جديد الإعلانات :

العنوان : من حقوق الأبناء

عدد الزيارات : 4157

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فإن من نعم الله تعالى على عبده نعمة الولد ذكراً كان أو أنثى، فهم زينة الحياة الدنيا، وهم امتداد لذكر المرء بعد موته، وهم جزء من كسبه وعمله إذا صلَحوا كتب له مثل أجورهم من الأعمال الصالحة التي عملوها لما كان له من دور كبير في صلاحهم واستقامتهم ومعرفتهم ربهم، وإذا صلَحوا كانت دعواتهم له من العمل الصالح المستمر له بعد موته حيث تنقطع الأعمال وتطوى صحائفها حتى إن (الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول : أنى لي هذا ؟ فيقال : باستغفار ولدك لك). رواه ابن ماجه . أي يتعجب إذ رفع إلى درجة في الجنة فوق عمله بكثير فيسأل عن السبب فيُخبر بأنه رفع إلى تلك الدرجات العلية بسبب استغفار ولده له بعد موته.

وفي الحديث الصحيح (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم.

كما أن موتهم مما تثقل به الموازين وترفع به الدرجات لمن صبر واحتسب ، وإذا ماتوا قبل البلوغ كانوا فرطاً وشفعاء لآبائهم وأمهاتهم وحجاباً لهم من النار فهم إن عاشوا نفعوا وإن ماتوا شفعوا.

وللأبناء على آبائهم حقوق كثيرة جاء بها الكتاب والسنة والقيام بها من أسباب كمال النعمة بهم وتمامها بإذن الله: فمن تلك الحقوق التي لهم:

أولاً: حسن اختيار الأم وكذا حسن اختيار الأب فالنبي صلى الله عليه وسلم حث كل مقبل على الزواج أن يظفر بذات الدين مهما استطاع إلى ذلك سبيلاً لأن ذات الدين هي نعم العون للزوج على طاعة ربه ونعم العون له على تربية أبنائه  قال صلى الله عليه وسلم (تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها. فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم (الدنيا متاع. وخير متاعها المرأة الصالحة) رواه مسلم من حديث ابن عمرو.

وحث ولي المرأة على حسن اختيار الزوج لموليته ففي الحديث (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا  تفعلوا تكن فتنة في الأرض ، وفساد عريض). أخرجه الترمذي.

ثانياً: حث النبي صلى الله عليه وسلم الرجل إذا أراد أن يأتي أهله أن يقول بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان. وجنب الشيطان ما رزقتنا فعن عبد الله بن عباس  رضي الله عنهما قال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : « أما لو أن أحدكم قال – إذا أراد أن يأتي أهله. أو قال : حين يأتي أهله – بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان. وجنب الشيطان ما رزقتنا ، ثم قدر بينهما في ذلك ولد. لم يضره شيطان أبدا». أخرجه البخاري، ومسلم.

ثالثاً: من حقوقه حسن اختيار الاسم فالاسم الحسن له تأثير حسن على صاحبه، والاسم السيئ له تأثير سيء على صاحبه ومن الأسماء المستحبة ما كان معبداًُ لله تعالى قال صلى الله عليه وسلم (أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله ، وعبد الرحمن ». أخرجه مسلم، وكان بعض الصحابة يسمي أبناءه بأسماء الشهداء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من كان يسمي بأسماء الأنبياء ، وثبت في مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم وصالحيهم.

وجاءت السنة القولية والعملية عن النبي صلى الله عليه وسلم بكراهة الاسم الذي يحمل معنى بغيضا أو يحمل معنى يدل على تزكية صاحبه ونحوه. كما جاءت السنة بتحريم الأسماء المعبدة لغير الله ووجوب تغييرها.

رابعاً: مشروعية التأذين في أذن المولود حين ولادته لحديث أبي رافع أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة.

خامساً: مشروعية حلق شعر الصبي الذكر والتصدق بوزنه فضة.

سادساً: مشروعية ذبح العقيقة عن المولود ذكراً كان أو أنثى شكراً لله على نعمته واعترافاً بفضله عن الذكر شاتان وعن الجارية شاة. وفي تشريع الذبح عن الأنثى إبطال لما كانت عليه الجاهلية من كراهة البنات والشعور بالغضاضة والنقص عند البشارة بهم فكما أن الابن نعمة فكذلك البنت وإن كان لا ينكر تفاوت النعم. عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل غلام رهينة بعقيقته ، تذبح عنه يوم السابع ، ويحلق رأسه ، ويسمى ». وعن أم كرز رضي الله عنها  قالت :سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : « عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة ».رواهما أصحاب السنن غير ابن ماجه

سابعاً: مشروعية ختانه فإن الختان من سنن المرسلين وهو مشروع في حق الذكر والأنثى لكنه في حق الرجل واجب. وأما في حق النساء فهو على الاستحباب إذا وجد من يحسنه، وقد شرع لما فيه من مصلحة المرأة وبعلها ومن العلماء من يرى أنه مباح في حقهن فقط وليس بمستحب.

ثامناً: تأديبهم وتعليمهم وتربيتهم على مكارم الأخلاق ومحاسنها . فتعلمهم توحيد رب العالمين: أنه لا يعبد إلا الله ولا يلتجأ إلا إليه ولا يطلب النفع إلا منه ولا يستدفع الضر إلا به.

تعلمهم من حين يصلوا سن التمييز ما يطيقون من صفة الطهارة والصلاة وسورة الفاتحة وما تيسر من قصار السور وشيئاً من آداب الأكل والشرب واللباس والنوم والاستيقاظ ونحو ذلك مما يطيقونه ويستوعبونه .

ثم تتدرج معهم شيئاً فشيئاً قال صلى الله عليه وسلم (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع)

يربى الابن على الحفاظ على صلاة الجماعة وعلى لبس الثوب فوق الكعبين، وعلى إكرام الضيف ونحو ذلك من الآداب.

وتربى البنت على الصلاة في بيتها وعلى الحجاب وعلى لبس الثياب الساترة والبعد عن مخالطة الرجال حتى لا تصل سن البلوغ أو تقاربها إلا وقد تقررت هذه الآداب في نفسها.

قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراًُ وقودها الناس والحجارة) قال بعض السلف: أي أدبوهم وعلموهم. وقال ابن عمر لرجل رآه ومعه ابن له (أحسن أدبه فإنك مسؤول عنه وإنه مسؤول عنك).

ثامناً: الدعاء لهم بالخير فإن الدعاء من أقوى الأسباب في تحقيق المطالب ونيل المآرب قال تعالى عن زكريا (قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) فلم يطلب الذرية فقط وإنما طلب ذرية طيبة صالحة تخاف الله وترجو ثوابه.

وقال تعالى عن عباد الرحمن الموعودين بالغرف والجنان أن من هديهم وآدابهم دعاءهم ربهم قائلين(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين)

كما أخبرنا عن عباده الصالحين الموعودين بقبول حسناتهم وغفران سيئاتهم أن من دعائهم طلب صلاح الذرية فقال تعالى (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحا ترضاه، وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين. أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) ففي هذه الآيات تعليم وإرشاد لنا أن ندعو لأبنائنا بالصلاح والهداية والاستقامة.

كما جاءت السنة بالنهي عن الدعاء على الأولاد قال صلى الله عليه وسلم ( لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكم ، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله عز وجل ساعة يسأل فيها عطاء ، فيستجيب لكم) أخرجه أبو داود من حديث جابر

وكثير من الآباء والأمهات ولا سيما في ساعات الغضب يعكس القضية فتجده كثير الدعاء على أولاده بالهلاك والمصائب والموت ونحو ذلك مع أنه لو حصل عليهم شيء من ذلك لتألم غاية الألم، ولتنغصت عليه حياته.

ربنا هب لنا من أزوجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً ربنا هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

أيها الإخوة في الله إن كثيراً من الآباء والأمهات يحصل منهم تفريط كثير في القيام بحقوق أبنائهم وبناتهم مما ينتج عنه أسوء العواقب وأشنعها فتعظم الحسرة والندامة لكن حين لا ينفع الندم.

وهذا التقصير والتفريط يتفاوت من أسرة إلى أخرى وسأشير إلى بعض ذلك بشيء من الإيجاز

فمنها التهاون في تربية أهل البيت على الصلاة فتجد الأبوين لا مبالاة عندهما أصلى الأولاد أم لا والله تعالى يقول (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) لو كان لو تغيب عن عمله أو مدرسته أو تأخر عنهما لوجدت التأنيب والعتاب وربما شديد النكال والعقاب.

ومنها إطلاق العنان لأهل البيت بمشاهدة ما يشاؤون مما تعرضه القنوات دون شرط او قيد ولو عرضت برامج تدعو للعلاقات المحرمة ولو عرضت الفواحش والأجساد العارية.

ومنها إطلاق العنان لأهل البيت أيضاً بالتعامل مع وسائل الاتصال من جوالات وهواتف وانترنت دون شعور بأدنى حد من المسؤولية. إن كثيرا من الآباء لو فتشوا جوالات أبنائهم وبناتهم لوجدوا فيها الكثير من الفساد والخراب المقروء والمرئي والمسموع وأنتم مسؤولون عنهم يا عباد الله يوم العرض الأكبر على الله.

ومنها السفر بهم في الإجازات وغيرها إلى بلاد الكفر أو بلاد شبيهة بها في التفسخ والإباحية وتيسير المنكرات لأغراض غير ضرورية مما يؤدي إلى انحراف أخلاقهم وفساد اعتقادهم.

ومنها إفساح المجال للأولاد والأهل من النساء والبنات بالخروج إلى الأسواق والمتنزهات ونحوها متى شاؤوا والرجوع متى شاؤوا دون اصطحابهن ولا شك أن ذلك من أسباب وقوع ما لا تحمد عقباه

ومنها غض الطرف بل تعمية البصر عن أمر الزينة واللباس لا سيما فيما يتعلق بالنساء ولهذا صرنا نرى في الأسواق وغيرها من أنواع الملابس ما يندى له الجبين من  كشف ما أمر الله بستره وانظر إلى التلاعب الحاصل اليوم بالعباءة حتى صارت فستاناً هو بحاجة إلى ما يغطيه ويستره؟

وهكذا في بعض الشباب الذين مسخت منهم كل معاني الحشمة والعفة والرجولة فخرجوا على المجتمع بألبسة تكشف عن عوراتهم المغلظة وسوءاتهم ومخرج أقذارهم أكرمكم الله.

أيها الإخوة:

إننا نعيش زمنا صعباً نحارب فيه حرباً ضروساً يراد منا في هذه الحرب أن نسلب عقيدتنا وأخلاقنا وحيائنا وحشمتنا وعفافنا ومكارم أخلاقنا فلننتبه لذلك غاية الانتباه وإلا خسرنا المعركة شر خسارة.

ومن صور الإهمال ما ترتب عليه انحراف بعض شبابنا في باب العقيدة والمنهج حيث تخطفتهم شباك الجماعات الحزبية الصوفية والتكفيرية الخارجية فأخرجتهم عن عقيدة السلف الصالح وجندتهم ضد منهج سلفهم الصالح، وضد دولتهم المسلمة وضد مجتمعهم فانقلبوا أعداء أشداء يكفرون ويفجرون ويفسدون في الأرض باسم الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله ونحو ذلك من الشعارات.

والواجب الحذر والسهر على حماية أجيالنا وأبنائنا وبناتنا وأغلى كنوزنا حتى لا تخطفهم فتن الشهوات ولا فتن الشبهات وفتنة الشبهات أشد وأنكى والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *