العنوان : فضل عمارة المساجد وطباعة المصحف الشريف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾
أما بعد:
فالحمد لله الذي بلّغَنا شهرَ رمضان، شهرَ الصيامِ والقيامِ وتلاوةِ القرآن، شهرَ مضاعفةِ الحسنات، وتكفيرِ السيئات، شهرَ المبادرةِ إلى أعمالِ الخيرِ والبِّر، ومضاعفةِ الجُهد في طلبِ الأَجْر، فإنّهُ شهرٌ تفتح فيه أبوابُ الجنةـ وتُغلق فيه أبواب النار، وتُصفَّدُ فيه الشياطين.
وفيهِ من العَون من الله على الطاعات، وتَرْكِ المعاصي والمنكرات، وفَتْحِ أبواب المغفرةِ للزلات، أكثرُ مما في غيره، حتى قال النبيُّ ﷺ «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَانْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ» رواه أحمد وصححه ابن حبان، أي لسعة جود الله فيه على عباده بالمغفرة.
عباد الله:
إنَّ مِن خيرِ الأعمالِ وأَفضلِها الإسهامَ في عِمارةِ المساجدِ مَعْنَوِيّاً بعبادةِ الله فيها بما شرعَ الله ، وحِسِّياً ببنائها وصيانتِها وتطهيرِها، فإنَّ المساجدَ بيوتُ اللهِ في الأرض، وهيَ أحبُّ البلادِ إليه، لذلك أَمرَ أن تُرفعَ وتُطَهَّرَ ويُذكرَ فيها اسمُه، ويُسبَّحُ له فيها بالغُدوِّ والآصال، قال تعالى ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ﴾
ومن بنى للهِ مسجدا ًولو صغيراً، أو شارك في بنائه بنى اللهُ له بيتا ًفي الجنة قال ﷺ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلهِ تَعَالَى يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» رواه مسلم.
ومن خيرِ الأعمالِ الصالحة العنايةُ بكتابِ الله تعالى، تعلُّماً وتعليماً، وطباعةً ونشراً، قال ﷺ «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» رواه البخاري، وكتابةُ المصحفِ أو طباعتهُ ووقفُه من العمل الصالح الجاري ثوابُه ما بقيَ الانتفاعُ به، كما أنّ طباعةَ المصاحفِ ونشرَها من الإعانةِ على تلاوة ِكتابِ الله ومُدارستهِ وحفظِه، قال ﷺ «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ » رواه مسلم ، وقال ﷺ «إنَّ ممّا يلحقُ المؤمِنَ من عملِهِ وحسناتِهِ بعد موتِه علماً عَلّمه ونَشَرَه، وولداً صالحاً تركَه، أو مُصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه» رواه ابن ماجه وحسّنهُ الألباني.
وهو أيضاً من الدعوةِ إلى الله؛ فكم شرح الله صدرَ كافرٍ للإسلامِ لـمّا قرأ القرآنَ أو استمعَ إليه، ولَأنْ يهديَ اللهُ على يديكَ رجلاً واحداً خيرٌ لكَ من الدنيا وما فيها.
ومِن أعظمِ محاسن المملكة العربية السعودية ومن أَجَلِّ مُنجزاتها إنشاؤُها مُجمَّعَ الملكِ فهد لطباعةِ المصحفِ الشريف، بأعلى مواصفاتِ الجودة، وطباعةِ تفاسيره، وطباعةِ ترجماتِه بأكثرَ من سبعينَ لغة، وتوزيعِه في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، وتوفيرِها عبرَ التطبيقِ الالكتروني، فبارك اللهُ في الجهود، ونفع بها، وجعلها في ميزان ولاة الأمر، وميزانِ كلِّ مَن أسهم في هذا العملِ الجليل.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا عباد الله واعلموا أَنّ كلَّ واحدٍ منّا لديهِ اليومَ القدرةُ على الإسهامِ في بناءِ بيوتِ الله وصيانَتِها، والقدرةُ على الإسهامِ في طباعةِ كتابِ اللهِ ونشرهِ في أرجاءِ العالَمِ عبرَ مجمّعِ الملك فهد لطباعةِ المصحف بكل يُسرٍ وسُهولة، فقد وفَّرَتْ وزارةُ الشؤونِ الإسلامية وفقها الله _وهي الـمَعْـنِيّةُ بشؤونِ المساجدِ، والـمُشْرِفَةُ على المجمّع _ وفّرتْ إمكانيةَ التبرعِ لمن أراد التبرعَ في هذه المجالات العظيمة عبرَ مَنصةِ إحسان، فلنبادر إلى البذلِ ولو باليسير ما دام في العُمرِ فُسْحة، وفي اليدِ شيءٌ مِن سَعَة ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١١) ﴾
اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيماناً واحتساباً، وتقبل منا واغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا يا سميع الدعاء. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. وانصر عبادَك الموحدين. اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.