جديد الإعلانات :

العنوان : لا مظاهرات وإنما النصيحة بالتي هي أحسن

عدد الزيارات : 2538

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
من المسلّم به عند المسلمين أن دين الله كامل لا نقص فيه بوجه من الوجوه، والحمد لله، وقد صرح الله بهذا في قوله سبحانه (اليوم أكملت لكم دينكم ,وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ولم يمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى بيّن للناس كل ما يحتاجون إليه في أمور دينهم ودنياهم علمه من علمه وجهله من جهله، ومن القضايا الكبرى التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم قضية العلاقة بين الراعي والراعية، والحديث فيها ذو شعب لكن الذي يعنيني الآن في هذه المقالة الواجب على الرعية إذا رأت من ولاتها ما تكره، إما من المعاصي، وإما من الظلم، وإما من الاستئثار بالحظوظ الدنيوية، ويمكن تلخيص ما ورد في النصوص الشرعية في هذا الباب في النقاط التالية:
1- وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر في المعروف، سواء كان الولاة أبراراً أم فجاراً، سواء كانوا ولاة عدل أم كانوا ولاة جور.
2- وجوب الصبر إذا حصل من ولاة الأمر استئثار بالحظوظ الدنيوية، فالذي علم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم قد أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه ستحصل منهم أثرة، وبلغنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ثم أمرنا بالصبر فقال (إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا) ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم لنا علاجاً أنفع وأعظم بركة من الصبر لدلنا عليه، فلما أمرنا بالصبر علمنا قطعاً أنه لا ينفع شيء مثله أبداً.
3- وجوب إعطاء الولاة حقوقهم كاملة وإن منعوا الرعية حقوقهم، وأما الرعية فتسأل الله حقها، بهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن هذه الحالة أعني إذا ولي ولاة يسألوننا حقوقهم ويمنعوننا الذي لنا فقال (اعطوهم حقهم وسلوا الله الذي لكم) فلو كان شيء أنفع من هذا الحل وأعظم بركة لما كتمه عنا، ولكن الله الذي خلق عباده هو أعلم بما يصلحهم فشرع لعباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم هذا الحكم العظيم.
4- وجوب النصيحة لولاة الأمور، بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم النصيحة لأئمة المسلمين من أسس الدين وأصوله في الحديث الشهير (الدين النصيحة)، و لكن النصيحة لولاة الأمور لا بد أن تكون وفق الضوابط الشرعية ومنها أن تكون سراً بينهم وبين الناصح، لقوله صلى الله عليه وسلم (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية..) الحديث، ولقوله صلى الله عليه وسلم (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) فكلمة الحق تكون عنده، لا من وراء ظهره في المجالس، والمنابر والمنتديات!! ومنها أن تكون برفق ولين لقوله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام حين أرسلهما إلى فرعون (فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى).

