العنوان : مكانة الأمراء والعلماء والنهي عن الوقيعة فيهم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه لا صلاح لأمر العامة والخاصة إلا بأمرائهم وعلمائهم فأمراؤهم يسوسونهم بما يتهيأ لهم به الأمن والطمأنينة، والاستقرار والاجتماع. والتفرغ تحت ظلال عدلهم لمصالحهم الدينية والدنيوية. وفي ذلك يقول تعالى {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} قال ابن جرير في معنى الدفع في الآية “وَمِنْهُ كَفُّهُ بِبَعْضِهِمُ التَّظَالُمَ، كَالسُّلْطَانِ الَّذِي كَفَّ بِهِ رَعِيَّتَهُ عَنِ التَّظَالُمِ بَيْنَهُمْ” اهـ
وعلماؤهم يدلونهم ويرشدونهم إلى المعاني الصحيحة للكتاب والسنة بعيداً عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وتفريط المتلاعبين. وفي عظم المنة بوجود العلماء يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» متفق عليه.
فوجود العلماء من أساب الهدى والرشاد وفقد العلماء من أسباب الزيغ والفساد. ومتى تهيأ للمجتمع هذا الصنفان عاش المجتمع عيشة رغيدة سعيدة آمنة مطمئنة.
وما مجتمعنا بحمد الله إلا مثال ونموذج لذلك المجتمع المنشود تحت ظلال ولاة أمره وكبار علمائه.
عباد الله:
إنه حتى تتم الفائدة من ولاة الأمر وأهل العلم لا بد للمجتمع من أن يؤدي الحق الذي لهم عليه ومن تلك الحقوق:
أولاً: احترامهم وتوقيرهم وتقديرهم فإجلالهم من إجلال الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم “إن من إجلالِ الله إكرامَ ذي الشيبَةِ المسلمِ، وحاملِ القُرآنِ غيرِ الغالي فيه والجافي عنه، وإكرَامَ ذي السُّلطَانِ المُقْسِطِ” رواه أبو داود.
وقال الإمام ابن أبي عاصم: باب في ذكر فضل تعزير الأَمِيرِ وَتَوْقِيرِهِ: ثم أخرج عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “خَمْسٌ مَنْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ _يعني الجنة_ مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ أَوْ خَرَجَ غَازِيًا أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامِهِ يُرِيدُ تعزيره وَتَوْقِيرَهُ أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ وَسَلِمَ مِنَ الناس”. وأخرج عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الأَرْضِ فَمَنْ أَكْرَمَهُ أَكْرَمَ اللَّهَ وَمَنْ أَهَانَهُ أَهَانَهُ الله”.
فعلى الرعية أن توقر أمراءها وتجلهم وتعرف لهم حقهم وفضلهم وعلى أفراد المجتمع أن يوقروا علماءهم ومرجعهم في الفتوى والعلم امتثالاً لمقتضى الشرع الصحيح والعقل السليم لما لهم من الحق والفضل على الناس.
ثانياً: إحسان الظن بولاة الأمر أنهم إنما يسوسون الرعية بما فيه تحقيق المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها. وإذا كان في سياستهم ما يحتمل الحق والباطل والخير والشر فليحملوه على أحسن المحامل من باب إحسان الظن بهم فإن ولي الأمر يرى ما لا يراه غيره من أفراد الرعية من العواقب والمآلات. وما كان منهم من منكر لا غبار عليه فيناصحون فيه سراً لا علنا كما جاءت به السنة.
وكذلك على المسلم أن يحسن ظنه بأهل العلم الراسخين في الكتاب والسنة الذين هم مرجع الناس في الفتوى وأن يظن بهم الخير لا سيما في فتاويهم أنهم يتحرون فيها الحق والصواب واتباع السنة والكتاب وأنهم أبعد الناس عن اتباع الأهواء.
حتى وإن تغيرت فتوى العالم فلا عجب في ذلك فللتغير أسبابه المشروعة منها أن تكون الفتوى الأولى مبنية على مفسدة ثم زالت تلك المفسدة أو كانت مبنية على عادة ثم تغيرت تلك العادة أو كانت مبنية على دليل ثم ظهر له ضعف الدليل. فما دام أنه من زمرة العلماء المعظمين للدليل الشرعي وتغير فتواه لها المسوغ الشرعي وليس هو من المعروفين باتباع الهوى وتتبع الرخص وتتبع زلات العلماء فلا يجوز بحال أن يكون محط السخرية والتنقص والغيبة. وكيف يذم أو يعاب من يدور حاله بين أجر وأجرين إن كان مصيباً فله أجران وإن كان مخطئاً فله أجر واحد كما قال صلى الله عليه وسلم «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر» متفق عليه.
عباد الله:
إنه إذا كان المسلم منهياً عن سوء الظن بأخيه المسلم عموماً فكيف بإساءة الظن بمن جعلهم الله منارات الهدى ومصابيح الدجى. قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم).
عباد الله:
إن من الناس من يتحاشى اغتياب أخيه أو جاره أو زميله ويرى ذلك من أعظم المنكر وهو كذلك ولكنه يستطيب لحوم الأمراء متى لم تعجبه سياستهم ويستطيب لحوم العلماء متى لم توافق هواه فتاواهم فتراه يكيل لولاة أمره صفات الفسق والفجور ومحاربة الدين والأخلاق بلا عد ولا حساب.
ويكيل للعلماء صفات النفاق والمداهنة والتلاعب بالدين بغير عدٍّ كذلك ولا حساب.
ولا شك أن الغيبة بالباطل كلها حرام ولكنها إذا كانت في حق الأمراء والعلماء كانت أشد لأن خطرها وضررها عند ذلك أعظم وأشد.
نعوذ بالله من آفات اللسان وأمراض القلوب وسوء المقاصد وفساد الظواهر والبواطن. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان وسلم تسليما
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واحذروا من سبل أهل الفتن والشرور. الذين يستغلون الحوادث والوقائع لتحقيق مآربهم في الطعن في ولاة الأمور وتحقير العلماء وإثارة الرعية على حكامها وعلمائها متسترين بالستارة التي فصّلها لهم عبدالله بن سبأ رأس الفتنة في العصر الأول الذي قال لجنوده من شياطين الإنس “ابدءوا بالطعن عَلَى أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، تستميلوا الناس”.
إن أهل الفتن لا يهمهم إنكار منكر ولا أمر بمعروف لأنهم يرون بأعينهم ويسمعون بآذانهم الموبقات العظيمة والمنكرات الشنيعة ممن ينتمي لأحزابهم من القادة والتابعين فلا يحرك فيهم شعرة بل يدافعون عن تلك المنكرات حتى ربما جعلوها من الدين لئلا يسقط الحزب ولا يدان المنتمي إليه ببدعة أو انحراف.
فاحذروا من مشاركتهم في تحقيق مآربهم بالطعن في الأمراء أو العلماء أو بتناقل تغريداتهم أو صوتياتهم أو رسائلهم. بل الزموا الجماعة والزموا غرز كبار أهل العلم فذلك خير لكم في الحال والمآل. وذلك هو مقتضى الكتاب والسنة قال تعالى{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا بلادنا وأمننا واجتماع كلمتنا إنه سميع مجيب. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. وانصر عبادك الموحدين. اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
انشروها بارك الله فيكم فكم هي ماسة حاجة الناس لها وأمثالها لتعلم الحاهل وتذكر الغافل
بارك الله فيك شيخنا الجليل الغالي وبارك في علمك ونفع بك الإسلام والمسلمين مناسبه جدا في هذا الوقت
حياكم الله شيخنا الكريم