جديد الإعلانات :

العنوان : الحث على صلة الأرحام والتحذير من قطيعتها خطبة مكتوبة

عدد الزيارات : 28282

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وسارعوا إلى مرضاة ربكم وسابقوا إلى ما أمركم به من طاعته ، وإن من أفضل القربات التي تقدمونها ليوم معادكم وقدومكم على بارئكم أن تصلوا أرحامكم وأن تجتنبوا قطيعتها.

فصلة الرحم من واجبات الإيمان ومقتضياته قال ﷺ “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه” متفق عليه.

ولعظم شأن الرحم فقد شرع الله صلتها قبل أن تشرع تفاصيل أكثر العبادات فهذا جعفر الطيار رضي الله عنه يقول للنجاشي رحمه الله وهو يعدد ما كان يدعوهم إليه النبي ﷺ ويأمرهم به. قال: “وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ..” .

ولعظم شأن صلة الرحم أوصى بها النبي ﷺ أول وصوله المدينة مهاجراً وفي ذلك يقول عبدالله بن سلَام رضي الله عنه : “لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… فَجِئْتُ فِي النَّاسِ، لِأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، أَنْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ، وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» رواه الترمذي وابن ماجه.

ولصلة الرحم ثوابٌ عظيم وأجر ٌكريم وجوائزُ معجلةٌ لمن وصلها في هذه الدنيا مع ما يدخره الله لهم في الآخرة. فمن وصل رحمه وصله الله برحمته ومغفرته وجوده وكرمه قال ﷺ : «الرَّحِم مُعلقَة بالعرش تَقول من وصلني وَصله الله وَمن قطعني قطعه الله» رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. وقال ﷺ «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» متفق عليه فدل الحديث على أن صلة الرحم من أسباب سعة الرزق ومن أسباب طول العمر والبركة فيه.

كما أنها من أسباب الوقاية والحماية من سوء العواقب فإن النبي ﷺ لما خاف على نفسه يومَ فاجأه جبريل في غار حراء رجع إلى بيته خائفا وقال لخديجة لقد خشيت على نفسي يعني أن يصبني مكروه فقالت: ” كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ” فجزمت بأن الله تعالى لن يخزيه استدلالاً بمكارم أخلاقه وأوّلُها أنه كان وصولاً لرحمه عليه الصلاة والسلام.

فدلت هذه الأدلة الكريمة من الكتاب والسنة على أن في صلة الرحم خيرَ الدنيا والآخرة، وسعادةَ الدنيا والآخرة، وحسنَ الذِّكر في الحياة وبعد الممات. جعلني الله وإياكم من الواصلين أرحامنا، وأعاذني وإياكم أن نكون من القاطعين لها. إنه سميع الدعاء. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واستعينوا بالله على طاعته فإن طاعة الله يسيرة على من يسرها الله عليه ومن ذلك صلة الأرحام. وهذه الصلة ليس لها حد محدود بل تحصل بالنفقة وبالصدقة وبالهدية وبالزيارة وبالاتصال وبالمشاركة في الأفراح والمواساة في الأحزان ونحو ذلك مما يدخل في باب الصلة. وكلما كانت الرحمُ أكثرَ قربا كانت أعظمَ عليك حقاً.

والمقصود بالرحم هم من بينك وبينهم قرابة بسبب الولادة وأولُ من يدخل في الرحم وتؤمر بصلته أبواك ثم الأقرب فالأقرب كأبنائِك وبناتِك ثم إخوانِك الأشقاء أو من الأب أو من الأم وأخواتِك كذلك ثم أعمامِك وعماتِك ثم أخوالِك وخالاتِك وهكذا.

وأرفع درجات صلة الرحم حين تصل من يقطعك من رحمك ولا يصلونك لأن الصلة في هذه الحالة دليل على أنها لله جل وعلا وليست من باب المكافأة والمقابلة بالمِثْل قال ﷺ «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» رواه البخاري. فلا تقابلوا قطيعة الأقارب بالقطيعة ولكن قابلوها بالوصل والإحسان ابتغاء ما عند الله وما عند الله خير وأبقى.

إخوة الإسلام: من كان قاطعاً لرحمه أو مقصراً تقصيرا ظاهرا في صلتها فليبادر إلى التوبة النصوح وليصل ما أمر الله بوصله وليحذر من قطع ما أمر الله بوصله فقد توعد الله قاطعي أرحامِهم بالوعيد الشديد قال تعالى  { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}،  وقال تعالى {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }.

فتوعد الله في هذه الآيات قاطعي أرحامِهم باللعن والطردِ من رحمته، وأكد النبي ﷺ هذا الوعيدَ الشديدَ فقال ﷺ «لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رحمٍ» متفق عليه واللفظ لمسلم.

 فلا تحرموا أنفسكم ثواب الواصلين ولا تعرّضوها لوعيد القاطعين. ومن كان محسناً فليثبت وليزدد إحسانا وصلة ومعروفاً، ومن كان مسيئاً فليطهر ما في قلبه على أقاربه ورَحِمِه من الغل  والحقد، والحسد والعداوة، وليبدلها بمشاعر المحبة والمودة وتمني الخيرِ لهم، ولا تنتظر صلتهم أو اعتذارهم بل لتكن أنت المبادرَ السابقَ إلى الخير.

اللهم يسر لنا صلة أرحامنا ابتغاء وجهك الكريم، وأعذنا من قطيعتها والإساءة إليها يا رحمن يا رحيم. اللهم اجعلنا ممن يصلها فتصلُه برحمتك وتَنْسأُ له في عمره وتبسطُ له في رزقه إنك جواد كريم.

اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وألبسهم ثياب الصحة والعافية واستعملهم في طاعتك يا رب العالمين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء وسائر بلاد المسلمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

One comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *