العنوان : الخشوع في الصلاة (خطبة مكتوبة)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على صلاتكم فإنها أجل أركان الإسلام بعد الشهادتين، ومن المحافظة عليها أن يؤديها المسلم بخشوع وخضوع حتى يكون من المفلحين الذين قال الله فيهم {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} ومعنى الآيتين أن المؤمنين كلَّهم مفلحون، ولكن أهل الخشوع في الصلاة من المؤمنين أعظم وأكبر فلاحاً من غيرهم.
والخشوع في الصلاة معناه الخضوع لله والتذلل له، وإذا خضع قلب المصلي وذل لله جل وعلا أورثه ذلك غضَّ طرفه حتى يكون في موضع مصلاه لا يرتفع إلى أعلى، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً من غير حاجة مشروعة، وإذا خضع القلب لله وتذلل له سكنت الأطراف عن العبث واللعب، وكثرة الحركة في الصلاة، وإذا خشع القلب لله وخضع له أقام العبد الصلاة بأركانها وواجباتها وحرص على سننها ومكمّلاتها.
وإذا خشع القلب وخضع لله كان حاضراً في الصلاة حين التكبير، وحين التلاوة والتسبيح، وحين التسميع والتحميد، وحين الدعاء والابتهال.
وإذا خشع القلب وخضع لله انكفت الوساوس عن المصلي، وسهل عليه التغلب على الاسترسال مع حديث النفس.
وإذا خشع القلب وخضع أثَّرت فيه آيات الوعد والرحمة، فرغب في ربه وثوابه، ودار رحمته وجناته، وما أَعدّ فيها لأوليائه، فيكون في ذلك شداً لأزره، وتقويةً لعزيمته، فتراه مسارعاً في الخيرات، مبادراً إلى الطاعات. وإذا خشع القلب وخضع لله أثرت فيه آيات الوعيد والنار، فخاف من ربه، وأليم عقابه، وشدة عذابه، فيكون ذلك أعظمَ زاجرٍ له عن المعاصي، وأقوى رادعٍ له عن الآثام.
عباد الله: إن مما يعين المسلم على الخشوع في صلاته، أن لا يدخلها إلا متفرغاً لها فلا يدخلها وهو يدافعه الأخبثان من بول أو غائط، ولا يدخلها وهو مشوش الذهن بجوع أو رغبة في طعام. وأن لا يكون في لباسه أو موضع صلاته من التصاوير ما يشغل قلبه أو بصره.
ومما يعين عل المسلم على الخشوع في صلاته أن يتدبر ما يتلوه فيها من القرآن، وأن يستحضر معاني الأذكار والأدعية التي يقولها في صلاته.
ومنها كذلك أن يجاهد نفسه على أن لا يحدث نفسه في صلاته، وعن الاسترسال مع حديث النفس إذا وقع فيه.
وأن يستحضر المصلي أنّ في الصلاة شغلاً عن كل ما سواها من الدنيا، فما شرعت الصلاة إلا لذكر الله تعالى، والإقبال عليه كما قال عز وجل {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}، وأن يستحضر المصلي أنه ليس له من الثواب في صلاته إلا المقدار الذي كان قلبه فيها حاضراً، لا غافلاً ولا ساهياً.
وأن يستحضر العبد أنه إذا قام في الصلاة فإنه في حال عظيم، وموقف جليل، يقف فيه بين يدي أعظمِ عظيم، وأكبر كبير، ملك الملوك، ورب الأرباب، فلا أكبرَ ولا أعظمَ ولا أجلَّ من الله جلّ جلاله، وتقدست أسماؤه.
وليستحضر المصلي أنه إذا قام في الصلاة فإن الله تعالى قِبَل وجهه، وأن الرحمة تواجهه، وتنزل عليه، وتقبل إليه، وليستحضر أنه إذا قال (الحمد لله رب العالمين) قال الله من فوق عرشه “حمدني عبدي”، وإذا قال (الرحمن الرحيم) قال الله من فوق عرشه “أثنى علي عبدي”، وإذا قال (مالك يوم الدين) قال الله من فوق سبع سماوات “مجدني عبدي”..
فاستحضار هذه المعاني مما يعين المسلم على أداء صلاته بخشوع وخضوع وحضور قلب، فينتفع بصلاته أعظم انتفاع. جعلني الله وإياكم من المفلحين، وفي الصلاة من الخاشعين إنه سميع مجيب، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وتذكروا حال عباد الله الصالحين من النبيين والمرسلين، وأهل العلم والخشية من رب العالمين ،كيف كانوا في صلاتهم فإنهم نِعِمَ القدوةُ للمقتدي، فقد كانوا يخشعون في صلاتهم حتى تَرِقَّ قلوبُهم وتدمعَ عيونُهم ويبكون من خشية الله تعالى فيها، قال الله عز وجل بعد أن ذكر جملة مباركة من النبيين والمرسلين {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} وقال تعالى عن ورثتهم من العلماء {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } وعن عبد الله بن الشِّخِّير رضي الله عنه قال: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ، وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ» أي لصدره صوتٌ كصوتِ الرَّحا من البكاء، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قَامَ النَّبِيُّ ﷺ بِآيَةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا، وَالْآيَةُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
أسأل الله لي ولكم أن يجعل الصلاة قرةَ عيونِنا، وراحةَ قلوبِنا، وانشراحَ صدورِنا، وأن يجعلنا فيها من الخاشعين، وبها من المفلحين، وأن لا يجعلنا لها من المضيعين، ولا عنها من الساهين، ولا فيها من الغافلين، إنه سميع مجيب. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأييدك اللم احفظ ولي العهد بحفظك واكلأه برعايتك وانصر به دينك وأعل به كملتك يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.