جديد الإعلانات :

العنوان : الاستقامة (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا..) خطبة مكتوبة

عدد الزيارات : 25887

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واستقيموا على طاعته فعلى الاستقامة مدار السعادة قال تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فأمر الله تعالى نبيه بالاستقامة وهو ﷺ على الاستقامة التامة فكان الأمر بمعنى التأكيد، وبمعنى الدوام والثبوت عليها إلى أن يلحق بالرفيق الأعلى. وأمر الله من تاب معه أي أصحابه رضي الله عنهم وأمته الذين آمنوا به واتبعوه أن يستقميوا كذلك على طاعة الله دون طغيان وغلو ومجاوزة للحد ودون تفريط وإهمال وانحلال.

 وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}

في هذه الآيات الكريمة بشائر عظيمة لمن استقاموا على طاعة الله وداموا وثبتوا عليها حتى وافاهم الأجل، فبشرهم ربهم بأن الملائكة تتنزل عليهم عند الموت تبشرهم وتطمئنهم لا تخافوا من المستقبل الذي أنتم مقدمون عليه لأنكم مقبلون على رب كريم، غفور رحيم، مقبلون على روح وريحان ورب راض غير غضبان، ولا تحزنوا على ما خلفتم وراءكم من الأهل والمال والولد فنحن نخلفكم فيهم.

ثم تبشرهم بالجنة التي وعد الله بها أهل التوحيد فتقول لأهل الاستقامة (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) فيؤمّن الله خوفه، ويُقر عينه فلا يبقى هول من أهوال يوم القيامة إلا هي للمؤمن قرة عين لما هداه الله ولما كان يعمل في الدنيا كما قال بعض السلف.

ويستمر حديث الملائكة عند احتضار المؤمن الذي استقام على أمر ربه قائلة (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة) أي نحن كنا “قُرَنَاءَكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، نُسَدِّدُكُمْ وَنُوَفِّقُكُمْ، وَنَحْفَظُكُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ نَكُونُ مَعَكُمْ فِي الْآخِرَةِ نُؤْنِسُ مِنْكُمُ الْوَحْشَةَ فِي الْقُبُورِ، وَعِنْدَ النَّفْخَةِ فِي الصُّورِ، وَنُؤَمِّنُكُمْ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَنُجَاوِزُ بِكُمُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَنُوصِلُكُمْ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ”

ثم تبشر أهل الاستقامة بما أعد الله لهم في الجنة فتقول (لكم فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) أي لكم فيها كل ما تختارون مما تشتهيه النفوس وتقر به العيون (ولكم فيها ما تَدَّعُون) أي مهما سألتم أُجبتم ومهما تمنيتم أعطيتم ومهما رغبتم فيه وجدتموه حاضراً بين أيديكم كما طلبتم . (نزلاً من غفور رحيم) أي أن هذا النعيم الذي بشرتم به هو الضيافة التي تقدم للضيف عند أول نزوله “والكريم إذا أعطى هذا النزل، فما ظنك بما بعده من الألطاف والكرامة” أي إذا كان هذا النعيم كله هو المقدمة فما ظنك بما بعد ذلك من أنواع الكرامة وأصناف الضيافة.

وأكد الله تعالى بشارة أهل الاستقامة فقال في موضع آخر {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

وإذا كانت هذه البشائر لأهل الاستقامة في الآخرة فلهم بشارة عاجلة في الدنيا كما في قوله تعالى {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} أي لوسعنا لهم في الرزق وبسطناه لهم وباركنا لهم فيه كما قال تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} وقوله تعالى{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ }

فالاستقامة على توحيد الله وطاعته سبب لخير الدنيا والآخرة أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن قالوا ربنا الله ثم استقاموا إنه سميع مجيب الدعاء، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واستقيموا كما أمركم الله والاستقامة هي لزوم الصراط المستقيم والدوام عليه حتى يلقى العبد ربه فأساس الاستقامة وأصلها الاستقامة على التوحيد واجتناب الشرك قال أبو بكر الصديق في تفسير قوله تعالى (ثم استقاموا) قال: “هم الذين لم يشركوا به شيئاً” وقال ابن عباس: “استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله”. وقال مقاتل : ” لا تخلطوا التوحيد بشك”.

فالتوحيد هو أصل الاستقامة ولا تنفع الطاعات بلا توحيد كما لا تنفع الصلاة بلا طهارة. فصرف العبادة لغير الله كالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر مفسد مبطل متلف للتوحيد أعاذنا الله وإياكم من الشرك كله صغيره وكبيره وواضحه وخفيّه.

ثم الاستقامة على فعل الواجبات وترك المعاصي والمحرمات وهذه استقامة واجبة وهي درجة المقتصدين. ثم الاستقامة على ذلك مع الاستقامة على فعل النوافل والمستحبات وترك المكروهات والمشتبهات وهذه درجة السابقين. وهم أعلى رتب أهل الاستقامة. قال عمر رضي الله عنه على المنبر : ” اسْتَقَامُوا وَاللَّهِ عَلَى الطَّرِيقَةِ لِطَاعَتِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْغُوَا رَوَغَانَ الثَّعَالِبِ” وقال الحسن: “اسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ فَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ وَاجْتَنَبُوا مَعْصِيَتَهُ” وقال الفضيل : ” زَهِدُوا فِي الْفَانِيَةِ وَرَغِبُوا فِي الْبَاقِيَةِ”

إخوة الإيمان: إذا كان أهل الاستقامة في الدنيا ليسوا على درجة واحدة في الاستقامة فثوابهم عند الله يوم القيامة كذلك ليس على درجة واحدة فكلما كانت الاستقامة أكمل كان الثواب والنعيم أعظم.

فاحرصوا على الاستقامة وعلى تحصيل أسبابها ومن أعظم أسباب الاستقامة العلم النافع ومجاهدة النفس وصحبة أهل الاستقامة ودعاء الله والإلحاح عليه بالاستقامة والثبات، وترك ربط الطاعة بموسم معين كما يفعله بعض الناس يطيع الله في شهر رمضان ثم يعصيه بعد ذلك فالاستقامة على طاعة الله لا نهاية لها الا الموت.

اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وثبت قلوبنا على طاعتك واصرفها عن معصيتك. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات اللهم ارحم موتى المسلمين اللهم اغفر لهم وتجاوز عن سيئاتهم وافسح لهم في قبورهم ونور لهم فيها اللهم جازهم بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا منك وغفرانا، اللهم فرج هم المهمومين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم أمّن حدودنا وانصر جنودنا اللهم ثبت أقدامهم واربط على قلوبهم وأنزل السكينة عليهم اللهم اشف مصابهم وتقبل شهداءهم واخلفهم في أهلهم بخير يا رب العالمين، اللهم اهزم عدوهم وفرق كلمتهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم. إنك أنت القوي العزيز.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

6 comments

  1. اللهم بارك

  2. جمال الدين بن لبقع

    جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل

  3. ابراهيم عبد القادر

    جئتم خيرا، من ناجي ر يا

  4. هل يوجد صوتية لهذه الخطبة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *