جديد الإعلانات :

العنوان : توجيهات وإرشادات في التعامل الشرعي مع السياح (خطبة مكتوبة)

عدد الزيارات : 5121

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المؤمنين: إن البلاد اليوم تشهد قدوم أعداد من السياح ومن المتوقع أن تزداد أعدادهم يوماً بعد يوم، وفيهم المسلم وفيهم الكافر. فما هو التعامل الشرعي معهم؟ وما التعامل الشرعي مع ما قد يحصل من مخالفاتهم لديننا وأخلاقنا؟.

أولاً: لنعلم جميعاً أن من دخل البلاد بإذن رسمي فله حق الأمان على نفسه وعرضه وماله لا يجوز العدوان عليه لا بظلم ولا بترويع ولا بخيانة أو غش أو خداع أو غير ذلك من صور الأذى، فهو ما دخل إلا بشرط الأمان على نفسه. ولو أن رجلاً من آحاد المسلمين أمّن كافراً محارباً على نفسه لم يجز العدوان عليه فكيف إذا كان الأمان صادراً من ولي الأمر ومع زائر ليس بمحارب بل قد لا يكون كافراً أصلاً بل من أهل التوحيد والإسلام والإيمان قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقال تعالى (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ)  وقال ﷺ: “ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ” متفق عليه.

ثانياً: قدوم الزوار والسياح إلى بلادنا يمثل فرصة كبيرة لتعريفهم بحقيقة الإسلام وشرح محاسنه لهم وتقديم صورة عملية من خلال التعامل معهم بالصدق والأمانة، والرحمة والسماحة، فإن تأثر القلوب والنفوس بالأفعال، أبلغُ بمراحلَ من تأثرها بالأقوال. وإن في سماعهم لأذاننا وقرآننا ورؤيتِهم لصلاتنا وانضباطنا فيها وحرصنا عليها من الأثر في قلوب كثير منهم ما لا تفعله كثير من الكلمات والمحاضرات. كما على المسلم أن يحذر أن يكون منفراً عن دين الإسلام بسوء خلقه سواء كان سوء الخلق متمثلاً في الكذب أو خلف الوعد أو الغش أو الخداع أو الظلم أو ارتكاب الفواحش أو غير ذلك من صور مساوئ الأخلاق وقبائحها.

عباد الله:

إن الإسلام قوي بنفسه لأنه الدين الحق المنزل من اللطيف الخبير، لأنه الدين الموافق للعقول السليمة والفطر المستقيمة، الدين الذي تنشده شعوب الأرض لكنها لم تهتد إليه بسبب الجهل والعمى أو بسبب التعصب والهوى. ولذا فمتى عُرض الإسلام على صاحب عقل سليم متجرد من التعصب بادر إلى الدخول فيه.

وفي قصة الحديبية لنا عظةُ وعبرة فإن النبي ﷺ خرج إلى الحديبية بألفٍ وأربعِمئةِ رجلٍ من أصحابه وكان قد مر على بعثته تسعةَ عشرَ عاماً، فلما صالح قريشاً في الحديبية على الهدنة ووضعِ الحرب بينه وبينهم. التقى المسلمون والمشركون في الأسواق والمراعي وعلى المياه وزار أهل المدينة أهلهم في مكة وزار أهل مكة أهلهم في المدينة فأطلعهم المسلمون على محاسن الدين وأخلاق الرسول الكريم وأسمعوهم القرآن فدخل الإسلام من الكفار في سنتين في مدة الصلح أضعاف أضعاف من دخله قبل ذلك،   قال الإمام الزهري رحمه الله : “فما فُتح في الإسلام فتحٌ قبله كان أعظمَ منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة، ووُضعتِ الحرب، وأمن الناس بعضهم بعضا، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يُكلَّم أحدٌ في الإسلام يعقل شيئا، إلا دخل فيه، ولقد دخل في تَيْنِكَ السنتين مِثلُ من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر” قال ابن هشام في السيرة : ” ( والدليل على قول الزهري، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرج إلى الحديبية، في ألف وأربعمائة.. ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف). وقال ابن كثير مبيناً بعض فوائد صلح الحديبية وما ترتب على التقاء المسلمين بالكفار في جوٍّ آمن لا حرب فيه أنه حصل بسببه ” خير جزيل، وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتشر العلم النافع والإيمان” اهـ .

فاحرصوا على خدمة دينكم وأداء رسالة وطنكم فإن الرسالة العظمى لهذا الوطن الغالي هي نشر الإسلام وإبرازه على حقيقته الوسطية الاعتدالية المبنية على عبادة الله وحده والبراءة من عبادة ما سواه والاتباع لمحمد ﷺ فيما جاء به، وذلك هو مقتضى الشهادتين.

إخوة الإسلام: لا ينبغي أن يَفهم بعضُ الناس أن سماحة الإسلام تعني أن نتخلى عن شيء من تعاليم ديننا، بل السماحة حقاً هي في الإسلام كما هو بإتيان الحلال الذي أحله واجتناب الحرام الذي حرمه. فلنكن أعزة بديننا ولا ندَعُ واجباً مع القدرة ولا نرتكب حراماً بغير ضرورة مداهنة لقريب أو غريب أو طلباً لرضا مسلم أو كافر.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واحذروا سبل المفسدين في الأرض، ومنهم أولئك الذين يتعاملون مع المنكرات والمخالفات الشرعية بإشاعتها ونشرها على الملأ فيراها من لم يكن رآها ويسمعها من لم يكن سمعها، وربما صادفت قلباً فيه مرض وضعف إيمان فاستحسنها وتطلبها أو اقتدى بها وتشبه بأهلها.

ومنهم أولئك الذين يستغلون ما يرون من المنكرات للتحريض على قيادتنا وولاة أمرنا وإثارة البغضاء والكراهية والأحقاد بين الراعي والرعية وهم لو كانوا صادقين في غيرتهم وكرههم للمعاصي لما كان جائزا لهم أن يتخذوها وسيلة للإفساد بين الراعي والرعية لأن المنكر لا يعالج بمنكر أعظم منه من تزيين نزع الطاعة والحث على التمرد والثورة، فكيف والشواهد والقرائن تدلنا على أنهم لا يبالون بحلال أو حرام وإنما القضية هي قضية استغلال فرصة معينة لتحقيق أهدافهم ومقاصدهم في إثارة الفتنة وإلا فإنهم يمدحون ليل نهار زعيماً معروفاً يشرّع ويحمي وينصر بقوة سلطانه كل أنواع الفجور والعياذ بالله. وعلاج المنكرات يكون بالطريق الشرعية المعروفة الخالية من التهييج وإثارة الفوضى.

ومن المفسدين في الأرض أولئك الذين اعتادوا العدوان على السياح في بعض البلاد الإسلامية بقتلهم واغتيالهم بزعم الانتقام لدماء المسلمين وفي ذلك من الفساد العظيم الشيء الكبير ففيه قتل نفس معصومة لا يحل قتلها، وفيه نقض عهدٍ أمر الله بالوفاء به، وفيه تنفير عن دين الإسلام وأيُّ تنفير!! إلى غير ذلك من المفاسد.

إخوة الإيمان:

إن بلادنا تواجه بحملة تشويه منظمة تنفق في سبيلها الملايين وقد أثرت هذه الدعايات المضللة والحملات المغرضة حجب الرؤية الصحيحة لما عليه بلادنا قادة وشعباً من التحلي بالدين ومكارم الأخلاق والوقوف مع القضايا العادلة سواء مع المسلمين أو مع غيرهم. فمِن الدور المنشود لأفراد الشعب والمقيمين فيه إذا تعاملوا مع الزوار الجدد على اختلاف أجناسهم وبلدانهم أن ينقلوا لهم الحقيقة غير مزيفة فإنها بحمد الله في درجة كبيرة من الجمال والاعتدال والسمو والحمد لله.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إلى ما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صل  وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

4 comments

  1. جزاكم الله خيرا على هذه التوجيهات المهمة

  2. ضياء الرحمن

    جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ووفقكم للمزيد

  3. كلام عظيم في وقتنا هذا،،فعلاً توجد فئة في مواقع التواصل استغلوا الأحداث الاخيرة لتهييج الشعب على الحكام وإثارة الفتن في وقت تحتاج فيه الأمة الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه ونشر العلم الشرعي ،،،الله يكتب أجركم ويجعله فيه موازين حسناتكم

  4. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاك الله خيرا
    شيخ على حغظك الله ومتع بك وثبتك على الإسلام والسنه

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *