العنوان : وقفات مع محاولة الاغتيال الفاشلة لسمو الأميرمحمد بن نايف
الخطــبة الأولــى
أما بعد :
فإن حادث الاعتداء الفاشل على سمو الأمير محمد بن نايف من الحوادث التي ينبغي أن نقف معها وقفات ووقفات لأنه حدث يدل على ما وراءه ويكشف كثيراً مما سبقه. ولأنها جريمة ليست موجهة إلى فرد ولكنها موجهة إلى أمن هذا البلد واستقراره ممثلا في استهداف أحد قادة الأمن ورموزه. وأيكم لا يهمه الأمن والاستقرار واجتماع الكلمة؟؟؟
ومن تلك الوقفات:
أولاً:
تجلى في هذا الحادث قدرة الله الباهرة في إنجاء من شاء مع توفر كل أسباب الهلاك فإن الآجال محدودة مضروبة لا تتقدم ولا تتأخر إذ حصل تفجير كبير دمر ما حوله وقطّع الجاني إرباً وأخرج الله الأمير سالماً من بين النار والأشلاء والدمار وإن كان من سبب قد يرد إليه ذلك فهو بعد فضل الله صنائع المعروف التي أغرق بها سموه كثيراً من شباب هذا التنظيم وأسرهم بحلمه ولطفه وحرصه على مصلحتهم وسهره على ردهم إلى الطريق القويم وتسخيره كلَّ الأسباب الممكنة من إنشاء لجان المناصحة وتأليف قلوبهم بقضاء ديونهم وتزويج عزابهم ولمِّ شملهم بأسرهم فكم من قلب عامر بعرفان فضائله ولسان يلهج بالدعاء له والثناء عليه.
أيها الإخوة لا يكبرْ ذلك في نفوسكم ولا يلبّس عليكم مرضى القلوب فهاهي الطائرة تسقط من جو السماء ويموت كل من فيها ثم ينجي الله طفلة صغيرة أو شيخاً هرماً يخرج سليماً كأن لم يكن معهم أصلاً فسبحان من لا يعجزه شيء بل (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون).
ثانياً:
تجلى في هذا الحادث المدى البعيد الذي يمكن أن يصل إليه هذا الفكر الضال من التجرد من كل المعاني الفاضلة الدينية والأخلاقية ومن كل القيم التي تواطأت على استحسانها الشرائع والعقول والعادات والأعراف، فانظر لذلك الغادر كيف حدّث فكذب ووعد فأخلف وعاهد فغدر وقابل قمة الكرم بحضيض اللؤم وغاية الإحسان بغاية الإساءة.
انظر كيف تحطمت في نفسه الحرمات فاستهان بها استهان بعصمة دم امرئ مسلم فاستحله بغير حق واستهان بعقد بيعته لولي أمره فنقضها بغير حق واستهان بحرمة الشهر فانتهكه وبحرمة الدار والضيافة فلم يعبأ بها.
لقد كانت العرب في جاهليتها المظلمة خيراً من هؤلاء مراعاةً لمكارم الأخلاق والشيم.
ومن جهة أخرى انظر كيف رضي لنفسه أن يحشى دبره _أعزكم الله_ بالمتفجرات فمتى كانت الأدبار طرقاً إلى الجنة قبل هذا الحدث. وأي خزي وأي ذل وأي هوان بعد هذا والعياذ بالله.
لا عجب أيها الإخوة : فهذه التنظيمات تذل أتباعها غاية الذل وتسترقهم غاية الاسترقاق وتسخرهم في فعل كل ما تريد بتأثير التربية الخبيثة وما أظنها إلا عقوبة عاجلة حين خلعوا عز البيعة الشرعية فأذاقهم الله في الدنيا قبل الآخرة ذل البيعة البدعية.
ثالثاً:
في سلوك تنظيم القاعدة طريقة الاغتيالات ولا سيما للرموز التي سخرت نفسها لخدمة الوطن وحماية أمنه _إضافة لما في أجندتهم من التخطيط لاغتيال رموز علمية وقفت لهم بالمرصاد_ كل ذلك يؤكد تتبعهم لطريقة أسلافهم من الخوارج الأولين الذين اغتالوا عثمان في بيته، وخططوا في المسجد الحرام في رمضان لاغتيال علي ومعاوية وعمرو بن العاص ثم نفَذَ القدرُ في علي رضي الله عنه رفعة لدرجته فاغتالوه وهو خارج إلى صلاة الفجر ينادي الصلاةَ الصلاة وسلّم اللهُ معاوية وعَمْراً لطفاً منه بهما رضي الله عنهما.
كما أن في طريقة خوارج العصر وقرامطته امتداد لطريقة الباطنية الأولى في سلخ الشباب من كل القيم وتدريبهم على الاغتيالات المنظمة ووعدهم لهم على تنفيذها بالحور العين.
كان الحسن بن الصبّاح زعيم الباطنية في فارس قد استحوذ على عشرين ألف شاباً وسخرهم لتنفيذ مخططاته حتى كان يأمر بعض أتباعه بقتل أنفسهم فيقتلونها في الحال دون تردد ليشاهدَ الخصومُ مدى طاعتهم لإمامهم فتنخلع قلوبُهم .
وكان قد أعد حديقة مزودة بكل وسائل اللهو والمتعة من الفتيات والمعازف والخمور وقبل أن يرسل الشاب لمهمة اغتيالية يأمر بإعطائه الحشيش حتى يذهبَ عقله فيحملُ إلى الحديقة فيفيقُ وهو فيها فيسألُ أين أنا فيقال أنت في الجنة فيشرب الخمر وتعزف له الفتيات ويعاشرهن على أنهن الحورُ العين ثم يُخدر بالحشيش مرة ثانية حتى يذهبَ عقله فيفيق وهو خارجَ الحديقة فيطلبُ أن يرد إليها فيقول له شيخ الجبل اذهب واقتل فلاناً فإن عدت سالماً أدخلتك الجنة وإن قُتلت حَمَلَتك الملائكةُ إليها.
وقد لقي المسلمون منهم ويلات عظيمة فاغتالوا أمماَ من الخلفاء والوزراء والقواد والفقهاء والعلماء
فكانوا يرسلون إلى العالِم فدائياً _أي أحد هؤلاء القتلة حسب تسميتهم على أنه طالب علم_ فيحضرُ الدرس حتى إذا واتته الفرصة انقض على العالم فقتله طعناً بخنجره.
وكانوا ربما يرسلون إلى الحاكم فدائياً على صورة طفل من الرعية لديه مظلمة أو على صورة امرأة لديها شكوى فبين هذا الحاكم ينصت للشكوى برعاية وعناية ينكشف القناع وإذا به أحد هؤلاء الباطنية فيطعنه حتى يموت.
ومن تتبع جرائمهم يجد أنها ملبّسة بلباس الدين وطلبِ الجنة والفوز بالحور العين، كما يجد أن ضحاياهم من رموز الأمة وقادتها في العلم أو الحكم أو الجهاد.
كما يجد أنهم يقتلون ضحاياهم في الأوقات الشريفة كرمضان والحج وعاشوراء.
كما يجد أن منفذي هذه العمليات من الشباب الذين لم ترسخ لهم قدم في علم ولا فهم ولا تجربة بل إنهم ربما جندوا الأطفال.
كما يجد أنهم كانوا ربما تزيوا بزي النساء إمعاناً في المكر والتخفي والتلبيس
فما أشبه الليلة بالبارحة وما أشبه خوارجَ اليوم بخوارج الأمس. بل ما أشبههم في طرائقهم بباطنية الأمس وقرامطته.
أيها الإخوة:
إذا كانت تلك بعض مكايد تنظيمات الشر وحيلِها ووسائِلها في غسل أدمغة الشباب وتحويلهم إلى أدوات عمياء صماء لتنفيذ أهدافها وذلك قبل ألفِ سنةٍ من اليوم فما ظنكم بوسائلها في هذا العصر لا شك أنها أشدُّ بأساً ومكراً.
