العنوان : التحذير من استغلال البشر والاتجار بهم خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى فإن تقوى الله هي وصيته للأولين والآخرين قال تعالى {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}
عباد الله: إن من تقوى الله تعالى أن يجتنب المسلم استغلال البشر والاتجار بهم ليستفيد منهم مالاً أو عملاً أو خدمة أو غير ذلك على وجه غير مشروع كأن يكون ذلك الاستغلال على سبيل الإكراه والقهر بغير حق أو على سبيل الخداع والاستغفال.
وذلك أن الله تعالى حرّم الظلم على عباده، قال تعالى {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] وقال تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) وقال ﷺ (الظلم ظلمات يوم القيامة) رواه مسلم.
فمن صور الاستغلال المحرم للبشر استغلال النساء والأطفال في التسول، فإن العصابات التي تستغل ضعف النساء والأطفال وحاجتهم وفقرهم للتكسب بهم عصابات ظالمة آثمة. ومن الواجب علينا كمجتمع أو كأفراد أن لا نكون عوناً لهم على الاستمرار في هذا الإجرام، لأن بذل المساعدة والصدقة للمتسولين عند المساجد والإشارات والمحطات هو من الإعانة لهم على استمرارهم في هذه التجارة الخبيثة، وتشجيعهم عليها، ولا يقتصر ضرر هذه العصابات على تشغيل المتسولين والمتسولات بل قد يستغلونهم في ترويج الخمور والمخدرات وقد يشغلونهم أو يستغلونهم في الممارسات الجنسية المحرمة، كما أنهم قد يكونون ممولين لحركات وأحزاب وجهات معادية لنا يجمعون أموالنا وبها يقاتلوننا. فكونوا على حذر.
ومن صور الاستغلال للبشر بغير وجه حق ظلمُ العامل والأجير والخادم. ولهذا الظلم صور كثيرة كتشغيله براتب أقل من الراتب المتفق عليه، أو الخصمِ من أجرته المتفق عليها بغير وجه حق، أو منعه وحرمانه من حقوقه في الطعام والشراب واللباس والدواء والإجازة والسفر ونحو ذلك. أو مماطلته في إعطائه أجرته وتأخيرها عليه.
ومن صور الاستغلال للبشر بغير وجه حق عضل الولي للمرأة وعدم تزويجها لمن يتقدم لها من الأكفاء حتى يستفيد من راتبها أو خدمتها أو لغير ذلك من الأسباب التي لا يقرها شرع ولا فطرة سليمة.
ومن صور الاستغلال للبشر والاتجار بهم تشغيلهم في مجال الفواحش والدعارة والعياذ بالله طمعاً في الكسب المادي، كما كان يفعله بعض أهل الجاهلية من الكفار والمنافقين في زمن النبي ﷺ فنزل قول الله تعالى {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
فاتقوا الله عباد الله فيمن تحت أيديكم من العمال والخدم والأجراء ومن ولاكم الله أمورهن من بنات أو أخوات أو غيرهن من النساء. فإن تعالى الله تعالى سائلكم عن ذلك كله. فمن اتقى وعدل فليبشر، قال ﷺ : «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» ومن ظلم واعتدى فلا يلومن إلا نفسه قال ﷺ «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ، عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ» رواه مسلم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وتذكروا تعاليم الإسلام في التعامل في باب التعامل مع الأجراء والخدم والعمال فإنها أحسن التعاليم وأكملها وأعدلها، لأنها من لدن حكيم خبير سبحانه وتعالى.
إن التعامل معهم في الإسلام يقوم على أسس عظيمة من العدل والرحمة والإكرام والاحترام والتقدير. قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} فعلى طرفي العمل أن يوفي كل منهما بالعقد الذي اتفقا عليه ما لم يتفقا على حرام، ومتى ما أوفى كل منهما بالذي عليه استقامت الأحوال وصلحت الأمور.
ومتى أدى الأجير والعامل والخادم العمل الذي عليه استحق أن يسلم أجرته كاملة دون مماطلة أو تأخير يروى عن النبي ﷺ أنه قال : «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» رواه ابن ماجه. وقال ﷺ ” قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ ” رواه البخاري، ومن يكن الله خصمه هلك والعياذ بالله. وجعل النبي ﷺ التأخير ظلماً يستحق عليه الشكوى والعقوبة فقال ﷺ «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» رواه أبو داود.
وفي باب رحمة الأجير والخادم واحترامهم وإكرامهم يبرز لنا قوله ﷺ : «إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» متفق عليه، وفي هذا الحديث يندب النبي ﷺ صاحب العمل أن يرتقي في إكرام خادمه الدرجة العليا بحيث يلبسه مما يلبس ويطعمه مما يطعم ، ثم نهى النبي ﷺ عن تكليفه ما يشق عليه من العمل، فإن كان ولا بد من تنفيذ ذلك العمل الشاق فليعنه بنفسه أو ليجلب معه من يساعده ويعينه. كما تبلغ رحمة النبي ﷺ بالخادم ورعايته لمشاعره أن يحث المخدوم أن يشرك خادمه معه على سفرته فقال ﷺ «إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلاَجَهُ» متفق عليه.
وفي باب النهي عن ظلم العمال بضرب أو حبس أو إكراه على مالا يلزمهم ولا تسمح به نفوسهم يقول ﷺ وقد رأى سيداً يضرب مملوكه بالسوط: «اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا. رواه مسلم.
وأما عضل المرأة فقد قال النووي (هو كبيرة بإجماع المسلمين) اهـ وقد نهى الله عنه في كتابه فقال {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} وقال تعالى {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}.
فأحسنوا إلى عُمالكم وأجرائكم ومن تحت أيديكم وعاملوهم بالعدل والرحمة والإكرام. فبذلك ترضوا ربكم وتطيعوا نبيكم وتنشروا دينكم، فإن الإسلام ينتشر كثيراً بمحاسن الأخلاق ومكارمها.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين اللهم صل عليه وسلم تسليماً. اللهم أعز الإسلام والمسلين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وانصر بهم دينك يا رب العالمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
حفظك الله على هذه الكلمة الطيبة .نبهتنا عز أمر غفلنا عنه .جزيت الفردوس.