العنوان : وقفات مع التسجيل الصوتي المنسوب إلى الزرقاوي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
فقد استمعت إلى تسجيل صوتي نسب إلى الزرقاوي منشور على الانترنت والذي سمعته جزء قصير ومع ذلك فقد اشتمل على جملة كبيرة من الشنائع والقبائح والكذب والبهتان، والافتراء والجرأة البالغة على التكفير، وتسمية الأشياء بغير أسمائها تلبيساً وتمويها وقد رأيت أن أدلي بدلوي في إبطال بعض ما تضمنه ذلك الجزء من كلامه من الأباطيل إبراء للذمة مع علمي بتهافت كلامه وأن مجرد حكايته يكفي في الرد عليه إذ لا تكاد تنطلي افتراءاته على أحد له عقل وإنصاف.
لقد وصف المتحدث _عامله الله بما يستحق _ وصف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بالأوصاف السيئة فجعله طاغية متقلداً للصليب، وممكناً للصليبين في جزيرة العرب محارباً للمجاهدين، لا يختلف عن غيره في حرب الإسلام إلا في الأسلوب فقط. وجعله من المنافقين من أتباع عبد الله بن سلول خائن للأمة والدين.
وأقول مع تقديم اعتذاري عن سياق هذه الألفاظ النابية:
كل منصف بريء من داء التعصب والهوى لا يتردد في الشهادة للملك فهد رحمه الله بأنه من خيار ملوك وزعماء العالم الإسلامي ولو قلت خيرهم فيما يظهر لنا لما بالغت، وهذه آثاره خير شاهد تتحدث عن نفسها. من خدمة للحرمين الشريفين، وخدمة للقرآن الكريم، وخدمة للسنة النبوية، وحماية لجناب التوحيد، وحرب للشرك والخرافة والوثنية، ورعاية للعلماء الربانيين الناصحين، ووقوفٍ إلى جانب قضايا الأمة الإسلامية ودعم لها، ومواساة للمحتاجين والمنكوبين، وما لا أحصي له عداً من المناقب والمآثر جعلها الله في موازين حسناته. فإذا كانت هذه هي الخيانة للأمة وللدين فما أحسنها من خيانة!!
وأما القول بأنه (متقلد الصليب) فمن الكذب الذي اختلقه الخوارج وكفروا به الملك فهد ظلماً وعدواناً، لقد لبس رحمه الله وساماً كما جرت بذلك العادة في تلك المناسبة التي كان فيها رحمه الله، وكان الوسام على صورة وردة لها أربعة أطراف متساوية وكلنا يعلم أن صورة الصليب المعروفة المشهورة التي تحكي الواقع عبارة عن خطين متقاطعين وطرفه الأعلى قصير، ومع ذلك فقد خلعه رحمه الله، فكيف يجرؤ مسلم يخاف الوقوف بين يدي الله على تكفير مسلم بل على تكفير إمام المسلمين في زمانه بأمر محتمل احتمالاً بالغ الغاية في الضعف ولا غرابة فالهوى يفعل هذا وأكثر منه.
وأما القول بأنه (حامل راية الحرب على المجاهدين) فنعم وهذه شهادة فخر لأبي فيصل رحمة الله عليه، لقد حمل راية الجهاد على المجاهدين على طريقة ذي الخويصرة وابن ملجم طريق الخوارج كلاب النار. ففاز إن شاء الله بأجر عظيم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أينما لقيتومهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم) وقال (طوبى لمن قتلهم أو قتلوه) إن تسمية الخوارج بالمجاهدين هي صورة واحدة من صور الكذب والدجل والتلبيس الذي يسلكه خوارج العصر ولا عجب فلهم أسوة في فرعون حيث قال لقومه(وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) فرد الله عليه بقوله (وما أمر فرعون برشيد) ولهم أسوة في المنافقين يوم قالوا (إنما نحن مصلحون) فرد الله عليهم بقوله (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون). إن الجهاد مصطلح شرعي كريم يجب أن يصان عن إطلاقه على الفساد والعبث بالدماء والخروج على إمام المسلمين وقتل الأنفس المعصومة. لقد كان الفهد شوكة في حلوق الخوارج هتك أستارهم، وطهر الأرض من رجسهم، وقد أبقى الله لهم في خلفه الملك عبد الله ما يسوءهم إن شاء الله.
وأما القول بأنه (مكن للصليبين وجودهم على جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم لينهبوا خيراتها) فهذا أيضاً من الكذب الواضح، فالمملكة استعانت في عهده رحمه الله بقوات أجنبية إسلامية وغير إسلامية واتفقت معهم على مغادرة البلاد إذا تم دحر القوات البعثية الغاشمة الظالمة، وهذا الذي وقع والحمد لله فدحر الله جنود الظلم والبغي، وغادرت القوات الأجنبية، وشفى الله قلوب المؤمين الموحدين، وأغاظ الله أهل النوايا السيئة الذين كانوا يأملون في سقوط الدولة السعودية آنذاك فخيب الله ظنونهم وأراهم ما يكرهون.
إن الذي مكن للدول الكبرى حقاً هم أولئك الذين تحرشوا بهم في عقر دارهم فجعلوا ذلك التحرش ذريعة فدمروا أفغانستان، ودمروا العراق، وإن الذي يطيل في عمر بقاء هذه القوى في أرض العراق اليوم هذه المقاومة المزعومة التي يذهب ضحيتها كل يوم عشرات الأنفس من المسلمين فيما يظهر من أهل العراق ولا يكاد يقتل من القوى الأجنبية إلا الواحد بعد الواحد.
إني لأعجب لشأن هؤلاء غاية العجب أإن لم يكن لهم فقه وعلم بدين الله أفما لهم عقول تعي أن ما يقومون به لا يزيد الأمر إلا شدة، ولا يزيد البلاء إلا استحكاماً، ليس بهذا الطريق تنصر القضية، ويطرد المحتل. إن الحل يبدأ أولاً من تصحيح المعتقد، يبدأ من الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهاج السلف الصالح فمن نصر الدين الحق نصر التوحيد نصره الله (ولينصرن الله من ينصره) ورحم الله الملك فهد حيث يقول (إنّ الأمة العربية ليس لها نصر بأي حال من الأحوال إلا إذا تمسكت بكتاب الله وسنة نبيه، وإذا قرأ أيّ منا التاريخ وجد أن النصر صاحب الأمة العربية، ومن اعتنق العقيدة الإسلامية، عندما كانت النوايا صافية، وعندما كان الهدف الرئيس هو نشر العقيدة الإسلامية بطرق شتى) من كلمةخادم الحرمين الشريفين لدى استقباله العلماء والمشايخ والمواطنين الذين توافدوا لتهنئته بتحرير الكويت( 19/8/1411هـ ـ 5/3/1991م )
وأما تسمية المملكة العربية السعودية (جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم) فهذه النسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا أعلم لها أصلاً في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما المعروف أن الذي ينسب إليه المدينة بخصوصها فيقال مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الذي فيها يسمى بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد عرف من حال الحركيين والخوارج أنهم يسمون المملكة العربية السعودية (أرض الجزيرة) (بلاد الحرمين) (جزيرة العرب) بناء على أنهم لا يعترفون أصلاً بإسلام حكام المملكة العربية السعودية ولا يعترفون بدولتهم والعياذ بالله فلذلك يعرضون عن ذكرها باسمها الرسمي.
إن هذه البلاد بحدودها الرسمية هي (المملكة العربية والسعودية) على رغم من يأنف أن يسميها بهذا الاسم، ورعاياها هم السعوديون نسبة إلى دولتهم وحكومتهم، ويكفي هذه البلاد فخراً وشرفاً أنها هي التي تصدر في سياستها عن ميراث محمد صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقاً.
وأما تباكيه على عدم نشر مخازيه في حق الأمة وأهلها من قبل الأدعياء: فأولاً أعتذر للقارئ الكريم الشريف عن ذكر هذه اللفظة ولكن ليرى مبلغ السفاهة التي وصل إليها هذا المتحدث. ثانياً لقد تحدث الناس يوم مات الفهد على سجيتهم فما تكاد تسمع إلا بالخير داعياً، وبالجميل مثنيا، أو محزون خنقته عبرته باكياً. نطقوا بتلك الشهادة المضيئة بمحض إرادتهم وقد أيقنوا أنه قد مات وتقطعت ألأسباب فلا يرجى ثوابه ولا يخشى عقابه. تغمده الله بواسع رحمته.
لقد ذكروا المناقب العظيمة التي أخزت كل شانئ للدولة السعودية وقادتها ورجالاتها وعقيدتها ومنهجها.
وأما حكمه عليه بالنفاق فالنفاق من أمر الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله تعالى وقد أمرنا أن نعامل الناس بما يظهر لنا منهم وحسابهم على الله ، وقد ثبت عند القاصي والداني إسلامه، ورأوا خدماته للإسلام وأهله، وسمعوه في مواطن عديدة وهو يتكلم بأحسن الكلام في تقرير العقيدة الإسلامية والإشادة بها، ودولته هي الدولة الوحيدة على وجه الأرض تطبق شريعة الإسلام كان يفخر بذلك ويعلنه في المحافل العربية والعالمية ومن كلامه رحمه الله في هذا قوله (إن عقيدة الإسلام هي أساس العدل، والعدل أساس الملك، والحكم بما أنزل الله مسؤولية وتكليف نتصدى لها وقلوبنا لربها واجفة; خشية التقصير، وعقاب العلي الكبير) . [من كلمة وجهها خادم الحرمين الشريفين بمناسبة عيد الفطر المبــارك3/10/1402هـ ـ 23/7/1982م]
وأما حكمه على خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (بأنه طاغية مرتد) فهذا يدلك أيها القارئ الكريم على أن عقيدة الخوارج في التكفير بغير حق هي اليوم موجودة بوضوح وظهور لا خفاء فيه فكيف يقول قائل بأنهم ليس لهم ظهور في هذا العصر، إذا لم يكن هذا هو دين الخوارج ومنهجهم وفكر فلا خوراج إذاً !!
