العنوان : من معجزات الرسول صلى الله عليه و سلم
(( الخطـبة الأولـى ))
أما بعد:
فمن علامات الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤيده الله بالمعجزات الخارقة للقدرات البشرية، لتكون دليلاً على صدقه، وزيادة لإيمان من آمن به، وحجة على من خالفه وكذبه، وقد أيد الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم بمعجزات كثيرة، ولا شك أن أعظمها هو القرآن الكريم المعجزة الباقية إلى أن يأذن الله برفعه إليه قبيل قيام الساعة.
ولأثر العلم بآياته صلى الله عليه وسلم ومعجزاته في زيادة الإيمان به صلى الله عليه وسلم أحببت أن أذكر نفسي وإياكم بشيء منها
فمن معجزاته صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر وذلك حين طلب المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فانشق القمر فلقتين فلقة عن يمين جبل حراء وفلقة عن يساره فما آمنوا ولكن قالوا سحرنا محمد وصدق الله إذ يقول (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون). وقد ذكر ابن كثير أنه بني في الهند هيكل كتب عليه بني في الليلة التي انشق فيها القمر فدل على أن رؤية انشقاق القمر لم يتفرد به أهل مكة بل رآه من كتب الله له رؤيته.
ومن معجزاته نبع الماء من بين أصابعه الشريفة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بالزوراء _موضع بالمدينة_ فأتي بإناء فيه ماء لا يغمر أصابعه فأمر أصحابه أن يتوضؤوا، فوضع كفه في الماء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه، حتى توضأ القوم، قيل لأنس: كم كنتم ؟ قال: كنا ثلاثمائة.
ومن معجزاته تكثير اللبن القليل حتى يشرب منه العدد الكثير فقد قص أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم مر به فعرف في وجهه الجوع فأمره أن يلحقه إلى البيت فلما دخل أبو هريرة وجد لبنا _ وقد فرح أبو هريرة باللبن إذ قد بلغ به الجوع كل مبلغ رضي الله عنه _ ولكن فاجأه النبي صلى الله عليه و سلم حين قال له (ادع لي أهل الصفة) وأهل الصفة عدد كبير من الفقراء يسكنون المسجد حتى يجد أحدهم ما يغنيه فحزن أبو هريرة لأن اللبن قليل والناس كثير وهو الساقي فلن يشرب إلا آخرهم إن بقي شيء فلما دخلوا أمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يناولهم فكان الرجل يشرب حتى يروى ثم يناوله الذي يليه حتى شربوا كلهم وبقيت فيه بقية قال فناولته النبي صلى الله عليه و سلم فنظر إليه وتبسم وقال أبا هر: بقيت أنا وأنت. فقلت: صدقت يا رسول الله قال اقعد فاشرب قال فقعدت فشربت ثم قال لي اشرب فشربت فما زال يقول لي اشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له في مسلكاً قال ناولني القدح فرددت إليه القدح فشرب من الفضلة أي من البقية.
ومن معجزاته تكثير التمر القليل فيؤكل منه السنن الكثيرة لا ينفد فقد كان رسول الله في غزاة فأصابهم جوع فسأل أبا هريرة : عندك شيء ؟ قلت شيء من تمر في مزود لي. قال جئ به. فجاء به ونثر النبي صلى الله عليه و سلم ما فيه على بساط من جلد وعد التمرات فإذا هي واحد وعشرون تمرة فسمى الله ودعا بالبركة ثم دعا الناس ليأكلوا فأكل من معه حتى شبعوا ثم قال لأبي هريرة اقعد فقعدت فأكل وأكلت قال وفضل تمر فأدخلته في المزود، وقال لي يا أبا هريرة إذا أردت شيئاً فأدخل يدك ولا تكبه قال أبو هريرة : فأكلت منه حياة أبي بكر وحياة عمر وحياة عثمان وفي رواية فأخذت منه خمسين وسقاً في سبيل الله. والوسق الواحد يعادل ستين صاعاً والصاع الواحد يعادل ثلاث كيلوات تقريباً أي ما يزيد على سبعة آلاف كيلو جرام تقريباً
ومن معجزاته أن انقياد الشجر له صلى الله عليه و سلم حتى تمشي في يده كما تمشي الدابة المذللة في يد صاحبها فقد أراد النبي صلى الله عليه و سلم مرة أن يقضي حاجته وهو في سفر فبحث عن شيء يستتر به فلم يجد، وإذا بشجرتين في شاطئ الوادي وبينهما بعد وكل واحدة منهما لا تكفي لستره فجاء إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها وقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها وقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كأختها حتى إذا كان بالمنتصف قال التئما علي بإذن الله فالتئمتا فلما قضى حاجته رجعت كل واحدة إلى مكانها.
ومن معجزاته حنين الجذع الذي كان يخطب عليه حزنا لفراق النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان في المسجد جذع يستند إليه النبي صلى الله عليه و سلم ويخطب عليه ثم صنع له منبر من ثلاث درجات، فلما جاءت الجمعة المقبلة مشى النبي صلى الله عليه و سلم حتى تجاوز الجذع فخار الجذع خوار الثور، وحن حنين الناقة على ولدها شوقاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجزعاً عليه، فرجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه فسكن وسكت فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة)
وكان الحسن البصري رحمه الله إذا حدث بهذا الحديث بكى ثم قال: يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً إليه لمكانه من الله فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه.
ومن معجزاته تسليم الحجر عليه فعن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن)
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم سجود البعير له إجلالاً ومحبة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه أي يسقون عليه وإنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره وإن الأنصار جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا إنه كان لنا جمل نسني عليه وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش الزرع والنخل فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا.
فقاموا فدخل الحائط (البستان) والجمل في ناحية فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه فقالت الأنصار: يا رسول الله إنه قد صار مثل الكلب الكلِب (أي صار مثل الكلب المسعور) وإنا نخاف عليك صولته، فقال : ليس علي منه بأس.
فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجداً بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل (أي سقيا البستان).
فقال له أصحابه: يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك. فنحن أحق أن نسجد لك. فقال: لا يصلح لبشر أن يسجد لبسر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه. رواه أحمد.
قلت: ومع عظم حق الزوج على امرأته إلا أنه يجب على الزوج أن يعاشر امرأته بالمعروف، وأن يتقي الله فيها كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بذلك.
ومن معجزاته شكوى بعير عزم أهله أن ينحروه عن يعلى بن مرة قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ جاءه جمل يخب حتى ضرب بجرانه بين يديه (أي جاء يمشي حتى وضع عنقه أمام النبي صلى الله عليه وسلم) ثم ذرفت عيناه. فقال ويحك: انظر لمن هذا الجمل، إن له لشأناً ؟!!
قال فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار فدعوته إليه فقال: ما شأن جملك هذا؟ فقال: وما شأنه؟ قال: لا أدري والله ما شأنه عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه.
قال: فلا تفعل هبه لي أو بعنيه.
فقال: بل هو لك يا رسول الله فوسمه بوسم الصدقة ثم بعث به.
وفي رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ما لبعيرك يشكوك ؟ زعم أنك أفنيت شبابه حتى إذا كبر تريد أن تنحره قال صدق. والذي بعثك بالحق قد أردت ذلك والذي بعثك بالحق لا أفعل.
ومن معجزاته أيضاً شهادة الذئب له بالرسالة بلسان عربي فصيح فعن أبي سعيد الخدري قال عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبها الراعي فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه فقال : ألا تتقي الله تنزع مني رزقاً ساقه الله إلي؟ فقال: يا عجبي ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس؟ !
فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك محمد صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق.
قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فنودي الصلاةَ جامعةً (أي اجتمعوا أيها الناس) ثم خرج فقال للراعي أخبرهم، فأخبرهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق. والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباعُ الإنس ويكلم الرجلَ عذبةُ سوطه وشراكُ نعله و يخبره فخذُه بما أحدث أهله بعده. رواه أحمد.
ولا عجب في ذلك عباد الله فإن الله على كل شيء قدير وإذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون والذي أنطق اللسان ألا يستطيع أن ينطق ما شاء من مخلوقاته بلى.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
(( الخطبة الثانية ))
أما بعد : فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة التصديقَ بمعجزات الأنبياء وآياتهم التي أيدهم الله بها والإيمانَ بخصوص ما ذكره الله في كتابه منها أو صح عن نبيه صلى الله عليه وسلم.
وتأييد الرسول بالمعجزات من حكمة الله البالغة حتى يفرق الناس بين من يدعى أنه رسول الله كذباً ومن هو صادق في إخباره عن نفسه أنه رسول الله فإن تأييد الله له بالمعجزات هو في معنى قوله سبحانه إنه رسولي حقاً وصدقاً ولذا أيدتُه بهذه الآيات العظيمة الخارقة للعادات والخارجة عن قدرة البشر.
والله نسأل أن يثبتنا وإياكم على الإيمان به وبرسوله وأن يرزقنا حسن الاتباع له إنه سميع مجيب.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ..
ارجو خمسون من معجزاته صلى اللع عليه وسلم
ارجو خمسون من معجزاته صلى اللع عليه وسلم