العنوان : وجوب تنفيذ الحدود على الشريف والضعيف.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله شرع الحدود لمصالح عظيمة ومنها حفظ الدين،واستتباب الأمن وسلامة الأعراض والعقول والأموال.
وشرع سبحانه القصاص في الأنفس وما دونها قال تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص)
وأمر سبحانه أن تقام هذه العقوبات على مستحقيها دون تفريق بين شريف وضعيف وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) متفق عليه.
وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ مُهَاجِرَةُ الْحَبَشَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعْجَبَ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ “. قَالَ: فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ عَلَيْنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَتْ: سَتَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ أَمْرِي وَأَمْرَكَ عِنْدَهُ غَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “صَدَقَتْ، ثُمَّ صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ قَوْمًا لَا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم” أخرجه ابن حبان وهو صحيح بشواهده.
وقال الصديق رضي الله عنه في خطبة البيعة التي أعلن فيها سياسته في الحكم (الضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقَّهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْقَوِيُّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ) قال ابن كثير إسناده صحيح.
ومما ينبغي أن يعلم أن جرائم الحدود لا تجوز فيها الشفاعة إذا بلغت ولي الأمر فإذا رفع إليه سارق أو زان أو شارب خمر مثلا فلا يحل لأحد أن يشفع له لإسقاط الحد عنه قال صلى الله عليه وسلم منكراً على أسامة بن زيد (أتشفع في حد من حدود الله) ولقي الزبير سارقا فشفع فيه فقيل حتى يبلغ الإمام فقال: (إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفِّع).
وأما جرائم القصاص كالقتل العمد وشبه العمد فتجوز فيها الشفاعة عند المجنى عليه أو ورثته إما لإسقاط الجزاء بالمثل والاكتفاء بالدية أو بالتنازل عنهما معاً ابتغاء ما عند الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم (اشفعوا تؤجروا).
فمن ابتلي بشئ من ذلك ـ ونسأل الله العافية لنا ولكم ـ فله المطالبة بالقصاص بالمثل، وله التنازل عن القصاص إلى الدية الشرعية لقوله صلى الله عليه وسلم (وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ ) متفق عليه.
وخير من ذلك كله أن يعفو لوجه الله تعالى فلا يأخذ قصاصا ولا دية فإن الصفح من الإحسان والله يحب المحسنين ، والعفو والصفح لوجه الله من القيم العظيمة والأخلاق السامية التي يتميز بها المؤمنون الراغبون فيما عند الله قال تعالى (فمن عفى وأصلح فأجره على الله) وقال تعالى ({وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وقال تعالى (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وإذا ظن بعض الناس أن العفو ذل وضعف فقد قال صلى الله عليه وسلم «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» أخرجه مسلم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أمابعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من الظواهر المؤسفة ما نراه من من المتاجرة بالدماء واستغلالها لتكون طريقاً إلى كسب عشرات الملايين نظراً لحرص أولياء القاتل وأهله على حياة قريبهم.
وربما جمعت هذه المبالغ من الزكوات وأموال الفقراء والمساكين وربما ذهبت هذه الملايين الطائلة لتخليص مجرم متأصل في الشر مستهتر بالدماء. تنفيذُ القصاص فيه خير من بقائه.
فاتقوا الله يا من ابتليتم بشيء من هذه المصائب فإن لم تغتنموا هذه الفرصة لتكونوا من العافين المحسنين طلباً لما عند الله فإما أن تطلبوا القصاص أو الدية الشرعية وإما أن تطلبوا الصلح على مبلغ معقول لا تعجيز ولا استغلال فيه.
عباد الله:
لقد ضربت دولتنا في هذا الأسبوع مثالاً عظيماً جليلا في العدل وتطبيق الشريعة ، فقد أمر الملك سلمان حفظه الله بتنفيذ الحكم الشرعي الصادر في حق أحد الجناة من الأسرة المالكة ونفذ فيه بناء على طلب ولي الدم وهو أحد مواطني هذه البلاد المباركة. نعم كنا نحب العفو عنه كما نحبه لكل من اقتيد لساحة القصاص ولكنه غير ملام فقد طلب حقاً مشروعاً. ولله في ذلك الحكمة البالغة فنرجوا أن يكون كفارة للجاني ورفعة لدرجته ودرجة أهله.
كما أنه أظهر بالدليل القاطع أن هذه الدولة المباركة تطبق شرع الله وتنفذ أحكامه دون محاباة لأحد. وليست هذه بالأولى ولكن هذه أقربها وأشهرها.
كما أننا نرجو أن يكون ذلك من أسباب عز هذه البلاد وتمكينها وكبت عدوها فإن تنفيذ الأحكام الشرعية وتحقيق العدل من أعظم أسباب الأمن والرخاء والعز والتمكين.
فاعرفوا لولاة أموركم قدرهم واجتهدوا في الدعاء لهم، واحذروا من كل ساع للتحريش والتفريق وإثارة العداوات بيننا وبينهم. اللهم ثبت أمننا واكبت عدونا وأعذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ..الخ.
جزاك الله خيرا
You really saved my skin with this inamnoftior. Thanks!