لقد تفوه المتكلم بكلمة عظيمة لن يفلت منها إن لم يتب، لقد كفر مسلماً ثبت إسلامه بيقين، بل وأبلى في الإسلام بلاءً عظيماً وله من الخدمات والمآثر ما أقر به الموافق والمخالف فيأتي هذا ويكفره بجرة قلم، وكلمة عابرة. سبحان الله ما أهون الدين عند هؤلاء وما أجرأهم على حدوده.
ثم نعى على الأمة أنها لا تعرف قدر المجاهدين ولو عرفت قدرهم لما تركوهم يمشون على الأرض ولغسلوا عن أقدامهم.
وأقول لقد عرفت الأمة قدر المجاهدين حقاً، الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله، وهذه الدولة السعودية وشعبها من أعرف الناس بقدر المجاهدين حقاً، ولذا فياطالما وقفوا بجانب إخوانهم في أفغانستان يوم كانوا يجاهدون الروس، وياطالما وقفوا بجانب إخوانهم في فلسطين وهم يلاقون من عدوهم ما يلاقون لم يبخلوا عليهم بمال ولا دواء ولا دعم مادي ولا معنوي يقدرون عليه إلا بذلوه. وهاهم الآن في محنة الخوارج تقف الحكومة والشعب جنباً إلى جنب مع المجاهدين حقاً أعني بهم رجال الأمن السعودي الذي يتولى مواجهة الخوراج، فالدولة ترعاهم وتكرمهم تشهد جنائزهم وتعزي أهليهم، وتواسيهم، والشعب معهم يدعو لهم، ويحضركثير منهم أرض المعركة يقدمون الماء للجنود البواسل، ويظهرون السرور بإنجازات رجال الأمن.
ولا يغيب عن البال أن دولتنا أيدها الله لا تفتأ تعطي الفرصة لمن أراد أن يراجع نفسه ويلقي السلاح ويثوب إلى رشده، وقبل المواجهة المسلحة ما أكثر ما ينادى على المطلوبين بإلقاء السلاح والاستسلام ولكن دون جدوى. ومن قبض عليه منهم فهو في سجنه معزز مكرم يشهد بذلك كل من أتاهم وعاينهم.
وأما المبالغة في الإكرام الذي يطالب أن يفعل بالمجاهدين فهذا لم يفعله الصحابة مع خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم بل كان يمشي على رجليه وربما ركب حماراً أو بغلاً أو فرساً أو ناقة كما هو معلوم من سيرته صلى الله عليه وسلم وإنما حمل يوم أحد حين أصيب إصابات بالغة صلوات الله وسلامه عليه، وكان إذا توضأ ربما غسل رجليه بيده وربما أهراق عليه بعض أصحابه الماء وبالغلو تهلك الأمم.
وأما دعوته لمن كان على شاكلته في داخل بلادنا إلى الثبات ولاستمرار على ما هم عليه فهي من باب الدعوة إلى الباطل ومن باب التعاون على الإثم والعدوان، فما أمرهم إلا بلزوم منهج الخوارج، وتكفير المسلمين، واستحلال دماء المصلين الموحدين، واستحلال دماء المعصومين، والسعي في الأرض بالفساد.
وأما تهديده بالثأر لدماء من قتل من زمرته ومن هم على شاكلته فهذا يدل على شناعة عقيدته، وسوء طويته، ويدل على مبلغ الحقد الذي وصل إليه، وهذا التهديد لن يعود وباله إلا عليه، فدولتنا منصورة بحمد الله، ومعانة على من أراد بها سوءاً بفضل الله ثم بفضل تحكيمها للشرع، ونصرتها للدين، وإحسانها إلى الخلق نسأل الله أن يثبتها على هذه الخصال الحميدة وأن يزيدها توفيقاً وتأييداً، وقد بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الخوارج مدحورون مهزمون أبداً ولا يكاد يظهر منهم قرن إلا قطعه الله والتاريخ يشهد بهذا.
وفي الختام أرجو من أهل العلم وأهل الفكر والقلم ومن لهم عند الناس كلمة مسموعة أن يجتهدوا في بيان الحق وفي دحض الباطل والاجتهاد في التحذير من الفكر التكفيري وتعرية رموزه بأسمائهم وأعيانهم فإن الحاجة اليوم ملحة إلى هذا، إن هذه البيانات تنذر بخطر عظيم إذ لكل ساقطة لاقطة، والشبهات إنما تدحض بالحجج والبينات ثم من أراد الله هدايته اهتدى، ومن سبقت عليه الضلالة فيكفي أننا أعذرنا إليه، وأقمناالحجة عليه حتى لا يكون له علينا سبيل يوم القيامة.
اللهم اهد ضال المسلمين، وأعذنا من شرور المفسدين، وأجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أدم على هذه البلاد أمنها واستقرارها واجتماع كلمتها برحمتك يا أرحم الراحمين.
علي بن يحيى الحدادي إمام وخطيب جامع
عائشة بنت أبي بكر الصديق بالرياض
9/8/1426هـ