العنوان : فضل الخلفاء الأربعة وعائشة وحفصة رضي الله عنهم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن خير هذه الأمة بعد نبيها ﷺ هم الصحابة رضوان الله عليهم قال ﷺ (خير الناس قرني) ويعني بقرنه أصحابه. وحبُّ الصحابة رشد وإيمان وبغضهم كفر ونفاق قال تعالى بعد أن أثنى على الصحابة (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ). وقال ﷺ «آيَةُ الْمُنَافِقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ الْمُؤْمِنِ حُبُّ الْأَنْصَارِ» رواه مسلم. وإذا ثبت هذا في حق الأنصار ثبت في حق المهاجرين من باب أولى لأنهم شاركوا الأنصار في النصرة وزادوا عليهم بالهجرة.
وقد أثنى الله على الصحابة في كتابه الكريم وأخبر أنه اصطفاهم لصحبة نبيه وشهد لهم بالإيمان والصدق والفلاح وأخبر أنه قد تاب عليهم ورضي عنهم ووعدهم كلهم بالجنة في آيات كثيرة من كتابه الكريم وفضائلهم والثناء عليهم في السنة النبوية كذلك في غاية الكثرة.
والحديث عن فضل الصحابة ومكانتهم حديث فسيح المجال ولكن سنقتصر في هذا المقام على التذكير ببعض فضائل الخلفاء الأربعة وعائشة وحفصة رضي الله عنهم جميعاً.
فأفضل الصحابة على الإطلاق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهم الخلفاء الراشدون بعد رسول الله ﷺ وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة. قال ابن عمر: كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ: «أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ» وصعِد النبي ﷺ جبل أحد، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف الجبل، فقال: «اسكن أُحُدُ، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان» رواه البخاري. وقال ﷺ لعليٍ مخففا عنه أَلمَ تخلفه عن غزوة تبوك بأمر رسول الله ﷺ ليرعى شؤون أهل المدينة «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون، من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي» متفق عليه. وقال ﷺ يوم خيبر «لأعطين الراية غدا رجلاً يفتح على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» متفق عليه. فأعطاها عليا رضي الله عنه ، وقال ﷺ يوم غَدير خُم « من كنت مولاه فعلي مولاه» رواه الترمذي. وشهد النبي ﷺ لهؤلاء الأربعة بأسمائهم بالجنة فقال ﷺ “أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ” الحديث رواه أبو داود والترمذي. وشهد النبي ﷺ لخلافتهم من بعده بأنها خلافة نبوة دون تسميتهم فقال ﷺ: «خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ» رواه أبو داود. والثلاثون سنة هي مدة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم. فقبح الله من يطعن في خلافتهم وأدام خزيه.
وأما عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فهي أحب زوجات النبي ﷺ إليه فقد سأله عمرو بن العاص فقال ” أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة»، فقلت: من الرجال؟ فقال: «أبوها»، قلت: ثم من؟ قال: «ثم عمر بن الخطاب» متفق عليه، وفضّلها النبي ﷺ على سائر النساء فقال «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» متفق عليه. ولعظم شأنها تولى الله تعالى بنفسه المقدسة الدفاع عنها لما اتهمت في عرضها فأنزل الله تعالى آيات تتلى إلى يوم القيامة في براءتها رضي الله عنها. وقد اختار الله تعالى أن يموت النبي ﷺ في يومها وفي حجرتها وهي مسندةٌ ظهرَه إلى صدرها، وجمع الله بين ريقه وريقها قبيل موته بقليل حين قضمت له السواك لتليّنه له عليه الصلاة والسلام وسمعته وهو يقول “اللهم في الرفيق الأعلى” ثم مات عليه الصلاة والسلام. ثم غُسل وكُفن ودُفن في حجرتها فهو فيها إلى أن يبعثه الله يوم القيامة.
