جديد الإعلانات :

العنوان : بالرحمة والشفقة واللين يفتح الله القلوب خطبة مكتوبة

عدد الزيارات : 7718

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وكونوا مفاتيح للخير دعاة إلى الخير متخلقين في دعوتكم بالأخلاق السامية التي تحبها النفوس وتألفها وتلين لها. فإن أخلاق الداعية لها أثر بالغ في مسار دعوته، فإن كان ذا خلق حسن أثرت أخلاقه قبولاً لدعوته وإن كان أخلاقه سيئة أثرت تنفيراً عن دعوته. ومن تأمل أخلاق سيد الدعاة وإمامهم وجدها في القمة العليا من الكمال البشري في الجلال والجمال والبهاء حتى أثنى عليه ربه فقال (وإنك لعلى خلق عظيم). ومن درس سيرته وسنته يجد كيف كانت أخلاقه سبباً عظيماً لحب الناس له وقبولهم لدينه ودخولهم فيه.

فمن الأخلاق العظيمة والصفات الجليلة التي ينبغي أن يتحلى بها الداعي إلى الله تعالى أن يكون ذا رحمة وشفقة بالمدعوّين لأن الدعاة هم أتباع محمد ﷺ ومحمد ﷺ وصفه ربه فقال (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)

ورحمة الداعي بالمدعو ينبغي أن تكون حاضرة دائمة في قلب الداعي مهما كان حال من يخالطهم ويدعوهم ويعلمهم ويربيهم: فإن كان في قوم مهتدين فمن رحمته بهم يدعوهم للثبات ويحذرهم من الزيغ بعد الهداية. ويحرص على تعليمهم ما ينفعهم حتى يزدادوا هدى إلى هداهم وتقوى إلى تقواهم.

وإن كان في قوم عصاة فسقة فرحمته بهم حاضرة فهو مع بغضه لفسقهم ومعاصيهم ينظر إليهم نظرة أخرى يستشعر أنهم إخوانه في الدين والإسلام فالمعاصي دون استحلال لا تخرج العاصي من الإسلام ولا تقطع أخوّة الإسلام بينهما، وبهذه الأُخوّة وما تفرضه من واجب النصح وحب الخير لهم كما يحب لنفسه يبذل جهده في دعوتهم وموعظتهم وحثهم على التوبة والإنابة والرجوع إلى الله وترك ما عليهم من المجاهرة بالفسوق والعصيان والشرود عن خالقهم وبارئهم ومولاهم.

أليس الداعي يدعوهم إلى من يفرح بتوبتهم فرحاً أشد من فرح من كتبت له الحياة بعد أن أيقن بالموت، فما الذي يمنعه أن يترفق بهم ويحبب إليهم التوبة حتى يتوبوا ، وإلى الله من سخطه يفروا.

وإن كان في قوم كفار من اليهود والنصارى والوثنيين وغيرهم، فهو يستحضر قول الله تعالى في شأن نبيه ﷺ  (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)  ويعتقد أن هؤلاء الكفار والمشركين مخاطبون بهذه الرسالة العظيمة المنزلة من الرحمن الرحيم على المرسل رحمة للعالمين تضمن لهم الهداية في الدنيا والسعادة في الآخرة إن هم آمنوا به ﷺ واتبعوه.

وأن أخلاقه الإسلامية السامية واقتداءه بنبي الرحمة يفرض عليه ما دام قادراً مطيقاً أن يدعوهم إلى عبادة الله وحده ليستنقذ الله به من يشاء منهم من النار. فبغض الكافر والبراءة منه لا يمنع من حرص المسلم على رحمته والسعي في استنقاذه من نار جهنم بدعوته بالتي هي أحسن إلى الإسلام.

ومن أخلاق الداعية الجلية السامية أن يكون الأصل الذي يتعامل به مع المدعوين هو اللين والسماحة واجتناب الغلظة والفظاظة كما كان سيد الدعاة وإمامهم ﷺ قال تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). ولا تكون الشدة والعنف والغلظة إلا استثناء حين لا يصلح غيرها.

ومن آثار هذا اللين عفة اللسان ولين الخطاب والحلم عن جهل الجاهل وسفه السفيه، والعفو مع القدرة ومقابلة الإساءة بالإحسان. والدعاء للمدعو بالهداية ولو كان كافراً واجتناب السب والشتم واللعن والدعاء على المدعوين بأسمائهم وأعيانهم وحب الانتقام للنفس والانتصار لها، قال البخاري في صحيحه باب الدعاء للمشركين ليـتألفهم ثم أخرج حديث أبي هريرة قال قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ، عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ». وفي صحيح مسلم أن النبي ﷺ دعا لأم أبي هريرة وكانت كافرة وكانت تسب النبي ﷺ فقال ﷺ «اللهم اهد أم أبي هريرة» فأسلمت من ساعتها. وقال الصحابة للنبي ﷺ أيام حصار الطائف : “أحرقتنا نبال ثقيف، فادع عليهم فقال ﷺ «اللهم اهد ثقيفا» رواه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح غريب.

وفي يوم أُحد حين استطاع المشركون أن يلحقوا بالنبي ﷺ أذى عظيماً فشجوا رأسه حتى سال دمه الشريف وكسروا رَباعيته قال «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» أخرجه الطبراني. وقال ابن مسعود كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: «رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» رواه مسلم ، قال النووي رحمه الله “فِيهِ _يعني في الحديث من الفوائد_  مَا كَانُوا عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحِلْمِ وَالتَّصَبُّرِ وَالْعَفْوِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى قَوْمِهِمْ وَدُعَائِهِمْ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَالْغُفْرَانِ وَعُذْرِهِمْ فِي جِنَايَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَهَذَا النَّبِيُّ الْمُشَارُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ جَرَى لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ هَذَا يَوْمَ أُحُدٍ” اهـ .

ولما آذى المشركون رسول الله ﷺ في مكة وفي الطائف وأسمعوه ما يكره وأغروا بهم سفاءهم أتاه ملك الجبال بأمر الله واستأذنه في أن يهلك قريشاً عن بكرة أبيها بأن يطبق عليهم جبلين عظيمين فلا يبقى منهم أحد فما كان من النبي ﷺ إلا أن قال ” بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ” متفق عليه.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» رواه مسلم. فبهذه الشفقة والرحمة والحرص على هداية الخلق واجتناب الغلظة والفظاظة في الأقوال والأفعال تتجلى للناس محاسن الإسلام وسماحته وملاءمته للعقل والفطرة فيحبه الناس ويدخلون فيه أفواجاً كما دخلوا فيه من قبلُ أفواجاً.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

 فاتقوا الله عباد الله واحرصوا على هداية أنفسكم وهداية الخلق فإن الحرص على نفع المدعوين وعلى إيصال الخير للغير من أخلاق النبي ﷺ قال الله تعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

فمن الدعاة من يكون منفراً عن الخير بغلظته وجفائه، ومنهم من يكون منفراً بعدم مراعاته ظروف الناس وأحوالهم فإذا صلى بهم أطال إطالة مفرطة يتأذون بها، وإذا واعظهم أو خطبهم أطال الموعظة والخطبة حتى يضجر الناس ويملهم. وقد يؤدي ببعضهم إلى ترك الصلاة وترك حضور الجمعة وترك الجلوس للمواعظ والذكر وتنفير الناس عن الخير هو الفتنة التي عناها النبي ﷺ بقوله وهو غاضب غضباً شديداً «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالكَبِيرَ وَذَا الحَاجَةِ» متفق عليه. وقال الفاروق الـمُـلْهَم رضي الله عنه : “لاَ تُبَغِّضُوا اللَّهَ إلَى عِبَادِهِ ، يَكُونُ أَحَدُكُمْ إمَامًا فَيُطَوِّلُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ ، وَيَكُونُ أَحَدُكُمْ قَاصًّا فَيُطَوِّلُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ”.

فإذا كان تطويل الصلاة وتطويل الموعظة تنفيراً وفتنة فكيف بمن يستعمل السباب والشتائم والنبز بالألقاب في دعوته وكيف بمن يطلق أوصاف التكفير والتبديع والتفسيق لمن يخالفه في رأيه واجتهاده بغير علم ولا هدى، وكيف بمن يلغون في دماء المسلمين وفي الدماء المعصومة بالتفجير والاغتيال والأحزمة الناسفة وبأشنع صور الذبح والقتل باسم الإسلام.

لا شك أن جناية هذه الأصناف على الدعوة جناية كبيرة لما في مسلكهم من التنفير عن الإسلام وعن دعوة الحق والصد عن سبيل الله.

معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير المبعوث رحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. اللهم آمن أوطاننا وأصلح سلطاننا، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وانصر بهم دينك وأعل بهم كلمتك. اللهم احفظ حدودنا وانصر جنودنا. اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *