العنوان : فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما .
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى خلقنا لنعبده وحده كما قال سبحانه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أي أنه خلقهم ليفردوه بالعبادة فلا يعبدوا معه غيره.
وقال تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) وقال تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً).
وقال صلى الله عليه وسلم (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً) وبهذا يتبين أن معنى التوحيد هو إثبات الألوهية لله ونفيها عمن سواه أما من يقول لا إله إلا الله وهو مع ذلك يستغيث بغير الله عند نزول المصائب يستغيث بالأموات يستغيث بالأولياء بالقبور والأضرحة فهذا لم يحقق مقتضى لا إله إلا الله لأنه صرف العبادة لغير الله تعالى فالاستغاثة بهذا المعنى لا تكون إلا بالله قال عز وجل (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم) وما شرع الله أن يتعبد له به فلا يجوز صرفه لغيره.
ومن يقول لا إله إلا الله وهو مع ذلك يذبح للجن والشياطين أو يقرب النذور للقبور والأضرحة فهذا لم يؤمن بلا إله إلا الله لأن الذبح عبادة فكيف يذبح لغير الله والله يقول (فصل لربك وانحر) ويقول (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين).
عباد الله:
بعد أن عرفنا معنى التوحيد باختصار فإنه من المناسب أن نذكر أنفسنا بشيء من فضائل التوحيد وفوائد وثمراته حتى يكون حافزاً للنفوس ودافعاً لها أن تقبل عليه تعلماً وعملاً ودعوة.
فمن فضائل التوحيد:
أولاً: تحقيق الأمن للموحد. قال تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)
أي الذين وحدوا الله تعالى ولم يخلطوا إيمانهم بالله بشرك فهؤلاء لهم الأمن من عذاب الله تعالى وذلك أن الله عز وجل لا يخلد في النار من مات على التوحيد قال تعالى (إلا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وقال تعالى عن الموحدين (تتنزل عليهم الملائكة _ يعني عند الموت _ أن لا تخافوا لا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون).
ثم إذا كان تحقيق التوحيد تحقيقاً كاملاً لم يخالطه شيء من الشرك لا الأكبر و لا الأصغر لا القولي ولا العملي لا الظاهر ولا الباطن فهذا من أهل الأمن التام الكامل الذي ليس فيه عذاب . وإن كان التوحيد قد خالطه شيء من الشرك الأصغر أو ما ينافي كماله الواجب فهذا ينقص من أمنه بقدر ما نقص من تحقيقه وكماله.
ثانياً:
الاهتداء والسلامة من الضلال كما قال سبحانه في الآية السابقة (أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) إن المهتدي حقاً هو من عرف ربه فوحده وأخلص له الدين كما شرع الله تعالى أما من جهل التوحيد فلم يخلص لربه العبادة فهو ضال ليس بمهتدي.
لأن الهداية هي سلوك الصراط والطريق الموصل إلى رحمة الله وإلى جنته وإلى رضوانه ولا يوصل إليها إلا التوحيد فمن وحد الله فقد اهتدى ومن أشرك مع الله فقد ضل الضلال المبين.
ثالثاً:
التوحيد السبب الأعظم لدخول الجنة قال صلى الله عليه وسلم (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخل الله الجنة على ما كان من العمل) متفق عليه.
أي أن التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة والإيمان بما أمر الله أن نؤمن به موجب بإذن الله وفضله وإنعامه لصاحبه دخول الجنة على ما كان من العمل أي أن الموحد يدخل الجنة لكن تكون درجته فيها على حسب عمله فمن الناس من هو في الفردوس الأعلى ومن الناس من هو في وسط الجنة ومنهم من في ربض الجنة.
وكذلك فإن من مات على التوحيد فإنه لا بد أن يدخل الجنة وإن عمل ما عمل من الموبقات وإن عذب بالنار قبل دخول الجنة لكن آخر أمره أنه إلى الجنة بفضل الله ورحمته.
رابعاً:
تحريم الموحد على النار ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) أي من قال كلمة التوحيد مؤمناً بها عاملاً بها ظاهراً وباطناً بصدق وإخلاص وعلم فإن الله تعالى يحرمه على النار فلا تمسه ولا يدخلها إذا كان أتى بالتوحيد على كماله أو إذا تفضل الله عليه وتجاوز عنه ولو كان أتى بما يستحق به العقوبة.
وإما أن يُحرِّم عليه الدخول الأبدي في النار إذا حصل عنده من النقص ما يستحق به دخول النار فيدخل النار ويعذب فيها حتى يمحص وينقى ثم يدخل الجنة بعد ذلك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية:
أما بعد:
ومن فضائل التوحيد وهو الخامس: أن ثوابه في الميزان أثقل من السموات والأرض فقد أخرج ابن حبان والحاكم وصححه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى قال يا رب علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به (أي طلب ذكراً يختص به يكون ثوابه أعظم من ثواب الأذكار التي يشترك معرفتها الناس ) فقال يا موسى قل لا إله إلا الله (وهذا هو اللفظ المشروع في التلفظ بهذه الكلمة الشريفة لا كما يفعله الصوفية من الاكتفاء بلفظ الجلالة)
قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى! لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله.
فانظر يا عبد الله إلى عظم ثواب التوحيد حيث يبلغ إلى أن يرجح ثقله بثقل السموات ومن فيهن _ إلا الله _ وبالأرضين السبع ومن فيهن.
فأكثروا من قول لا إله إلا الله وحققوا العمل بها فهو المقصود الأعظم منها.
سادساً:
أن تحقيق التوحيد سبب تكفير الذنوب مهما بلغت أخرج الترمذي وحسنه عن أنس بن مالك أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله -تعالى-: ( يا ابن آدم لو آتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)
أي لو أن العبد الذي حقق التوحيد فلم يخلطه بشيء من الشرك لا الأكبر ولا الأصغر ومع ذلك لقي الله بذنوب تملأ الأرض أو تقارب ملأها للقيه الله بملئ الأرض أو بما يقارب ملأها مغفرة.
اللهم اجعلنا ممن يلقاك لا يشرك بك شيئاً إنك جواد كريم ثم اعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هدي محمد ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلّ بِدعة ضَلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنَّ يدَ الله عل الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمّد كما أمَرَكم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خلفائِهِ الرّاشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أرضى عنا معهم بمنك وكرمك وجودك يا رب العالمين
اللهم من أراد المسلمين بسوء فأجعل كيده في نحره وأفسد عليه أمره وشتت شمله واجعل كيده في نحره يا رب العالمين
اللهم إنا نسألك أن تصلح ولاة أمور المسلمين وتصلح بطانتهم يا رب العالمين
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
اللهم إحفظ شيخنا
جزى الله شيخنا خير الجزاء ونفع به الاسلام والمسلمين
فضيلة الشيخ أفدتنا و أفدت الأمة الأسلامية فجزاك الله خير الجزاء في الدنيا و الأخرة