جديد الإعلانات :

العنوان : عظات وعبر في سيرة إبراهيم عليه السلام

عدد الزيارات : 6832

بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد :-
فإن في تدارس سير الصالحين منافع جمة . ومنها زيادة محبتهم في الله عز وجل والتأسي بهم وبعث الهمة على الإقتداء بهم وإبراهيم عليه السلام اتخذه الله خليلاً وجعله إماماً للناس وقدوة وفي مسيرة حياته الحافلة بالأحداث العظام والابتلاءات الجسام عبر وأي عبر…
منها :-
أن الله عز وجل بعثه والكفر قد أطبق على أهل الأرض فمنهم من يعبد الكواكب . ومنهم من يعبد بعض الطواغيت التي ادعت الربوبيه فدعا إلى عبادة الله وحده والكفر بما سواه من المعبودات وأول من واجهه بدعوته أبوه آزر . لأنه أحق الناس ببره ونصحه فقال له :” يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولايغني عنك شيئاً * يا أبت إني قد جاءني من العلم مالم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً * يا أبت لاتعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً ” فدعا أباه إلى الحق بألطف عبارة وأحسن إشارة وبين له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ولاتبصر مكانه فكيف يرجى منها أن تنفع بجلب خير أو رزق أو نصر أودفع ضرر. ثم نبهه إلى إن الله أعطاه من الهدى والعلم وإن كان أصغر سناً من أبيه ما ليس عنده وأنه إنما يدعوه إلى طريق واضح سهل مستقيم يوصل من سلكه إلى خير الدنيا ولآخره . فما كان من أبيه إلا إن قال ” أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ” وهكذا يفعل الشرك والإلحاد بأهله حيث يغلق عقولهم ويحجب عنها النور ويحبسها في قيود التخلف والتقليد ثم قابل الإحسان بلإساءة فقال ” لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً ” فرد عليه إبراهيم بأحسن رد فقال ” سلام عليك ” أي لايصلك مني مكروه ولاينالك مني أذى ثم زاده فقال ” سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً ” أي لطيفا بي حيث هداني لعبادته وحده . وقد وفى إبراهيم لأبيه ما وعده فاستغفر له ولما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة. فيقول له إبراهيم الم أقل لك لا تعصني ؟ فيقول فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم : يارب إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي الأبعد : فيقول الله إني حرمت الجنة على الكافرين . ثم يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك ؟ فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ . فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار . أي أن الله يمسخ أبا إبراهيم على صورة ضبُع ذكر متلطخ بعذرته أو بالطين والعياذ بالله ثم يُلقى في جهنم ”
وفي هذا الموقف من حياة إبراهيم فوائد جليلة ومنها أن الداعي إلى الله ينبغي أن يبدأ أولاً ببيته وأهله فإنهم أولى الناس بخيره وبره ونصحه . ومنها أن الداعي ينبغي أن يتلطف في العبارة ولاسيما إذا كان المدعو اكبر منه سناً أو رتبة حتى تكون دعوته حريةً بالقبول ومنها إن إبراهيم وهو خليل الرحمن لا يملك لنفسه ولا لوالديه ضراً ولا نفعاً ولو كان يملك شيئاً من ذلك لنفع أباه وإذا كان هذا حال إبراهيم الخليل فما الظن بغيره فالواجب أن تتعلق القلوب ببارئها وخالقها ومدبرها ولا تتعلق بالأنبياء ولا الأولياء ولا الصالحين فضلاً عن الجمادات والأشجار والأحجار.
ثم إن إبراهيم دعا أهل بلده إلى نبذ الأصنام وإفراد الله بالعبادة وسلك معهم كل طريق ممكنة ولكن التعصب للآباء والأسلاف أعمى بصائرهم فاستغل إبراهيم خروج أهل البلد في يوم عيدهم فذهب مسرعاً إلى بيت الآلهة وهو بيت عظيم فخم ووجد آلهتهم قائمة وقد وضعوا أمامها الموائد لسفاهة عقولهم . فقال لها إبراهيم متهكماً ” ألا تأكلون* مالكم لا تنطقون* فراغ عليهم ضرباً باليمين “فكسرها كلها إلاصنماً كبيراً لهم تركه لحكمةٍ بالغة. فلما رجع القوم من عيدهم هالهم أن رأوا أصنامهم مكسرةً محطمةً ” وتساءلوا بينهم من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين ” ولو كانوا عقلاء لقالوا( إن آلهةً لاتمنع عن نفسها ضراً لا تصلح لعبادة ) ثم وجهوا التهمة لإبراهيم لأنه هو الذي كان يعيب هذاه الأصنام وينهى عن عبادتها فجمعوا الناس وحققوا مع إبراهيم أمامهم : فقالوا : أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم. قال بل فعله كبيرهم هذا . فاسألوهم إن كانوا ينطقون . وقد أراد بهذا العمل إن يبادروا بالقول أنها لا تنطق ولا تتحرك من نفسها وأنها كسائر الجمادات وعندها تجلت لهم الحقيقة “فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ” ولكن سرعان ما استجابوا لداعي الشيطان ورجعوا إلى غيهم وضلالهم كما قال تعالى “ثم نكسوا على رؤوسهم” وقالوا لإبراهيم : لقد علمت ما هؤلاء ينطقون اي فكيف نسألها ؟
فقال لهم : “أفتعبدون من دون الله مالا ينفعكم شيئاً ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله” وحين انقطعت حجتهم لجؤوا إلى منطق القوة والسلطان وهي حيلة العاجز و هكذا هم أهل الباطل دائماً إذا انقطعوا عن الحجة لجؤوا إلى الأساليب الملتوية إن كانوا أهل سلطة قتلوا أهل الحق وعذبوهم وآذوهم . وإن لم يكن لهم سلطة لجؤوا إلى التهويش والافتراءات والأكاذيب والأباطيل يرمون بها أهل الحق فقال أهل السلطان من قوم إبراهيم “حرقوه وأنصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين” فجمعوا حطباً عظيماً وألقوه في غور من الأرض ثم أجّجوا ناراً عضيمةً ووضعوا إبراهيم في المنجنيق ليلقيه في النار عن بعد . وحين ألقوه قال : حسبنا الله ونعم الوكيل . فكفاه الله عز وجل حيث قال للنار “يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم”
وصار الناس ينظرون إلى إبراهيم والنار محيطة به من كل مكان وهـو منها في روضة خضراء قال أبو هريرة “احسن كلمة قالها أبو إبراهيم إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال نعم الرب رب إبراهيم. فرد الله كيد القوم الكافرين أرادوا أن ينتصروا فخذلوا . وأرادوا أن يرتفعوا فاتّضعوا وأرادوا أن يَغلبوا فغُلِبوا . قال تعالى “وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين”.
وفي الصحيح من حديث أم شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الو زغ وقال : “كان ينفخ على إبراهيم” أي يريد أن يزيد النار إشتعالاً . وفي مسند أحمد أن الدواب كلها جعلت تطفئ عنه إلا الو زغ . وفي قتلها أجر .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…