هذه بعض التوجيهات النبوية المتعلقة بما يجب أن يكون عليه موقف الرعية من ولاتها إذا رأت منهم ما يكرهون. وهذا هو سبيل الإصلاح المنشود إن أريد الإصلاح بالأسلوب الشرعي حقاً وصدقاً.
ومن هنا يعلم أن ما يعرف بالمظاهرات والمسيرات والاعتصامات ليست من النصيحة الشرعية في شيء ولكنها أسلوب مبتدع في الإنكار على ولاة الأمر، ومساوئ المظاهرات كثيرة جداً ومنها:
1- المظاهرات أسلوب مبتدع في النصيحة والإصلاح ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا عمل الصحابة، ولا عمل السالف الصالح، وعمل هذه صفته لا يكون إلا ضلالاً ووبالاً على أهله.
2- إقامة المظاهرات تشبه باليهود والنصارى والمشركين فهم الذين ابتكروها، وديننا قائم على تحريم التشبه بهم، والنصوص في هذا الأصل كثيرة من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح، وانظر إن شئت كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
3- المظاهرات نضام فوضوي عبثي والإسلام دين نظام وانضباط، ولما فيها من الفوضوية كانت بيئة مناسبة للمفسدين والمغرضين لتحقيق مآربهم الإجرامية الإفسادية فما أكثر ما تفسد الأموال، وتراق الدماء، ويعتدى على الآمنين تحت ستار المظاهرات.
4- في المظاهرات ضرر عظيم ومنه تعطيل مصالح الناس، بصدهم عن مساجدهم ومدارسهم وأسواقهم ومستشفياتهم، وتعطيل الطرق، وإلحاق العنت والمشقة بالمسلمين، والدين جاء بنفي الضرر فقال صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم جعل قضاء الحاجة في طريق الناس وظلهم من أسباب اللعنة فما ظنك بالأذى الذي يسببه المتظاهرون في طرق الناس العامة، أليس فسادهم أعظم من الفساد المذكور في الحديث الشريف؟!.
المسلم الحق (من سلم المسلمون من لسانه يده) والمؤمن الحق(من أمنه الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم).
5- تقوم المظاهرات على الصياح والهتاف والصراخ وربنا أدبنا بغير ذلك فقال سبحانه (واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير). ومن صفات نبينا صلى الله عليه وسلم السكينة والوقار و(ليس بسخاب في الأسواق).
6- تقوم المظاهرات غالباً على اشتراك النساء فيها، وهذا منكر مستقل، فالمرأة مأمورة بالقرار في بيتها فلا تخرج إلا لحاجة قال تعالى (وقرن في بيوتكن) وجهاد المرأة في الحج قال صلى الله عليه وسلم (لكن جهاد لا قتال فيه. الحج) فلماذا يزج بها إلى الشوارع تصرخ وتنادي وتهتف وتهتك المستور منها وتعرض نفسها للفتنة بها ومنها.
7- في المظاهرات معصية لولي الأمر، وخروج عن طاعته وكفى بها معصية يقول النبي صلى الله عليه وسلم (ومن عصا الأمير فقد عصاني ومن عصاني فقد عصا الله)، ولو فرض أنّ النظام يأذن بها فإذنه لا يحل حراماً، ولا يجعل المنكر معروفاً.
هذه أخي القارئ بعض مفاسد المظاهرات، وقد صرح بحرمتها ثلة من كبار أهل العلم ومنهم العلماء السلفيون الشيخ عبد العبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين والشيخ صالح بن غصون تغمدهم الله برحمته ورضوانه، وفتاواهم موجودة مطبوعة منشورة والحمد لله.
ومما يثير القلق احتفاء بعض المحسوبين على الدعوة بالمظاهرات وتأييدها والثناء على أهلها رجالاً ونساء، والذم والتعريض بأهل العلم الذين لم يخرجوا بالمظاهرات والمسيرات، وأدهى من ذلك وأمرّ أن يقول بعضهم إن النصيحة والشكوى من الخيرين والخيرات لا تكفي بل لا بد من شيء آخر بعد ذلك. ثم أوضح ما يرمي إليه فقرر أن الشعوب والجماهير اليوم تستطيع أن تهز عروشاً وتسقط دولاً ؟!!
نعم هذه الكلمات وأمثالها تثير القلق لكونها تصدر ممن نصبوا أنفسهم دعاة وموجهين للأمة، وصار لهم أثر ملموس في التأثير على كثير من الناس. فما مداها في التأثير عليهم؟ أليست كافية في تهييجهم للقيام بالمظاهرات إذا سنحت الفرصة؟!.
وبعد:
تذكروا يا أهل هذا البلد أنكم في بلاد أمن وأمان، وبلاد الحكم بالسنة والقرآن، الأرزاق وافرة، والشعائر ظاهرة، والتواصل والتراحم بين الراعي والرعية في أبهى صوره وأحسنها، وإن كان من نقص فقد وجد في خير المجتمعات وأفضلها، ولكن سبل الإصلاح الشرعية واسعة، وأبوابها مفتوحة والحمد لله. فلا تغتروا ببهارج المغرضين الحاقدين، والله لو كانوا دعاة إسلام لما احتضنهم أعداء الإسلام وأهله، ولما آووهم، ونصروهم، ولما سخروا لهم الوسائل والإمكانيات التي يحاربون بها بلاد الحرمين، ويثيرون بها الفتن.
والله لو كانوا دعاة إسلام لما سكتوا عن المجتمع الذي يعيشون فيه فلا تجد في منتدياتهم وإعلامهم إنكاراً لعبادة الأوثان والصلبان، ولا دعوة إلى توحيد الله وترك الإشراك به. أفليست عبادة المسيح والصليب شركاً، فلماذا سكتوا عنه؟، أليسوا في بلاد الشرك الأكبر الصراح فلماذا لا يبذلون جهودهم في دعوة أهلها إلى الإسلام، وبيان محاسنه لهم، ودفع الشبهات عنه لو كانوا صادقين.
يا أهل هذا البلد الكريم:
أنتم محسودون على دينكم، وعلى أمنكم، وعلى رغد عيشكم، وعلى اجتماع كلمتكم، ومن حسدك فهو يسعى لإزالة نعمة الله عليك، فتفطنوا لمكايد الحاسدين، وميزوا بين الناصحين والمفسدين، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، اجتمعوا تحت راية ولاتكم، واسمعوا فتاوى كبار علمائكم، فاجتماعكم على ولاتكم هو الحصن الحصين الذي تتحطم عليه المكائد والمكر مهما بلغ قال تعالى (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً). نسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل مكروه وسائر بلاد المسلمين إنه سميع مجيب. علي بن يحيى الحدادي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *