العنوان : مشكلات اجتماعية أيام الاختبارات
( الخطبـــة الأولـــى )
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا)
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا)
أما بعد:
فإن مواسم الاختبارات التعليمية _ ونحن على أبوابها _ مواسمُ بالغةُ الأهمية ليس لما فيها من الاختبار ثم ما يتبعه من النجاح والرسوب فقط ولكن لأنها مواسم يستغلها أصحاب المقاصد الخبيثة إذ يجدون فيها فرصتهم التي ينفثون فيها سموهم ويتهيأ لهم فيها ما لا يتهيأ لهم مثله في غيرها بالمستوى نفسه.
وأول أصحاب المقاصد السيئة وأكثرهم غنيمة في هذا الموسم هم مروجوا المخدرات _نسأل الله أن يستأصل شأفتهم وأن يطهر البلاد من شرهم ونتنهم_ فإنهم ينتشرون في أيام الاختبارات لتصيد الطلاب والطالبات من أجل إغرائهم بتناول الحبوب المنشطة بدعوى أنها تقوي الذاكرة وتفتح الذهن وتضاعف النشاط وتساعد على المذاكرة _ وقد ثبت طبياً أن نتائجها وآثارها على العكس من ذلك تماماً والواقع يصدق هذا ويؤكده_ ، ثم إن هذا المروج أو سمساره قد يكون صديقاً للطالب من حيث لا يدري إذ لا يكشف له عن حقيقته. هو على نياته الطيبة البريئة في مصاحبته وذاك يضمر له الخبث ويتحين الفرصة للانقضاض عليه.
وقد تكون الحبة الأولى والثانية وعلى صورة هدية مغلفة بنصح المشفق حتى إذا سقطت في شباكه أخذ يستنزف مالك وربما ساومك على عرضك والعياذ بالله. فإن أسير المخدرات لديه الاستعداد على أن يبذل كل شيء في سبيل الحصول عليها. والقصص والأخبار كثيرة لا تكاد تخفى عليكم.
أيها الإخوة في الله:
إن المخدرات بأنواعها سواء كانت حشيشاً أو حبوباً أو غيرها هي من أعظم الآفات التي تهدد الأفراد والمجتمعات لأنها تذهب العقل وتدمر أجهزة الجسد وتضعف النفس والعزيمة وتذهب الرجولة والعفة وتجرئ على الإجرام كالقتل والسطو والسرقة والاغتصاب وتسبب الدياثة والرضا بالفاحشة على النفس والأهل وتجعل من المدمن عبئاً ثقيلاً على أسرته ومجتمعه.
وكان أول من جلب الحشيش إلى بلاد المسلمين هم التتر المغول الذين اكتسحوا المشرق الإسلامي حتى دمروا عاصمة الخلافة العباسية بغداد دار السلام وذلك في وسط المائة السابعة من الهجرة ثم أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن درس حالها بتحريمها وبين أنها أخطر من الخمر المحرمة بنص الكتاب والسنة والإجماع وأنها شر منها من أكثر من مائة وجه. ولا يختلف العلماء اليوم على تحريم المخدرات بل إن الدول والمنظمات والهيئات المعنية كلَّها متفقة على خطرها وتجريم تعاطيها وترويجها.
أيها الإخوة :
إنه ليس بسر إذا قلنا إن بلادنا خاصة مستهدفة في شبابها استهدافاً كبيراً من قبل تجار المخدرات ومن قبل أعداء عقيدتنا وحسادنا على نعمتنا ولذا ترسل كل يوم كميات كبيرة عبر الحدود منها ما يكشف ومنها مالا يكشف فيكون مصيره إلى أيدي شبابنا وبناتنا فإذا وقعوا فريستها ذهبت بدنياهم وأخراهم.
ليس الهدف من وراء تجارة المخدرات الأرباح المادية فقط ولكن من أهدافها قتل الشباب خاصة ليس بسفك دمائهم ولكن بسفك عقولهم ودينهم وأخلاقهم وإنسانيتهم لأن الشباب هم الأمل المرتقب لنهضة البلاد ورفعة شأنها وحمايتها من كل متربص بها. فإذا سقط فيها المسؤول ضاعت الأمانة واضطربت أجهزة الدولة، وإذا سقط الطالب في أوحالها انقطع عن التحصيل وصار عرضة لكل بلاء، وإذا سقط فيها المعلم أضاع مئات الطلاب بسيرته السيئة، وتلاعبه برسالته، وإخلاله بعمله ، وإذا سقط فيها الجندي أضاع أمانته فلم يحفظ الذمار ولم يحم الديار وذهبت هيبة الدولة أمام عدوها القريب والبعيد، وإذا سقط فيها الطبيب هلك المرضى، وإذا سقط فيها أحد الأبوين ذهبت الأسرة وتحطمت وصارت قصة من قصص المآسي والأحزان.
أيها الآباء يا أولياء الأمور:
تتحملون مسؤولية كبيرة في مسألة انتشار المخدرات بين الأبناء وذلك حين تغفلون عن أبنائكم غفلة شبه تامة ولا سيما في مدخلهم ومخرجهم وأصحابهم وأخدانهم لا يهتم الأب إلا بصحة ولده إن اهتم وبتغذيته وأكله وشربه.
إن شعور الولد بعدم الرقابة عليه وعدمِ الإحساس به والاهتمامِ بمشاكله يجعله ضحية سهلة لمروجي المخدرات وبائعيها فسرعان ما يرمي بنفسه بين أحضانهم _ اغتراراً بمعسول الكلام _ ليكون أحد زبائنهم يمتصون منه كل ما قدروا عليه من مال وعرض .
قد يكون ابنك أحدَ مجرمي الترويج وهو يسكن معك في البيت وأنت شريكه في الإثم والجريمة والخبث وإن كنت لا تدري عنه لكن سكوتك عنه وعدم بحثك عن حقيقة الحال تعتبر إعانة منك له. سبحان الله!! إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة ولا ريالات فمن أين لولدك العاطل هذه الأموال التي تلاحظها معه ؟ ما سر الزيارات القصيرة عند بيتك لثوان أو دقائق. سيارة تذهب وسيارة تجيء أهو يقرأ عليهم وينفث ويذهبون لا إن في الأمر ما فيه فتحرّ واسأل وفتش وستجد الجواب.
وإذا عرفت حقيقة الحال عن ولدك أو قريبك أو جارك أو حتى أعز الناس عندك أنه من هذه الفئة الخبيثة فناصحه وناقشه وخوفه بالله واليوم الآخر وادعه إلى التوبة والإقلاع وأن يبلغ عمن يموّنه حتى تبرأ ذمته فإن أبى وأصرّ على المضي في طريق البغي والعدوان على أبناء المسلمين فواجب عليك أن ترفع أمره إلى الجهات المسؤولة نصحاً لله ولعباده.
أيها الإخوة إن الأحياء النائية والأحياء التي يغلب على أهلها ضعف التعليم أو قلة ذات اليد أو يغلب على أهلها إهمال الأبناء تكون في الغالب مرتعاً خصباً لمروجي هذه البضاعة الخبيثة فاتقوا الله في أنفسكم وأهليكم وإخوانكم. لا تتساهلوا في التبليغ عمن عرفتموه يتاجر فيها ويسعى في نشرها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
( الخطبـــة الثانـــية )
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ومن المشاكل أيام الاختبارات والتي لا تقل عن سابقتها مشكلة التفحيط وما يتبعه من المفاسد من إتلاف الأموال وإزهاق الأرواح وإقامة العلاقات المحرمة والشذوذ الجنسي وإثارة الفوضى والقلق وتعطيل حركة السير وغير ذلك من المفاسد.
ولا شك أن من أبرز أسباب هذه الظاهرة تجمهر الطلاب على الأرصفة وجوانب الشوارع بعد خروجهم من الاختبارات.
وإذا كانت الجهات الأمنية المسؤولة تقوم بدور بارز مشكور في منعهم إلا أن المسؤولية أيضاً على الأسرة في توجيه أبنائها وتربيتهم على سرعة العودة إلى المنزل بعد الخروج من المدرسة. ومتابعتهم ثم بمحاسبتهم عند التأخر.
إن هذا التجمع يعرض أبناءكم لتعلم التدخين والتعرض للمروجين الذين ينتشرون في هذا الوقت بالذات، والتعرض لأصحاب الشذوذ والعياذ بالله كما يعرضهم لخطر الموت دهساً تحت عجلات المفحطين.
فلا تتساهلوا أيها الآباء في الأمر فإنه جد خطير. هو وقت قصير في حساب الزمن لكنه يكفي لتغيير مسار حياة الولد تغييراً جذرياً إلى أقصى درجات السوء والانحراف والعياذ بالله.
أما المسألة الأخيرة فهي مسألة الغش في الامتحانات.
أيها المسلمون: إن ديننا دين أمانة يأمر بها وبالعدل والصدق وينهى عما ينافيها . فينهى عن الكذب والغش والخيانة والظلم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الغش : (من غش فليس مني) وفي رواية (من غشنا فليس منا) وهذا يشمل الغش في التجارة وفي الدراسة وفي كل صور الغش.
ومما يؤسف له أن الأمر لا يقف عند ممارسة الغش وإنما الأمر الأخطر من ذلك اعتباره أمراً مباحاً وحقاً مشروعا في نظر كثير من الطلاب.
ومما يؤسف له أيضاً أن يخون بعض المعلمين أماناتهم فيربون الجيل على الغش إما بإعانة الطلاب قولاًُ وعملاً وإما بغض الطرف المتعمد الذي يفهم منه الطلاب الإذن بالغش.
الغش مفسدة كبيرة يترتب عليها حصول الطالب على درجة لا يستحقها ، ثم إنه قد ينال بشهادته المبنية على باطل وظيفة لا ينالها إلا بتلك الشهادة فيكون كسبه حراماً عند جمع من أهل العلم.
ثم إنه قد يكون خلقاً له في مستقبل حياته العملية: في وظيفته وتجارته وتعاملاته لأن من شب على شيء شاب عليه ولأنه جرب أن الغش طريق سهل للوصول إلى المآرب ولكن الأمر كما قال تعالى في الإفك (وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم) وما ظنك بذنب تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله.
ومما يجدر التنبيه عليه نصيحة أصحاب مكتبات التصوير وخدمات الطالب فإن منها ما يعين الطلاب على الغش بتصغير الصفحات إعانة لهم على إدخالها لقاعات الامتحانات وهم بذلك ظلمة غششة آثمون وما يكسبونه من المال على هذا العمل كسب محرم. قال تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
نسأل الله تعالى أن يحمينا وأبناءنا وبناتنا وبلادنا وبلاد المسلمين عامة من كل سوء إنه جواد كريم.
كما نسأله سبحانه أن يكتب لأبناءنا وبناتنا النجاح والتوفيق في دراستهم وأن يمسكهم بعقيدتهم النقية وأخلاقهم الحميدة، وأن يجنبهم مناهج الردى وطرقَ الرذيلة.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم ابتاعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه..
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.