مما يوجب عليكم مزيداً من العناية والانتباه لأبنائكم في مدخلهم ومخرجهم وصحبتهم ومصادر تلقيهم لدينهم قبل أن تخسروهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
/// الخطــبة الثانيــة ///
أما بعد :
فإن الوقفة الأخيرة مع هذا الحدث تتمثل في ضرورة الوعي بالجهات التي تخطف أبناءنا وتجندهم ضد عقيدتهم وأهاليهم وأوطانهم وهي جهات كثيرة تفوق الحصر ولكن من أوصافها أنها تقرر تكفير الحكومات الإسلامية القائمة اليوم دون استثناء، وتعنى بتربية الشباب تربية سياسية ثورية، وتحرص على التربية الجهادية ولكنه ليس بالجهاد المشروع وإنما الجهاد على طريقة الخوارج المارقين والذي يقوم على تكفير المسلم واستحلال دمه فلا ترى بأسهم إلا في ديار المسلمين.
ومن صفاتهم حث الشباب على السفر للعراق أو اليمن أو أفغانستان بدعوى الجهاد وهم إنما يريدون في حقيقة الأمر تلقينَهم تكفير دولتهم وتدريبَهم على الأسلحة ثم إعادتَهم إلى السعودية للقيام بالجهاد الحقيقي في نظرهم أي قتالِ ولاة أمر هذه البلاد حفظهم الله ورعاهم ومن كل سوء ومكر وقاهم.
ومن صفاتهم الدفاع عن منفذي العمليات الإرهابية إما دفاعاً صريحاً باعتبارهم مجاهدين وشهداء وإما بطريقة ملتوية كالقول بأنهم لا يريدون إلا الخير وأنهم أفضوا إلى ما قدموا وأنهم مأجورون على نياتهم وإن كانوا قد أخطؤوا ومثل هذه الأساليب.
ومن صفاتهم اختلاق المعاذير للحركات الثورية بأنها ما هي إلا ردة فعل للفقر والبطالة وشح الوظائف وغلاء المعيشة والتضييق على الدعوة مع أن منظري هذه الثورات يصرحون بأنهم ما خرجوا ردة فعل إنما خرجوا عن عقيدة راسخة وتمهيد استمر عشرَ سنوات ساهم فيه كثير من الدعاة حسب قولهم.(مجلة صوت الجهاد الالكترونية – عدد 14)
ومن صفاتهم لمز من يتصدى لهذه الفئات الباغية الضالة بأنه مع الحكومة وأنه من رجال المباحث في الداخلية يذكرون ذلك بصفة الذم والطعن والعيب. وأنه عدو للشباب وللجهاد والمجهادين.
ومتى كان الوقوف في صف الإمام عيباً وذما مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى في زمن الفتنة حيث يوجد من ينازع الأمر أهله إلى أن يلزم المسلم إمام المسلمين وجماعتهم.
ومن صفاتهم تربية الشباب على متابعة الأناشيد الحماسية الثورية والتعلق بها ومحبتها ومتابعة أفلام الجهاد والمجاهدين حسب تسميتهم. لتثير فيهم الحماس والرغبة الجامحة في اللحاق بركب من سبقهم تحت أوهام الفوز بالحور العين وإعادة أمجاد المسلمين وما علموا أن رضى الله لا ينال بمعصيته وأن مجد الإسلام لا يعود بمخالفة هدي الإسلام.
فهذه بعض صفات الجهات التي تقف خلف تأثُرِ أبنائنا بهذه التيارات المضلة فكونوا منها على حذر بالغ ويقظة مستمرة.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم احفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك اللهم من أراد بلادنا أو حكامنا أو علمائنا أو مقدساتنا أو أعراضنا بسوء فأشغله بنفسه واردد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره ،اللهم اكفنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ،اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا ، اللهم أصلح ولاة أمرنا وارزقهم البطانة الصالحة الذين يدلونهم على الخير ويعينونهم عليه .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.