العنوان : من مظاهر التوحيد في الحج
أما بعد:
فإن الله تعالى خلقنا لعبادته وحده دون ما سواه كما قال جل وعلا (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وكل ما شرعه الله لنا من العبادات القلبية والقولية والعملية فإنما شرعه لتحقيق هذا التوحيد. ومن تلك العبادات التي تتجلى فيها عناية الشارع الحكيم بإظهار التوحيد لله فيها مناسك الحج والعمرة إلى البيت الحرام.
قال تعالى في آيات الحج في سورة الحج (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً) الآية..وقال تعالى في سياقها أيضاً ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق).
و من أبرز شعائر الحج التلبية ، وهي الإهلال بالتوحيد وإعلانه وإعلان البراءة من الشرك (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك). ولهذا قال جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم (حتى إذا استوت به ناقته على البيداء _ يعني في ميقات ذي الحليفة _ أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك..) الحديث.
فـ(لبيك اللهم لبيك) يعلن فيها الملبي مرة بعد مرة استجابته لله تعالى بعبادته وحده ومن ذلك استجابته لنداء ربه حين دعا العباد لحج بيته الحرام.
ومعنى (لا شريك لك) أي أن الملبي يعلن أنه لا شريك لله في ربوبيته ولا ألوهيته ولا أسمائه وصفاته فهو الخالق والمدبر والمحيي المميت وحده وهو المستحق وحده للعبادة فلا يستحق أن يعبد معه غيره من شيء لا من الأنبياء ولا الأولياء ولا الجن ولا القبور ولا الأصنام ولا غير ذلك، وهو الذي له لا شريك له في أسمائه الحسنى وصفاته العلى فلا مثل له ولا ند له كما قال تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)،
ومعنى (إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) أي أنت يا ربي المستحق للحمد كله لأن الكمال كله لك و لأن النعم كلها من عندك وأنت يا رب مالك السموات والارض ومالك الدنيا والآخرة لا تخرج مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض عن ملكك وقهرك وتدبيرك فلا يصلح أن أعبد غيرك ولا أن أسأل غيرك لأنه لا شريك لك في ذلك كله.
ومن أعظم المشاعر في الحج الطواف بالبيت لله تعالى وما يتبع ذلك من استلام الحجر الأسود وتقبيله وهذا الطواف ليس عبادة للبيت ولا طوافاً للبيت وإنما هو طواف لله فالذي شرع لنا الصلاة والصيام هو الذي شرع لنا الطواف به فنطوف بالبيت امتثالاً لأمر الله تعالى لهذا لا نطوف بأي بقعة في الأرض -كانت ما كانت- لأن الله لم يشرع لنا طوافاً أخر بغير البيت فلا نطوف بمسجد ولا بقبر ولا بشجرة ولا بحجرة ولا بغير ذلك.
وهكذا حين نقبل الحجر الأسود أو نستلمه نفعل ذلك اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعة لله الذي امرنا بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباعه فنقبل الحجر الأسود ونحن على يقين تام أنه حجر لا يضر ولا ينفع ولو لم يشرعه لنا رسول الله لم نفعله كما قال ذلك الفاروق رضي الله عنه فعن عابس بن ربيعة، عن عمر رضي الله عنه: أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله، فقال: «إني أعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك» رواه البخاري.
ومن مشاعر الحج اتخاذ مقام ابراهيم مصلى فيشرع لمن فرغ من طوافه أن يجعل المقام بينه وبين الكعبة فيصلي ركعتين إذا لم يكن في ذلك المكان زحام أو أذية للطائفين.
والمقام هو حَجَرة وقف عليها إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء الموحدين حين بنى البيت فحفظ الله فيها آثار قدميه فأمرنا الله أن نتخذه مصلى فيقف الحاج والمعتمر والطائف بالبيت حيث وقف به النص فلا يزيد على ذلك لأنه موحد لله مخبت له متبع أمره فلا يزيد على اتخاذ المقام مصلى لا تبركاً به ولا تمسحاً به ولا غير ذلك مما يفعله بعض الناس.
ومن مشاعر الحج السعي بين الصفا والمروة ويتجلى التوحيد في السعي أنك أولاً إنما تسعى في هذا المكان لله وامتثالاً لأمر الله حيث يقول (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما). ثانياً: انك لا تسعى بين شيئين في الدنيا تعبداً لله إلا بين الصفا والمروة لأن الله لم يشرع السعي بغير الصفا والمروة. ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد الصفا أو المروة رفع يديه وكبر وأهل بالتوحيد فيقول (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) يقول ذلك ثلاث مرات ويدعو بينها.
رابعاً: أن أوّلَ امرِ السعي كان سعي هاجر أم إسماعيل بينهما بحثاً عن الماء لها ولطفلها ففيه التذكير بشأن إمام الموحدين حين ترك ولده وأم ولده في مكان قفر لا أنيس فيه ولا ماء ولا زرع امتثالاً لأمر ربه ويقيناً بحكمه وحكمته سبحانه ليكون لنا فيه قدوة وأسوة.
ومن مشاعر الحج التقرب لله بذبح الهدي من بهيمة الأنعام الابل والبقر والغنم في يوم العيد وأيام التشريق. فالذبح لله وعلى اسم الله تعالى قال تعالى ( لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا). فلا يذبح المسلم تقرباً أو تعبداً لغير الله تعالى فمن فعل ذلك فما وحد الله بل أشرك مع الله واستحق لعنة الله كما في الحديث الصحيح (لعن الله من ذبح لغير الله).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفو الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فإذا علم العبد أن الحج إنما شرع لتحقيق التوحيد لله بإخلاص العبادة له وإخلاص المتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم كان ذلك مدعاة له لإخلاص نيته لله فلا يحج إلا ابتغاء مرضاة الله واجتناباً لسخطه.
وكان ذلك مدعاة له أن يحرص على اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أداء مناسكه فلا يدخل عليها شيئاً من البدع والمحدثات التي لا دليل عليها ولا برهان. فبعض الحجاج قد يأتي بشيء من المحدثات التي تناقض أصل التوحيد من أساسه كمن يلبي لغير الله أو يذبح الهدي لغير الله.
وقد يأتي بشيء من البدع التي تنقص أجر توحيده وتخدش كماله وحسنه. كالتمسح بالمقام والتبرك بأعمدة المسجد الحرام أو التعبد لله بالصعود إلى غار حراء ونحو ذلك من البدع والمحدثات.
نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وحسن الاتباع واجتناب الابتداع إنه سميع مجيب.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين..
جزاك الله خيرا،خطبة مختصرةشاملة جامعة،أتمنى من الشيخ جزاه الله خيرا أن يجمع بين تقوى السلف في الحج وتتبعهم للسنة وخوفهم من الشرك وبين كثير من أهل الأهواء المعاصرين الذين يسيسون الحج يبتدعون فيه أشياء ما أنزل الله بها من سلطان،بارك الله في جهودكم وجمعنا وإياكم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولإك رفيقا
جزاك الله خيرا خطاب مختلف
جزاك الله خيرا شيخنا
بارك الله فيك شيخنا
والله إن خطب الشيخ لتعجبني كثير لاختصارها ولوضوحها ولجمالها ولأنها مركزة على الادلة وعلى منهج السلف وانا دائما اخطب بها في النار خطب مختر مفيدة وجزى الله الشيخ على يحي حداد خيرا