وأما حفصة بنت عمر رضي الله عنه فهي أم المؤمنين والصحابية الجليلة أسلمت وهاجرت وخلف عليها النبي ﷺ بعد أن مات زوجها الأول متأثراً بجراحه في غزوة أحد رضي الله عنه. وكانت سيدة جليلة عابدة صوامة قوامة طلّقها النبي ﷺ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ: “يَا مُحَمَّدُ، طَلَّقْتَ حَفْصَةَ وَهِيَ صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ، فَرَاجِعْهَا ” رواه الحاكم. فراجعها النبي ﷺ. ومات عنها مع أخواتها أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين. وقد عاشت بعد النبي ﷺ ثلاثين سنة معمورة بالطاعة والعبادة والرواية عن رسول الله ﷺ وكانت محل ثقة أبيها الفاروق رضي الله عنه فأوصى لها عند موته، وكان المصحف الذي جمعه أبو بكر الصديق محفوظاً عندها في بيتها حتى ماتت رضي الله عنها وأرضاها. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه واتبع هديه واقتفى أثره أما بعد: فإن من حكمة الله أن جعل لأوليائه أعداء أسوة بأنبيائه كما قال تعالى : {كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} وقد ناصبت الفرقة الرافضية أصحاب محمد ﷺ العداوة فبسطوا ألسنتهم وأقلامهم بسبهم ولعنهم والافتراء عليهم ليكون ذلك أجراً وثواباً لأصحاب محمد ﷺ، وليبتلي أهلَ الحق من أتباع الصحابة ليظهر مَن يثبت على الحق ويبينه وينصره ويدفع عنه الشبه وينهى عن هذا المنكر ويعاملُ أهلَه بمقتضى قواعدِ الشرع دون إفراط ولا تفريط. وحتى يتبين ويمتاز عن أهل الحق ضعفاءُ الإيمانِ والصبر واليقين، وأصحابُ القلوبِ المريضة والأهواءِ الفاسدة ممن ينتسب إلى الحق وهو يؤاخيْ ويُوادُّ أعداءَ أصحاب نبيه ﷺ ومبغضي أزواجه أمهات المؤمنين. ويضع يده في أيديهم وهم يكيدون أخبث الكيد للإسلام وأهله وأوطانه.
عباد الله: إن القلوب بيد الله وحده، وإن المسلم قد يرتد، وإن السني قد يبتدع، وإن الصالح قد يفسق أعاذنا الله وإياكم من الضلالة بعد الهدى ومن الحور بعد الكور. وإن من أعظم أسباب الزيغ والانحراف الإصغاءَ والاستماعَ والقراءةَ لأهل البدع والأهواء فضلاً عن مجالستهم ومعاشرتهم ومصاحبتهم. لذلك أوصى النبي ﷺ عائشةَ والأمة كلها فقال: «فإذا رأيتِ الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» متفق عليه. فمن ضيع وصية النبي ﷺ واستمع لهم فدخلت الشبهات إلى قلبه وخرج نور الحق من قلبه وارتكس في الباطل فلا يلومن إلا نفسه. فمن نفسه الأمارةِ بالسوء قد أُتي، وما أزاغه الله حتى كان هو قد قدّم أسباب زيغه كما قال تعالى (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) وذلك من عدل الله تعالى (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
فاستمسكوا بعقيدتكم واعتصموا بكتاب ربكم وسنة نبيكم ﷺ واحفظوا وصية محمد ﷺ في أصحابه وأزواجه، فلا يكن في قلوبكم لهم إلا المحبةَ والتوقير َوالتقدير. ولا تتحرك ألسنتكم في شأنهم إلا بالترضي عنهم وذكرِهم بالجميل لتكونوا ممن قال الله فيهم (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ _ أي من بعد الصحابة_ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن أصحابه وخلفائه الراشدين وأزواجه أمهات المؤمنين، اللهم مسّكنا بهديهم واحشرنا في زمرتهم يا أرحم الراحمين، اللهم عليك بمن يلعنهم ويمقتهم ويعاديهم فإنهم لا يعجزونك إنك أنت القوي العزيز. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.