الخطبة الثانية
أما بعد :-
ومن مقامات إبراهيم في سبيل ربه محاجته للملك الذي ادعى الربوبيه فلم تمنع هيبةُ الملكِ إبراهيمَ أن يجادله ويحاجه بالحق .فقال له إبراهيم , ربي الذي يحيي ويميت قال: أنا احيي وأميت . فخشي إبراهيم إن تنطلي هذه السفاهة على بعض من حضر فجاءه بحجة واضحة لاتخفى على أحد فقال له ” إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ” أي إن كنت تحيي وتميت فأنت الذي تفعل ما تشاء قد قهرت كل شيء فهذه الشمس تطلع كل يوم من المشرق فإن كنت كما تزعم فأت بها من المغرب فبهت وتحجر وانقطع وانعقد لسانه وتبين لكل أحد كذبه قال تعالى ” فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ” .
ومن مقامات إبراهيم الباهرة الدالة على كمال قيامه بعبودية ربه أن الله أخر عنه الولد حتى تقدم عمره , فدعا الله أن يرزقه ذرية صالحه فبشره الله بإسماعيل فكان بكره عليه السلام . فلما شب إسماعيل وصار يسعى في مصالح أبيه رأى إبراهيم في المنام انه يذبحه ورؤيا النبيين وحي وهذا اختبار عظيم من الله عز وجل لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر قد طعن في السن بعدما أمره بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولازرع ولاضرع فامتثل أمر الله في ذلك وتركهما هناك ثقةً بالله وتوكلاََ عليه فجعل الله لهما فرجا ومخرجا ورزقهما من حيث لا يحتسبان فأمره بذبحه وهو بكره ووحيده ليس له ولد غيره . فأجاب ربه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته ولكن قبل التنفيذ عرض الأمر على ولده ليس من أجل أن يتوقف تنفيذه القتل على إذن الولد لا ولكن ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرا ويذبحه قهرا . “قال يابني إني أرى في المنام اني أذبحك فانظر ماذا ترى ” فبادر الغلام الحليم دون تردد وإسماعيل من إبراهيم ذرية طيبه بعضها من بعض فقال ” يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ” فما أحسنه من جواب حيث اشتمل على بر الأب وعلى طاعة الرب فلما اسلما وتله للجبين ” أي لما أضجعه على جنبه أو على وجهه واستسلما لله فسمى إبراهيم وكبر وتشهد إسماعيل قبيل لقاء ربه جاء الفرج حيث ناداه الله ” أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ” أي حصل المقصود من اختبارك وظهرت طاعتك ومبادرتك إلى امتثال ما يأمرك به مولاك وخالقك وبذلت ولدك للقربان كما سمحت ببدنك للنيران وكما بذلت مالك للضيفان وقد نوه الله بهذه الحادثة فقال ” ان هذا لهو البلاء المبين ” أي الاختبار الظاهر البين ” وفديناه بذبح عظيم ” أي كبش . قال سفيان : لم يزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا . وعن ابن عباس : ان رأس الكبش لم يزل معلقا عند ميزاب الكعبة قد يبس .
ومن كمال إبراهيم عليه السلام انه مع انشغاله بلأمور العظام والأحداث الجسام فإنه لم ينشغل بأعلى شعب الإيمان عن أدناها فابتلاه الله أي أمره بقص الشارب والمضمضة والسواك والاستنشاق وفرق الرأس وتقليم الأظافر وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل اثر الغائط والبول بالماء فوفى بذلك كله وكان مما مدحه الله به فكان لا يشغله القيام بالإخلاص لله والدعوة إليه مراعاة مصلحة بدنه وإعطاء كل عضو ما يستحقه من الإصلاح والتحسين وإزالة ما يشين من زيادة شعر أو ظفر أو وسخ أو صفرة في الأسنان . ولما أتم إبراهيم ما ابتلي به . ووفى بكل ما عهد إليه جعله الله إماما للناس قال تعالى ” وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس إماما ”
واتخذه الله خليلا وهي رتبة لم ينلها أحد من الخلق إلا إبراهيم كما ثبتت بنص القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم كما ثبتت بذلك السنة قال صلى الله عليه وسلم ” ولكن صاحبكم خليل الرحمن ”
وجعل الله الأنبياء من بعده كلهم من ذريته.. ولم ينزل من بعده كتابا إلا على واحد من ذريته .. ونشر ذريته في الأرض فالعرب من ولد إسماعيل وبنو إسرائيل من ذريته ولد يعقوب من إسحاق بن إبراهيم .
أثابه الله عز وجل بأن شرفه ببناء بيته العتيق وجعل من مقامه مصلى وجعل محمداً صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم من ذريته وشرع للمصلين أن يصلوا عليه في التشهد في كل صلاه . ويثيبه في الآخرة بان يجعله أول من يكسى يوم يخرج الناس عراة من قبورهم .
وأمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم والناس بأن يتبعوا ملة إبراهيم وسفه كل من رغب عنها , وملته هي التوحيد الخالص بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به قال تعالى ” إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين* شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم* وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة من الصالحين* ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ”
وقال تعالى ” قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين*قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين*لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ”
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد…
اللهم إنا نسألك أن تهدينا صراطك المستقيم وأن تثبتنا عليه إلى يوم نلقاك إنك سميع الدعاء..
اللهم اعز الإسلام والمسلين …

One comment

  1. أبو عائشة البياتي

    أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يحفظك وأن يبارك لك في علمك وفي أهلك ومالك وأن يوفقك لما يحب ويرضى

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *