جديد الإعلانات :

العنوان : من آداب المسؤولين

عدد الزيارات : 3204

أما بعد:

فإن المناصب حمل ثقيل له تبعاته يوم القيامة لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على عدم طلب المناصب والسعي في حصولها ففي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها». وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إِنَّكم سَتَحرِصُونَ على الإمَارَةِ، وسَتَكُونُ نَدَامَة يوم القيَامَةِ، فَنِعْمَتِ المُرضِعَةُ، وبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ» .

وفي الصحيحين عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أُعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها». وأتاه صلى الله عليه وسلم رجلان فقالا: أمِّرْنا يا رسول الله على بعض ما ولاك الله من العمل فقال صلى الله عليه وسلم (إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه) متفق عليه.

ولكن إذا ابتلي المسلم بالمنصب أميراً أو وزيراً أو مديراً أو مسؤولاً فليتق الله ما استطاع وليقم بالواجب الذي عليه وأداء الأمانة التي أؤتمن عليها وليتخلق بالأخلاق الإسلامية والأداب الشرعية حتى يكون المنصب نعمة في حقه لا نقمة ونعيماً لا عذاباً.

فمن تلك الآداب:

أولاً: أن يستشعر أنه مسؤول أمام الله عن عمله وعمن تحت يده ومن ولاه الله أمرهم من موظفين ومراجعين كما قال تعالى (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) وقال صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) متفق عليه من حديث ابن عمر. فإنه إذا استشعر هذه المسؤولية واستحضرها وتذكرها كانت عونا له بإذن الله على أداء الأمانة والقيام بما يجب عليه.

ثانياً: التزام العدل بين موظفيه فلا يظلم من يكره ولا يحابي من يحب فالعادل يوم القيامة في ظل العرش والعادل يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن سبحانه فعن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إنَّ المُقْسِطِينَ عند الله على مَنَابِرَ من نُورٍ عن يَمينِ الرَّحْمنِ – وكلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ – الَّذينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهمْ وَمَا وَلُوا» رواه مسلم.

والظلم من أسوء الخصال والصفات وأشد المنهيات والمحرمات قال تعالى في الحديث القدسي (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) وقال صلى الله عليه وسلم (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) وقال صلى الله عليه وسلم (إن الله ليملي للظالم _ يعني يمهله_ فإذا أخذه لم يفلته) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب). متفق عليه.

فمن الظلم مثلاً أن يرهق بعض موظيفه بالأعمال ويريح أخرين، وأن يساوي في المكافآت والشكر بين المجتهد والمقصر، وأن يتغاضى عن تأخر موظف أو غيابه ويستقصي على آخر  الصغير والحقير بغير مسوغ شرعي أو نظامي. وأن يعطي الفرصة لموظفين للقيام بأعمال يكتسبون من ورائها منافع مالية أو معنوية ويحرم آخرين بغير وجه حق إلى غير ذلك من صور ظلم الموظفين.

ثالثاً: المحافظة على الأموال العامة والأموال التي أؤتمن عليها والحذر من استغلال منصبه للتربح والكسب. فقبول الرشوة وأكلها بأي اسم سميت به هدية أو إكرامية أو غير ذلك من أخبث المكاسب وأعظمها ضرراً على الأفراد والمجتمعات لذا كان الراشي والمرتشي والواسطة بينهما ملعونين بلعنة الله ورسوله كما ثبت في الحديث (لعن الله الراشي والمرتشي) وفي لفظ (لعن رسول الله ) ، وفي الصحيحين عن أبي حُميد الساعدي قال: «استعمل النبيُّ – صلى الله عليه وسلم- رجلاً من الأَزدِ – يقال له: ابن اللُّتْبِيَّة – على الصدقة، فلما قَدِم قال: هذا لكم، وهذا أُهدِيَ إليَّ، قال: فقام رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم-، فَحَمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعدُ، فإِني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا هدَّيةٌ أُهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه، وأُمه، حتى تأتيَه هَدِيَّتُهُ إن كان صادقاً؟ واللهِ لا يأخذ أَحدٌ منكم شيئاً بغير حَقِّه إِلا لَقيَ الله يحمله يوم القيامة، فلا أعرِفَنَّ أحداً منكم لَقيَ الله يَحْمل بعيراً له رُغَاءٌ، أَو بقرة لها خُوارٌ، أو شاة تَيْعَرُ، ثم رفع يديه حتى رُئِيَ بياضُ إِبطَيْهِ، يقول: اللهم هل بلغت؟»

وعن عدي بن عَميرة الكندي – رضي الله عنه -: قال: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: «من استعملناه منكم على عملٍ، فَكتَمَنَا مِخْيَطاً _يعني إبرة_ فما فوقه، كان غُلُولاً، يأتي به يوم القيامة. قال: فقام إليه رجلٌ أسودُ من الأنصار، كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبَل عَنِّي عملك؟ قال: ومالك؟ قال: سمعتُك تقول كذا وكذا، قال: وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل فَلْيَجىءْ بقليله وكثيره، فما أُوتيَ منه أَخذَ، وما نُهيَ عنه انتهى» رواه مسلم.

إن أخذ الرشوة هو الذي يحمل بعض المسؤلين على إجازة مشاريع لم تنفذ ومشاريع نفذت تنفيذاً رديئاً، وعلى توظيف من لا يستحق وحرمان من يستحق، وتعطيل معاملات أناس لا يرضون ببذل الرشوة وإنجاز معاملات من بذلها.

إن الرشوة من أسباب خراب الذمم وفساد ذات البين وفشو الظلم وتقطع أواصر المجتمع وضياع الأموال العامة والخاصة فلا عجب أن يكون أهلها ملعونين بلعنة الله والعياذ بالله.

رابعاً: أن يكون قدوة صالحة لموظيفه في الحفاظ على وقت الدوام من بدايته إلى نهايته و قدوة في إنجاز الأعمال وقدوة في حسن أخلاقه مع المراجعين، وقدوة في التزامه بالواجبات الشرعية ولا سيما الصلاة في وقتها مع الجماعة. فإن الموظفين إذا رأوا مديرهم قدوة صالحة اقتدوا به وتقبلوا أوامره المتعلقة بالعمل، أما إذا كان يأمر بالانضباط وهو مهمل وبالإنجاز وهو مقصر فإنه لا يمتثل أمره ويتقبل منه نصحه. وقد قال تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ  وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

ومن آداب المسؤول أيضاً: أن يحرص على استشارة أهل الخبرة والثقة والأمانة فالرسول المؤيد بالوحي يأمره الله تعالى فيقول (وشاورهم في الأمر) لأن الاستبداد بالرأي مظنة الغلط والخطأ والقصور فالإنسان مهما بلغ علماً وذكاء وتجربة إلا أنه لا غنى له عن المشورة فالمشورة تجمع بها عقولاً إلى عقلك وبصائر إلى بصيرتك وتجارب إلى تجاربك. وقد قيل ما خاب من استشار ولا ندم من استخار.

سادساً: التحلي بمحاسن الأخلاق ومكارمها مع جميع من يتعامل معه في إدارته ومحل مسؤوليته من موظفين ومراجعين ومن أهم تلك الأخلاق التواضع ولين الجانب والبشاشة والبشر عند استقبالهم فمن الناس من يغره اسم منصبه _وهو منصب زائل_ أو سعة مكتبه أو رقم مرتبته فيتعامل مع الناس بالكبر والتعالي وما يزداد بذلك من الله إلا بعداً ولا عند الناس إلا نقصاً وكرها هو في نفسه كبير وعند الله وعند الناس حقير صغير.

إن المسؤول إذا تواضع للناس أحبوه وألفوه وسهل عليهم طرح مشاكلهم وقضاياهم وحاجتهم فيكون ذلك من أسباب قضائها.

 وبعضهم يبلغ به الكبر والتعالي أن يغلق بابه لا يخرج للمراجعين ولا ينيب من يخرج إليهم وفي الحديث الصحيح «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ من أمْر أُمَّتي شَيْئاً، فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، ومَنْ وَلِيَ منْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِم، فَارفُق بهِ» أخرجه مسلم عن عائشة.

وعن عمرو بن مرة الجهني أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول «مَا مِنْ إمَامٍ يُغْلقُ بَابَهُ دُونَ ذَوي الحَاجَةِ والخَلَّة والمَسْكَنَةِ، إِلا أَغْلَقَ الله أبْوَابَ السَّماءِ دُونَ خَلَّتِهِ وحَاجَتِهِ، ومَسْكَنَتِهِ» رواه الترمذي.

سابعاً: أن يتقي الله تعالى في أوامره وقرارته وأنظمته التي يسنها فلا يكون فيها ما يخالف شرع الله تعالى فكل الأنظمة والقرارات الصغيرة والكبيرة يجب أن تكون موافقة لشرع الله فالحكم لله وحده كما قال تعالى (إن الحكم إلا لله) فبعض المدراء قد يمنع الموظفين من الصلاة في وقتها ومنهم من يمنع الموظفين من إعفاء اللحى ومنهم من يمنعهم من الصيام حتى لا يقل الانتاج ، ومنهم من يشترط على المرأة العاملة عنده _أو يسمح_ أن تتبرج وأن يكون عملها مع الرجال ليكسب المزيد من العملاء والأرباح مع ما في هذه القرارات من تضييع الدين وإفساد الأخلاق وجرّ المجتمع إلى ما لا تحمد عقباه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أداء الأمانة والقيام بحقوق المسؤولية في أسرنا وأعمالنا وما وُلّينا من عمل كبير أو صغير، وأن يتجاوز عن نقصنا وتقصيرنا.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *