العنوان : أولئك لهم عقبى الدار (خطبة مكتوبة)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن مِن عباد الله مَن أثنى عليهم ووعدهم يوم القيامة بالجنة ووعدهم أن يجمعهم فيها بمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وأن يكرمهم فيها بدخول الملائكة عليهم في قصورهم للسلام عليهم، إدخالاً للسرور على قلوبهم، وإظهاراً لكرامتهم على الله عز وجل.
إخوة الإيمان: مما لا شك فيه أنه ما من عاقل يسمع ما أعده الله لهؤلاء إلا ويتمنى أن يكون منهم، وداخلاً في زمرتهم، وهل ذلك عسير ؟ لا بل هو بل يسير على من يسره الله عليه، فإن هؤلاء القوم لهم صفات بيّنَها الله تعالى في كتابه فمن اتصف بها في هذه الدنيا كان منهم في الآخرة.
فأصغ بأذنك وقلبك _يا عبد الله _ لهذه الصفات ثم افهمها ثم استعن بالله وجاهد نفسك على التخلق بها لتكون من أهلها قال تعالى : {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}
فمن صفاتهم أنهم يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، أي أنهم يقومون بما أوجب الله عليهم من الفرائض والواجبات، ويجتنبون ما نهى الله عنه من المعاصي والمحرمات، كما أنهم يوفون بالعهود والعقود التي بينهم وبين الخلق لا ينقضون ولا يغدرون ولا يخونون.
ومن صفاتهم أنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل ومن ذلك أنهم يبرون آباءهم وأمهاتهم غاية البر ولو كانوا كباراً، ويصلون أرحامهم بالسلام والزيارة والهدية وأنواع البر والإحسان سواء وصلتهم أرحامهم أم قطعتهم وسواء أحسنت إليهم أرحامهم أم أساءت إليهم.
ومن صفاتهم أنهم يخشون ربهم ويخافون يوم يقوم الحساب لذلك تراهم يراقبون الله في حركاتهم وسكناتهم وأقوالهم وأفعالهم وعلانيتهم وخلوتهم، فيجاهدون أنفسهم على الاستقامة التامة باجتناب ما نهوا اجتناباً قاطعاً، وبفعل ما أمروا به قدر استطاعتهم.
ومن صفاتهم أنهم يصبرون على طاعة الله فيقيمون الصلاة ويصلون مع الجماعة ويصومون ويحجون ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويدعون إلى الخير، ويجاهدون في سبيل الله مع ولاة أمورهم إذا استنفروهم للجهاد.
ويصبرون عن معصية الله ولو كانت تشتهيها نفوسهم، فيغضون البصر عن النظر إلى النساء ويكفون أسماعهم عن الاستماع إلى الغناء، ويحفظون فروجهم عن الزنا، ويحفظون بطونهم عن أكل الحرام كالرشوة والربا.
ويصبرون كذلك لله على أقدار الله المؤلمة كالأمراض وخسارة المال وموت الأحبة وغير ذلك من أنواع الابتلاءات عافانا االله وإياكم. فهم وإن حزنت قلوبهم ودمعت أعينهم إلا أنهم يصبرون ويحتسبون ولا يقولون إلا ما يرضي الله.
ومن صفاتهم أنهم يقيمون الصلاة فيصلون الصلوات الخمس في أوقاتها وإن كانوا من أهل الجماعة صلوها في المساجد مع الجماعة، لا يتخلفون عنها لنفاق أو ضعف إيمان إنما إن تخلفوا عنها تخلفوا لعذر شرعي كالمرض ونحوه. وهم مع إقامة الصلاة المكتوبة يحرصون أيضاً على السنن الرواتب وقيام الليل والوتر وما شرعه الله زيادة على الفرائض الخمس.
ومن صفاتهم أنهم أهل جود وكرم وإحسان فيؤدون زكاة أموالهم طيبة بها نفوسهم، وينفقون على أنفسهم وأهليهم بالمعروف، كما أنهم يتصدقون ويكرمون الضيف ويغيثون الملهوف.
ومن صفاتهم أنهم يدرؤون بالحسنة السيئة فإذا عصوا الله تابوا، وإذا عملوا سيئة أتبعوها بعمل حسنة ليمحوها الله، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وكذلك يقابلون الشر بالخير والإساءة بالإحسان.
عباد الله: إن أصحاب هذه الصفات الكريمة الجليلة هم الذين وعدهم بالله بقوله: ” أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ”. فلنشمّر عن ساعد الجد ولنتخلق بهذه الأخلاق ومن استعان بالله أعانه الله ومن جاهد في الله هداه الله. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتدبروا كتاب الله وانظروا ما يحبه الله من الإيمان والأقوال والأفعال فاعملوا به تكونوا من أهله، وانظروا ما ينهى الله عنه ويبغضه من اعتقاد أو قول أو فعل كالكفر والفسوق والعصيان فاجتنبوه، فإن القرآن إنما أنزل للتدبر والعمل بما فيه قال تعالى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}
اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين يؤمنون به ويتدبرونه ويعملون بما فيه على الوجه الذي يرضيك، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله إن الله يامر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروا له على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
جزاك الله خير وبارك فيك