العنوان : بدعة الاحتفال بالمولد، والحث على أخذ لقاح الانفلوزا الموسمية خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعتصموا بكتاب الله وتمسكوا بسنة رسول الله، فإن الهدى والسعادة لمن جعل القرآن له إماما، واعتصم بالسنة اعتصاما، ولم يزغ عنها يميناً ولا شمالاً، كما قال تبارك وتعالى {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقال تعالى {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } وقال ﷺ “قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك”.
عباد الله: إن مما أحدثه كثير من الناس في دين الله بدعةُ الاحتفال بالمولد النبوي في شهر ربيع الأول من كل عام. ونحن نعلم أن كثيراً ممن يحتفل بالمولد يريد الخير والأجر والمثوبة لأنه يعبّر باحتفاله عن حبه للنبي ﷺ في ظنه. ولكنّ النيةَ الطيبة لا تجعل العمل صالحاً حتى يكون العمل موافقاً لهدي محمد ﷺ لقوله عليه الصلاة والسلام (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي أن كل عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله وهي ليست على أمر محمد ﷺ فهي مردودة عليه غيرُ معتبرة ولا متقبلة.
معاشر المؤمنين: إن العلماء مجمعون على أن الاحتفال بالمولد النبوي أمر محدث مخترع بعد القرون المفضلة الثلاث، أي لم يكن على عهد رسول الله ﷺ ولا أصحابه ولا التابعين ولا أتباع التابعين، وما كان كذلك فهو بدعة في الدين، وقد نص النبي ﷺ نص صريحاً أن كل بدعة في الدين ضلالة، وأنها في النار قال ﷺ: “عليكُم بسنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ، المَهديِّينَ الرَّاشدينَ، تَمَسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنَّواجذِ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمورِ، فإن كُلَّ مُحدَثَةٍ بدْعَةٌ، وكل بدعَةٍ ضَلالةٌ” وقال ﷺ “إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ»
فكيف يسمع المؤمن هذه الأحاديث الصحيحة الشريفة التي تنهى عن البدع أشد النهي ثم يرضى لنفسه أن يتقرب إلى الله بالبدع والمحدثات؟
كيف يرضى المسلم أن يتعبد لله بعبادة لم يشرعها الله وهو يقرأ كلام الله : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
كيف يرضى المسلم أن يزيد في دين الله ما ليس منه وهو يقرأ في كتاب الله : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } ألا يكفيه الدين الذي أكمله الله ؟ ألا يرضيه الدين الذي ارتضاه الله؟.
كيف يرضى المسلم أن يتقرب إلى الله بعمل لم يَسُنّهُ رسول الله ﷺ، ولا خلفاؤه الراشدون ولا الصحابة ولا التابعون، وإنما اخترعه الرافضة الباطنيون العبيديون في القرن الرابع الهجري؟! فهل يرضى المسلم أن يكون هؤلاء سَلَفُه وهم الذين سعوا إلى إبطال الإسلام والقضاء عليه، وقتلوا أربعة آلاف رجل ما بين عالم وعابد من أهل السنة لأنهم رفضوا أن يتركوا الترضي عن أصحاب محمد ﷺ، فهل تظن يا عبد الله أن قوماً هذه سيرتهم اخترعوا المولد النبوي حباً لله ولرسوله ولدينه؟.
إخوة الإسلام: إن العلماء المحققين منذ انتشار هذه البدعة وفشوّ أمرها في القرن السابع _عندما أحياها واعتنى بها ملك إربل بعد زوال دولة العبيديين _ وهم ينكرون المولد ويحذرون منه، ثم اشتد إنكار العلماء لهذه البدعة حين انضمّ إليها كثير من الضلالات العقدية كالغلو في النبي ﷺ ووصفه شعراً ونثراً بالصفات التي يختص بها الله كعلم الغيب وتفريج الكربات ومِلك الأرض والسموات ضاربين بعَرْض الحائط قولَه ﷺ «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» رواه البخاري، وحين انضم إليها جملة كبيرة من المعاصي الشهوانية كاختلاط الرجال والنساء، والرقص والغناء، والإسراف والتبذير، وغير ذلك من العصيان للعلي الكبير.
فاتّبعوا أهل العلم والتحقيق، وخذوا من دينكم العتيق، واجتنبوا الأهواء وبُنيّات الطريق. واستمسكوا بوصية ربكم إذ يقول {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وخذوا بالأسباب المشروعة والمباحة للسلامة من الأوبئة والأمراض المعدية، ومن الأسباب المباحة تناول اللقاحات التي تمنع الإصابة بالمرض بإذن الله أو تضعف تأثيره في حال الإصابة به، والدولة وفقها الله وأخلف عليها وبارك في جهودها قد وفرت اللقاحات المقاومة لأمراض البرد بالمجان، فاحرصوا على أخذها وأخذ أهلكم لها مع صدق التوكل على الله، فهذه نصيحة الجهات المعنية بالصحة، المخوَّلة من قبل ولاة الأمر، وهم أدرى وأعلمُ بالمصلحة، وأحرصُ علينا ممن يزهد فيها، ويخوف الناس من استعمالها دون بصيرة ولا برهان.
نسأل الله أن يحفظنا جميعاً بحفظه، وأن يعجّل برفع الوباء، وكشف الكربة وجلاء الغُمّة إنه رؤوف رحيم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم انصر بهم دينك وأعل بهم كلمتك، وهيء لهم من أمرهم رشداً. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.