العنوان : حوض النبي صلى الله عليه وسلم صفته وأسباب الحرمان من وروده خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 70، 71]
أما بعد: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْر الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ.
إخوة الإسلام: إن الله تعالى إذا أراد أن يبعث عباده من قبورهم أمر إسرافيل فنفخ في الصورة نفخة البعث فيقوم الناس أحياء بعد الموت ينفضون التراب عن رؤوسهم عراة لا ثياب عليهم حفاة لا نعال في أرجلهم، غرلا غير مختونين، فينطلقون إلى أرض المحشر وهي أرض مستوية ثم تدنو الشمس من الرؤوس مقدار ميل ويصيب الناس من العطش والتعب والنصب مالا يعلمه إلا الله، وفي ذلك المحشر الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين في مكان واحد يكرم الله تعالى نبيه وأمة نبيه ﷺ بحوض عظيم فتنطلق إليه هذه الأمة المحمدية فيجدون النبي ﷺ فَرَطاً لهم قد سبقهم إليه، قائماً ينتظرهم عليه، فيصلون إليه _وهم فيما يبدو في عطش شديد_ فمنهم من يشرب منه _ أسأل الله لي ولكم من فضله_ ومنهم من يمنع منه _ نعوذ بالله من مقته وغضبه_.
إخوة الإيمان: إن النبي ﷺ وصف لنا حوضه حتى كأننا نراه بأعيينا فمن أوصافه أنه حوض عظيم طوله مسيرة شهر وعرضه مثل طوله قال ﷺ “حوضي مسيرة شهر” كما أنه شبه طول الحوض بالمسافة التي بين المدينة وصنعاء والقصد من هذا التشبيه بيان كبر الحوض وسعته. فهو كاف لمن شاء الله من أمة محمد ﷺ وكيف لا يسعهم وهو من ماء الجنة ونعيم الجنة لا ينفد.
وأما صفة ماء الحوض فهو ماء بارد حسن اللون حسن الطعم حسن الرائحة، فما أعظمه وما أحسنه من ماء تتلذذ به النفس والعين والأنف والفم قال ﷺ «مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ» وقال ﷺ: «مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ». وقال ﷺ “وأبرد من الثلج” رواه ابن حبان.
وفي الحوض أكواب وأواني للشرب لا يعلم عددها إلا من خلقها قال ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ النُّجُومِ، وَلَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ».
وماء الحوض من ماء الكوثر وهو نهر في الجنة أعطاه الله لنبينا ﷺ على حافتيه قبابٌ من الدر المجوف وطينه مسك أذفر أي شديد الرائحة الطيبة يصله عن طريق ميزابين أحدهما من ذهب والآخر من فضة يتدفقان منه ويصبان صباً شديداً قال ﷺ: «يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالْآخَرُ مِنْ وَرِقٍ» يعني من فضة رواه مسلم.
ومن فضل الله تعالى أنه من ورد الحوض فشرب منه شَربةً لم يظمأ بعدها أبداً قال ﷺ: «مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا» رواه ابن ماجه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الموقف يوم القيامة موقف عسير فإن الناس يقومون على أرجلهم خمسين ألف سنة والشمس فوق رؤوسهم ويبلغ منهم الحر والكرب والعطش مبلغاً عظيماً حتى منهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه ومنهم إلى ركبتيه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً على قدر أعمالهم، فهنيئاً لمن منّ الله عليه في ذلك اليوم العسير فورد حوض محمد ﷺ فشرب منه فأفلح وارتوى رياً لا ظمأ بعده أبداً.
عباد الله: إن من نهل من شريعة محمد ﷺ في هذا الدنيا واستقام عليها نهل من حوضه يوم القيامة، ومن لم ينهل من شريعته ولم يستقم عليها بل زاغ وغوى وظلم وطغى ورجع على عقبيه القهقرى فإنه يمنع من ورود الحوض ويطرد عنه أشد الطرد _والعياذ بالله_ قال ﷺ : ” إِنِّي لَكُمْ فَرَطٌ عَلَى الْحَوْضِ، فَإِيَّايَ لَا يَأْتِيَنَّ أَحَدُكُمْ فَيُذَبُّ عَنِّي كَمَا يُذَبُّ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، فَأَقُولُ: فِيمَ هَذَا؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا ” رواه مسلم. قال ابن عبد البر رحمه الله : ” كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ مَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَلَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ فَهُوَ مِنَ الْمَطْرُودِينَ عَنِ الْحَوْضِ الْمُبْعَدِينَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَشَدُّهُمْ طَرْدًا مَنْ خَالَفَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَفَارَقَ سَبِيلَهُمْ مِثْلُ الْخَوَارِجِ عَلَى اخْتِلَافِ فِرَقِهَا وَالرَّوَافِضِ عَلَى تَبَايُنِ ضَلَالِهَا وَالْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَصْنَافِ أَهْوَائِهَا فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يُبَدِّلُونَ وَكَذَلِكَ الظَّلَمَةُ الْمُسْرِفُونَ فِي الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَتَطْمِيسِ الْحَقِّ وَقَتْلِ أَهْلِهِ وَإِذْلَالِهِمْ وَالْمُعْلِنُونَ بِالْكَبَائِرِ الْمُسْتَخِفُّونَ بِالْمَعَاصِي وَجَمِيعُ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ كُلُّ هَؤُلَاءِ يُخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا عُنُوا بِهَذَا الْخَبَرِ” انتهى كلامه رحمه الله. وأمر النبي ﷺ الأنصار أن يصبروا على جور الحكام حتى يلقوه على الحوض فيرجى لمن صبر لله إيماناً واحتساباً أن يكون من وراده، ويخشى على من لم يصبر أن يحرم من وروده.
أخوة الإيمان: كان سلفنا الصالح يخافون أن يطردوا عن الحوض لعلم وخشيتهم من الله ومن ذلك أن ابن أبي ملكية لما روى حديث أسماء عن النبي ﷺ ” إِنِّي عَلَى الحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ” قال:«اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا» رواه البخاري. ونحن نقول كما قال ذلك العبد الصالح: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. اللهم اجعلنا ممن يرد حوض نبيك ويشرب منه شربة لا يظمأ بعدها ابداً اللهم اجعل يوم القيامة علينا يوماً يسيراً اللهم يمن كتابنا وثقل موازيننا ويسر حسابنا وثبت على الصراط أقدامنا واجعل لجنة مستقرنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إلى ما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.