العنوان : 13- وجوب التحذير من البدع كلها، وبيان أنه لا توجد بدعة في الدين حسنة
عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله: كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا فقال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه الترمذي
راوي الحديث:
عِرباض بن سارية السلمي أبو نجيح صحابي كان من أهل الصفة ونزل حمص مات بعد السبعين
التعليق:
1- كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهد أصحابه بالموعظة ويتخولهم بها مرة بعد مرة كي لا يسأموا كما في الصحيحين عن شقيق بن سلمة : قال : «كان عبد الله بن مسعود يذكر الناس في كل خميس ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم ، قال : أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم ، وإني أتخولكم بالموعظة ، كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بها مخافة السآمة علينا».
وفي آخر أيامه قام فيهم مقامات متعددة يذكرهم ويعظهم ولمّح في بعضها إلى دنو أجله فلما فطنوا لذلك طلبوا منه الوصية فأوصاهم بهذه الوصية التي جمعت الدلالة لما فيه خير الدنيا والآخرة.
2- كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الناس خشية وتقوى وسلامة قلوب لذلك كانت تؤثر فيهم مواعظ القرآن والسنة حتى توجل قلوبهم وتدمع عيونهم وتقشعر جلودهم ويزدادوا بها إيماناً إلى إيمانهم فهم أول الناس من مؤمني هذه الأمة دخولاً فيمن وصفهم الله بقوله (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجل قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا) وقوله (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشع منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) فرضي الله عنهم وقبّح من يطعن فيهم.
3- أوصاهم النبي صلى الله عليه وسلم أولاً بتقوى الله التي بها صلاح آخرتهم ثم أوصاهم بما فيه صلاح دنياهم وهو السمع والطاعة أي في المعروف لولاة أمورهم ولو كان الأمر بيد عبد حبشي فإنه يثمر الأمن والاجتماع والقوة والعدل إلى غير ذلك من المصالح.
ثم أخبر عن داء عظيم من أدواء هذه الأمة مما أطلعه الله عليه وهو اختلاف الأمة في دينها اختلافاً كثيراً كما هي سنة أهل الكتاب من قبلنا ولما ذكر الداء ذكر الدواء وهو الاستمساك بسنته صلى الله عليه وسلم وسنته تشمل أقواله وأفعاله وما أقره مما سمعه أو رآه. وكذا أوصى بالاستمساك بسنة الخلفاء الراشدين من بعده وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. كما بين في حديث الافتراق أن المخرج من فتنة الفرق يكون بلزوم ما كان عليه هو وأصحابه.
ثم حذر من إحداث شيء في الدين، وحكم على كل بدعة بأنها ضلالة وليست بهدى.
ولو طبق المسلمون مقتضى هذه الوصية لما افترقوا في الدين ولما وقعت الفتن السياسية التي أهلكت الحرث والنسل ولبقي الإسلام نقيا من كل شائبة ولكن قدّر اللهُ شيئاً فكان.
4- في الحديث بيان واضح أن كل بدعة ضلالة وهذا فيه رد على من يقسم البدعة إلى حسنة وسيئة أو يجعل من البدع خمسة أنواع تدور عليها الأحكام التكليفية الخمسة فليس في البدع شيء حسن وأي حُسن فيما يصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالضلالة ويخبر أنه في النار والعياذ بالله ولو لم يكن في هذا التقسيم إلا المضادة اللفظية للتعبير النبوي لكفى به صارفاً عن استعماله فإن ظاهر القضية معارضة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو يقول كل بدعة ضلالة وهذا يقول لا ليس كل بدعة ضلالة بل منها ما هو ضلالة ومنها ما هو هدى!!
وإذا تأملنا فيما يسميه بعض أهل العلم بدعة حسنة أو واجبة أو مستحبة نجدها لا تخلو من أحد أمرين إما أنها ليست ببدعة أصلاً بل هي سنة قولية أو عملية أو تقريرية أو مصلحة مرسلة مأذون فيها شرعاً وإما أنها ليست حسنة لانطباق حد البدعة الشرعي عليها وما كان كذلك فهو قبيح وليس بحسن.
5- إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حذر من البدع وأمر باتقائها قبل أن يوجد منها شيء فإن إنكارها والتحذير منها بعد ما وجدت وتفشت وبلي بها كثير من المسلمين من أولى أولويات العالم وطالب العلم وكل داع إلى الله على بصيرة.
إذ السكوت عن البدع من أعظم أنواع الغش للمسلمين فإن البدع بسكوت أهل العلم تفشو وتشتهر حتى يألفها الناس صغاراً وكباراً ثم يرونها جزءاً من الدين بل قد يحرصون عليها _بتزيين الشيطان_ أكثر من حرصهم على الشعائر الصحيحة من دين الإسلام فإذا أنكرت بعد لك عظم على الناس وجعلوا إنكارها إنكاراً للدين وللحق وللسنة، بخلاف ما لو وئدت في مهدها وكشف للناس باطلها وزيفها قبل أن تعلق بها القلوب.