جديد الإعلانات :

العنوان : فضل الحلم خطبة مكتوبة

عدد الزيارات : 12739

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى يحب من الأخلاق مكارمها ومحاسنها ويبغض منها سفاسفها ومساوئها.

 

وإن الحلم من أجلّ محاسن الأخلاق ومكارمها، ومعنى الحلم ضبطُ النفس عند هيجان الغضب، وعدمُ المعاجلة بالمؤاخذة، وتركُ الانتقام مع القدرة عليه.

 

وقد وصف الله نفسه بالحلم وسمى نفسه بالحليم فقرن حلمه بمغفرته فقال تعالى (إن الله غفور حليم) وقرن حلمه بعلمه فقال (والله عليم حليم) وقرن حلمه بغناه عن خلقه فقال (والله غني حليم) وقرن حلمه باسمه الشكور فقال تعالى (والله شكور حليم)

 

وحلم الله تعالى حلم حقيقي يليق بجلاله جل وعلا ليس كمثل حلم المخلوق لقوله تعالى (ليس كمثله شيء) ومن آثار حلمه جلّ وعلا أن يغدق على العباد نعمه الظاهرة والباطنة وهم مقميون على معصيته ومضادة أمره، ومن حلمه جل وعلا أنه لا يعاجل العباد بالعقوبة ولو عاجلهم بمؤاخذتهم على ذنوبهم ما أبقى على ظهر الأرض من أحد فقال تعالى ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا) ومن حلمه تعالى أنه يدعو الكفرة والعصاة إلى التوبة والإنابة قبل فوات الأوان مهما بلغ كفرهم وطغيانهم وعصيانهم فقال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ } ومن حلمه تعالى أنه قد يبتلي العباد ببعض ببلاء غيرِ مستأصِل على بعض ذنوبهم ليكون لهم عظة وعبرة ليتوبوا ويرجعوا وينيبوا كما قال تعالى { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}

 

والحلم من صفات خيار عباد الله من النبيين والمرسلين فقد وصف تعالى خليله إبراهيم بالحلم فقال تعالى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} وقال تعالى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} وامتاز شعيب في قومه بالحلم حتى قالوا له {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}

 

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم غايةً في الحلم وآية، ومن مواقفه الكريمة الدالة على سعة حلمه صلى الله عليه وسلم حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض من رجل بعيراً، فجاء الرجل يتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم بعيره وأغلظ للنبي صلى الله عليه وسلم في القول فهم الصحابة بالرجل أي أن يؤدبوه على إغلاظه القول مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً ، ثم قال صلى الله عليه وسلم اعطوه مثل سنّ بعيره فقالوا يا رسول الله لم نجد إلا سناً أفضل من  سن بعيره فقال صلى الله عليه وسلم اعطوه إياه فإن خيركم أحسنكم قضاء.

 

و منها حديث أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليه بُرْدٌ نجرانيّ غليظ الحاشية فأدركه أعرابيّ فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتّى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أثّرت بها حاشية البُرْدِ من شدّة جَبْذَتِه ثمّ قال: يا محمّد مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ ضحك ثمّ أمر له بعطاء»

 

ومنها أن مَلَك الجبال سلّم على النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» فلو أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يطبق على أهل مكة جبلين عظيمين لفعل بسبب شركهم وشدة أذيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولكنه صلى الله عليه وسلم حَلُم عليهم واختار إعطاءهم المهلة لعل الله أن يخرج من ذراريهم من يعبد الله وحده ولا يشركُ به.

 

وعن عائشة أنّها قالت: استأذن رهط من اليهود على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: السّامُ عليك. يعنون بالسام الموت. فقلت: بل عليكم السّام واللّعنة، فقال: يا عائشة: «إنّ الله رفيق يحبّ الرّفق في الأمر كلّه» . قلت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: «قلت: وعليكم»

 

فهذا حلمه صلى الله عليه وسلم مع أعدائه من المشركين واليهود فكيف بحلمه مع أسلم من أمته صلوات الله وسلامه عليه؟! وما ذلك بغريب فقد أثنى الله عليه بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم).

 

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم؟

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله عباد الله وعليكم بالحلم فإنه خصلة يحبها الله تعالى، فمن كان الحلم طبيعة له وسجية فليحمد الله على ذلك، وليحافظ عليها، ومن كانت طبيعته سرعةَ الغضب وحبَّ المبادرة إلى الانتقام فليتحلم وليمرن نفسه عليه وذلك بتذكيرها بما في الحلم من الأجر والخير وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة

 

قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم «السّمتُ الحسن والتّؤَدَةُ والاقتصادُ جزء من أربعة وعشرين جزءا من النّبوّة» وقال صلّى الله عليه وسلّم: «طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته» وقال  صلّى الله عليه وسلّم: «ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب»  وقال رجل للنبي صلّى الله عليه وسلّم أوصني، قال: «لا تغضب» . فردّد مراراً قال: «لا تغضب» .

 

عباد الله ما أكثرَ الحوادث والقضايا التي انتهت بالقتل أو بالإعاقة أو بالسجن أو بقطيعة الرحم أو بانفصام عرى الصداقة والأخوة أو الجوار أو غير ذلك من العواقب الوخيمة بسبب المبادرة إلى طاعة الغضب وحب الانتقام وترك الحلم والأناة والتروي وإمساك النفس عن هواها وكم من ندم تبع ذلك ولكن في وقت لا تنفع فيه الندامة والحسرات.

 

أسأل الله أن يهديني وإياكم إلى محاسن الأخلاق ومكارمها وأن يقيني ,إياكم مساوئ الأخلاق ومنكراتها.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال بلاد المسلمين وأنزل عليها الأمن والسكينة والطمأنينة برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *