عن حذيفة بن اليمان  رضي الله تعالى عنه  قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا فقال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) رواه البخاري ومسلم.

راوي الحديث:

حذيفة بن اليمان واسم اليمان حُسيل ويقال حِسْل العبسي حليف الأنصار صحابي جليل من السابقين صح في مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة وأبوه صحابي أيضا استشهد بأحد ومات حذيفة في أول خلافة علي سنة ست وثلاثين  ع

معاني المفردات:

دخن: الدخن أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سواد أي ليس لونها بخالص ولا صاف. والمقصود أن ذلك الخير مشوب بشر.

التعليق:

1- توفيق الله تعالى لحذيفة إذ ألهمه السؤال عن الشر حتى يتقيه، إذ الغالب في الناس الحرص على السؤال عن الخير رغبة فيه ومسارعة إليه، فمن حبب إليه نوع من العلم النافع فليجتهد فيه فإنه يفتح له باجتهاده وحسن قصده ما قد لا يتهيأ له في غيره.

2- في الحديث علم من أعلام النبوة إذ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من أمر الغيب فوقع كما أخبر وليس في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فإنه لا يعلم الغيب إلا الله كما قال تعالى (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) ولكن الله يطلعه علي ما يشاء _سبحانه_ من المغيبات ليكون دليلاً على صدق نبوته وشاهداً على رسالته كما كان يطلع من قبله من الرسل قال تعالى (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول).

3- تذكر حذيفة ما كانوا فيه من الجاهلية والشرك والاختلاف والخوف ثم تبدل الحال إلى نعمة التوحيد والاجتماع والأمن وهذا من أسباب شكر النعم والمحافظة عليها

4- لما كانت الأيام دولاً والأحوال سريعة التحول كثيرة التقلب فقد خشي حذيفة أن يطرأ على الخير الذي هم فيه ما يطرأ مما تتغير معه الأحوال فسأل هل بعد هذا الخير من شر؟ فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيجاب ولم يستفصل حذيفة عن حقيقة ذلك الشر حسب الرواية وكأن الشر المقصود به ما حصل من قتل عثمان وما ترتب على قتله من الفتن والحروب، ثم سأله هل بعد ذلك الشر من خير فأجاب بالإيجاب ولكنه أشار إلى أنه خير غير خالص بل يشوبه ما يشوبه وكأنه صلى الله عليه وسلم يعني بذلك الخير ما حصل من الاجتماع على معاوية رضي الله عنه وأما الدخن المقصود فقد يشير بذلك إلى ما حصل من بعض الأمراء من الظلم والبغي مع ما فيهم من الخير من جهاد وإقامة حدود ونحو ذلك كما وقع من الحجاج بن يوسف وغيره.

ثم سأله هل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها يعني بهم دعاة الضلالة ممن يدعون إلى طريق من طرق الضلالة كالكفر أو البدعة أو الفسوق ولكن كأن المقصود هنا معنى أخص وهو الدعوة إلى الخروج على الإمام ومفارقة الجماعة لأنه جعل المخرج من فتنتهم لزوم جماعة المسلمين وإمامهم وعدم مفارقتهم وشق عصاهم فدل على أن الضلالة هنا هي ما يضاد الاجتماع عليه من الدعوة إلى الخروج وشق العصا ونقض البيعة.

5- المقصود بإمام المسلمين الإمام الظاهر الذي يأمر وينهى وإليه تصريف شؤون البلاد لا إماماً مزعوما مستتراً عن الأنظار لا يعرف من هو وليس له من الأمر شيء كما يقع عند الرافضة ومن تشبه بهم من أصحاب (الحركات الإسلامية) التي تأخذ البيعة لإمام مجهول أو لشخص ليس بيده شيء من الأمر.

6- إذا كان للمسلمين أكثر من إمام كل إمام قد استقل بجزء من الأقطار أو البلاد فإن لكل إمام منهم حق السمع والطاعة على من تحت ولايته وعلى هذا جرى عمل المسلمين منذ الثلث الأول من القرن الثاني الهجري حين قامت دولة بني أمية في الأندلس مستقلة عن دولة بني العباس في المشرق.

7- إذا افترق الناس في بلد ولم يجتمعوا على أحد فعلى المسلم أن يجتنب تلك الفرق كلها وأن يلزم خاصة نفسه حتى يتم الأمر لأحدهم وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم جواباً لسؤال حذيفة فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).