جديد الإعلانات :

العنوان : عقوق الوالدين خطبة مكتوبة

عدد الزيارات : 17601

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن أعظم الحقوق عليكم بعد حق الله هو حق الوالدين، فكثيراً ما يجيء في الكتاب والسنة الوصية بالوالدين والتحذير من عقوقهما بعد الأمر بالتوحيد والنهي عن الإشراك بالله تعالى.

قال جل وعلا (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا) وقال تعالى (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) وسئل النبي ﷺ عن أفضل الأعمال فبدأ بالصلاة وثنى ببر الوالدين، وسئل النبي ﷺ عن الكبائر فبدأ بالشرك وثنى بعقوق الوالدين. فعلى المسلم والمسلمة أن يتقيا الله في آبائهم وأمهاتهم وأن يعرفا عظم حقهما عليه ولو كانا كافرين.

إخوة الإسلام:

كما جاءت الآيات والأحاديث آمرة ببر الوالدين، ومذكرة بما وعد الله به ورسوله أهل البر من الثواب الجزيل والأجر العظيم والعوائد الحسنة الجميلة في الدنيا والآخرة فقد جاءت أيضاً محذرة من عقوقهما، وأذيتهما والإساءة إليهما والتقصير في حقوقهما، ومتوعدة على العقوق بأشد الوعيد، ومنذرة أهل العقوق بأنواع من الخسران والحرمان والخزي والعذاب في الدنيا والآخرة نسأل الله العافية.

قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} فتوعد الله من قطع رحمه وأعظم الرحم حقاً هم الوالدان_ توعدهم جل وعلا وهو ذو الملكوت والجبروت بأن يلعنهم ومن لعنه الله فقد طرده من رحمته شر طردة والعياذ بالله، وتوعدهم بصمم الآذان وعمى الأبصار أي أن الله تعالى يمحق بركة أسماعهم وأبصارهم فلا ينتفعون بها فيما يقربهم من الله ويبعدهم من غضبه

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } فبين الولد ووالديه حبل متين يجب أن يصله الولد ولا يقطعه فإن قطعه بالعقوق والأذى لعنه الله وأخزى عاقبته وجعل مصيره إلى النار وبئست الدار.

وقال ﷺ: ” لا يدخل الجنة قاطع رحم” وهذا وعيد شديد لمن قطع رحمه وفي مقدمتهم الوالدان.

إن الوالدين هما من أوسع أبواب الجنة ببرهما وطاعتهما والإحسان إليهما فيا خسارة ويا حسرة من أدرك أبويه أو أدرك أحدهما ثم دخل النار بسبب عقوقهما، أي فرصة فاتت عليه وضاعت منه قال ﷺ “رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ»، قِيلَ: مَنْ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ” صحيح مسلم

عباد الله:

إن الله تعالى يوم القيامة يشتد غضبه، ويغضب غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ، ولكنه ينظر إلى عباده الموحدين نظر رحمة ورأفة يقيهم بها من أهوال ذلك اليوم وشدائده لكنّ العاق لوالديه محروم من تلك النظرة الرحيمة الكريمة قال ﷺ  “ثلاثَةٌ لا ينظرُ الله إليهم يومَ القِيَامَةِ: العاقٌّ لوالديْهِ، ومدمِنُ الخمْر، والمنَّان عطاءَه” فبدأ بالعاق لوالديه لعظم جرمه، وقبح ذنبه.

وإذا جاء المؤمنون يوم القيامة بأعمالهم الصالحة تقبلها الله منهم فرضها ونفلها ويأتي العاق لوالديه فيرد عليه عمله لا يقبله الله منه قال ﷺ “ثلاثَةٌ لا يَقبلُ الله عزَّ وجلَّ منهم صَرْفاً ولا عَدْلاً: عاقُّ، ومنَّانٌ، ومُكَذِّب بقَدَرٍ”. وانظر كيف بدأ بالعاق بوالديه في هذا المقام المخزي مما يدل على عظم جرمه، وبشاعته وقبحه، وشدة غضب الله عليه. ويؤكد هذا المعنى أيضاً الحديث الآخر الذي فيه أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! شهدتُ أنْ لا إله إلا الله، وأنّكَ رسولُ الله، وصلّيْتُ الخمسَ، وأدَّيْتُ زكاةَ مالي، وصُمتُ رمضانَ؟ فقال النبيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “مَنْ ماتَ على هذا كان معَ النبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهَداءِ يومَ القيامة هكذا -ونصب أصبعيه- ما لَمْ يَعقَّ والديه”رواه أحمد، فانظر كيف حرمه العقوق من مرافقة النبيين والصديقين والشهداء مع مات عليه من الأعمال الصالحة الجليلة.

فنعوذ بالله من عقوق الوالدين، ومن الخزي والندامة في الدارين، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن عقوق الوالدين له صور كثيرة أدناها أن يقول لهما “أف” كما قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) قال أهل العلم لو كان في العقوق شيء أدنى من هذه الكلمة لذكرها. فإذا كنت منها عن أذيتهما بالتأفف منهما فما ظنك بما هو أشد من ذلك كمعصيتهما بغير حق، ورفع الصوت عليهما، وشتمهما ولعنهما، وضربهما، وترك الإنفاق عليهما مع حاجتهما وقدرتك.

لا شك أن عذابَ العقوق كلَّه شديد، لكن كلما اشتد العقوق اشتدت العقوبة قال ﷺ محذراً من لعنِ الوالدين وسبِّهما والتسببِ في سبهما “لعن الله من لعن والديه” وقال ﷺ : “من الْكَبَائِر شتم الرجل وَالِديهِ قَالُوا يَا رَسُول الله وَهل يشْتم الرجل وَالِديهِ قَالَ نعم يسب أَبَا الرجل فيسب أَبَاهُ ويسب أمه فيسب أمه” متفق عليه.

إخوة الإيمان: لقد أمر الله الأبناء والبنات بالإحسان إلى الوالدين ولو كان الوالدان كافرين بل ولو كانا يجاهدان ولدهما المسلم على أن يكفر بالله. فماذا يقال لبعض الأبناء والبنات الذين يقاطعون آباءهم أو أمهاتهم لأسباب شخصية وحظوظ دنيوية أو يضربونهم أو يسلمونهم لدور الإيواء هرباً من رعايتهم وخدمتهم حين تقدم بهم العمر ماذا يقال لأبناء وبنات قد وسع الله عليهم قد قصروا في الإنفاق على آبائهم وأمهاتهم مع فقرهم وحاجتهم؟ ماذا يقال لأبناء وبنات يخاصمون آباءهم وأمهاتهم أشد الخصومة ويجرجرونهم إلى المحاكم بلا خجل ولا حياء من أجل الدرهم والدينار. إن الابن ولو كان له حق في الدعوى فلا يجوز له ولا يحل له أن يرفع عليه صوته أو يسيء معه أدبه. مع أن الأليق بالأبناء أن يترفعوا عن محاكمة آبائهم أو أمهاتهم ويحلوا مشكلاتهم صلحاً فيما بينهم أو لدى الفضلاء والعقلاء، فإن حُلّت الأمور فالحمد لله وإن لم تُحلّ فماذا عليهم لو أنهم عَفوا وصَفَحوا، وتنازلوا عن الذي لهم رغبةً فيما عند الله _وما عند الله خير وأبقى_. وعرفاناً بحق الأبوة أو الأمومة، ورعاية لسابقِ فضلِهما وعظيمِ حقهما، وقد قال تعالى عن الزوجين إذا افترقا ولها نصف المهر {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} [البقرة: 237] أي أن المطلقة قبل الدخول بها لها نصف المهر المسمّى، ولكنّ الله رغّب الزوج أن يكمّل للمرأة نصف المهر فيعطيها المهر كاملاً، ورغّب المرأة أن تتنازل عن النصف الذي لها فلا تأخذ شيئاً وذلك مراعاة للفضل الذي كان بينهما بعقد الزوجية، وهل من مقارنَةٍ بين فضلِ الأبوين على أبنائهم وبناتهم، والفضل الذي بين زوج وزوجة تفرّقا قبل أن يدخل بها. اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا كما ربونا صغاراً، وارزقنا البر بهم أحياء وأمواتاً. واجزهم عنا خير الجزاء. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة واجعلهم رحمة على البلاد والعباد يا سميع الدعاء، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

One comment

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    نحتاج إلى الخطب الصوتية يا إخوة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *