْ لقد سَبقتُمْ سَبْقاً بعيداً، وإن تركتموه يميناً وشمالاً فقد ضللتمْ ضَلالاً بعيداً” فأوصى رضي الله عنه طلبةَ العلمِ بالثباتِ على نفسِ الطريقِ الذي كان عليه النبيُّ ﷺ وأصحابُه فهو الموصل إلى الإمامةِ في الدين، وإلى الفردوسِ الأعلى في جوار رب العالمين، وهو العِصمةُ من الزيغِ والضلالِ المبين.
وقال عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ اَلْأَزْدِيِّ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَوْصِنِي قَالَ: “عَلَيْكَ بِالِاسْتِقَامَةِ، اِتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ”.
وقال ابن عباس أيضاً محذِّراً من مسارعةِ الناسِ إلى البدع وإهمال السُّنن: “لَا يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ عَامٌ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً، وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً حَتَّى تَحْيَى اَلْبِدَعُ وَتَمُوتَ اَلسُّنَنُ”. ومثل هذا التحذير أيضاً قول التابعيِّ الجليلِ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ «مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً فِي دِينِهِمْ إِلَّا نَزَعَ اللَّهُ مِنْ سُنَّتِهِمْ مِثْلَهَا، ثُمَّ لَا يُعِيدُهَا عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أي أَنّ البدع مانعةٌ لأهلِها من العمل بالسنة في ذلكَ البابِ الذي أُحْدِثَتْ فيه البدعة، فمن ابتدع في الذِّكرِ بعدَ الصلاةِ بدعةً حُرِمَ مِن العملِ بالسُّنَّةِ الواردةِ في الذكرِ بعد الصلاة، ومن ابتدع بدعةً في اتّباع الجنازةِ أو العَزاء حُرِم من العملِ بالسُّنَّةِ الواردةِ في اتّباعِ الجنائزِ أو في العزاء وهكذا.
وقال الزُّهْرِيِّ رحمه الله _وهو أحدُ ساداتِ التابعين وكبارِ علمائِهم_ ” كَانَ مَنْ مَضَى مِنْ عُلَمَائِنَا يَقُولُون: «الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ، وَالْعِلْمُ يُقْبَضُ سَرِيعًا , فَنَعْشُ الْعِلْمِ ثَبَاتُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَذَهَابُ الْعُلَمَاءِ ذَهَابُ ذَلِكَ كُلِّهِ». وفي هذه الكلمة العظيمة البيانُ والبشارة بأَنّ مَن اعتصمَ بسنّةِ محمدٍ ﷺ وسُنّةِ السلفِ الصالح نجى في الدنيا من الضلال، ونجى في الآخرةِ من النار، ثم بَيّنَ أَنّ السُّنة لا تُدرك ولا تُعرفُ إلا بالعلم الشرعي، العِلمِ المبنيِّ على (قال الله) و (قال رسوله ﷺ) و(قال الصحابة والتابعون لهم بإحسان).
وهذا العِلمُ الشريفُ لا يُتلَقّى خالصاً نقياً من الشوائب إلا مِن العلماء الراسخين، فإذا ذَهبَ العلماءُ ولم يُؤخذْ عنهم ظَهرتِ البدع، وخَفِيَتْ السُّنن، والله المستعان، فكأنَّ الناصحينَ الذين نَقل عنهم الزهريُّ هذه الكلمة يَستحثّونَ هممَ العلماء على نشرِ العلمِ وبيانه، ويستحثّونَ طلبة العلم خاصّة والأُمّةَ عامّة على الرجوعِ إلى العلماء، والأخذِ عنهم قبل موتِهم. لِيَكونَ عندَ الناسِ من العِلمِ الشرعي ما يَدُلُّـهُمْ على السُنَّنِ فيعملوا بها، ويُبَصِّرَهم بالبدعِ فيجتنبُوْها.
أسأل اللهَ أن يمسكنا بالسُّنَّة، وأن يجنِّبَنا البِدعة، وأن يهديَنا صراطَهُ المستقيم. أقولُ هذا القول، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كلِّ ذنب، فاستغفروهُ إنّهُ هوَ الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا اللهَ عبادَ الله، وتمسكوا بالسنن فإنها نجاة، واجتنبوا البدع فإنّها هلاك، ومن الشُّهور التي تكثرُ فيها البدعُ عندَ بعضِ المسلمين شهرُ رجب، وهي بِدعٌ قديمة، وما زالَ العلماءُ يُحَذِّرونَ منها مُنذُ ظهورِها إلى يومِنا هذا ، كصلاةِ الرغائب في أَوَّلِ خَميسٍ من رجب، بين المغربِ والعشاء، وصلاةِ أُمِّ داود في نصف رجبَ لكشفِ الكُرَب، والاحتفالِ بليلةِ الإسراءِ والمعراج في آخرِ رجب، فاحذروا هذه البدعَ وحذِّروا منها، وانشروا فتاوى أهلِ العِلم في التحذيرِ منها عَبْرَ وسائلِ التواصلِ، لِيَشِيْعَ العلمُ بالحقِّ بَيْنَ الناسِ ويَشْتَهِر.
جعلني اللهُ وإياكم من دعاة الحق وأنصارِه، إنه سميع مجيب. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
جزاكم الله خيراً وهذا يثلج الصدر نسأل الله ان يجعل ذلك في ميزان حسناتك
جزاكم الله خيرا وبارك في علمكم وعملكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
رجاء ارسال خطبة الجمعة ليوم غد
18رمصان
اللهم بارك ، خطبة طيبة مباركة
اسأل الله أن يثيبكم ويفتح عليكم ويزيدكم من فضله وينفع بكم