العنوان : خطبة عيد الفطر 1437 هـ
أما بعد:
فإن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى. وإن أعظم نعمه علينا أن هدانا للإسلام. أنْ هدانا للدين الذي أكمله من كل وجه فليس فيه نقصان. وأتم به النعمة علينا وارتضاه لنا فلا يَقبل من أحد ديناً سواه كما قال تعالى ممتنا على عباده (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وقال تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال تعالى (ولا يرضى لعباده الكفر).
عباد الله:
إن هذا الدين الإسلامي العظيم يقوم على مصدرين عظيمين أولهما كتاب الله تعالى الذي قال فيه جل وعلا (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) الكتاب الذي نسخ الله به الكتب السابقة كما قال تعالى (وأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)
إنه كتاب عظيم مبارك. يهدي ويرشد لكل خير. وينهى ويحذر من كل شر كما قال تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم).
والمصدر الثاني سنة محمد صلى الله عليه وسلم فإن السنة وحي كالقرآن قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وقال سبحانه (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره _ يعني أمر النبي صلى الله عليه وسلم_ أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو وأشار إلى فمه صلى الله عليه وسلم (اكتب _ أي ما تسمعه مني_ اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق) وصرح النبي صلى الله عليه وسلم أن سنته وحي كالقرآن وحذر من ناس يأتون من بعده يقولون لا حرام إلا ما في القرآن ولا حلال إلا ما في القرآن فقال صلى الله عليه وسلم (ألا إني أوتيت الكتاب، ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه) الحديث رواه أبو داود عن المقدام بن مَعْدِيْ كَرِب رضي الله عنه، ورواه أحمد بلفظ : “حرّم رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم خيبر أشياء ثم قال: “يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أَريكته يُحَدَّث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرّم رسول الله صلى الله عليه و سلم مثلَ ما حرّم الله”. فلا يحل لأحد أن يقول لشيء ثبت حكمه في السنة النبوية لو كان حلالاً لأحله الله في القرآن أو لو كان حراماً لحرمه الله في القرآن فإن ذلك يعني أنه يرد سنة محمد صلى الله عليه وسلم ومن ردها فقد ضل في الدنيا وخسر في الآخرة قال تعالى (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً) وقال صلى الله عليه وسلم (من رغب عن سنتي فليس مني) وقال صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).
فمن تمسك بالكتاب والسنة فقد اهتدى ومن لم يتمسك بهما فقد هلك قال صلى الله عليه وسلم (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم) رواه مالك في الموطأ بلاغاً.
عباد الله :
إن التمسك بالكتاب والسنة هو سبيل الأمن والأمان وسبيل الوحدة والاجتماع وسبيل التمكين وكبتِ الأعداء وسبيل رغد العيش والرخاء كما وعد الله عباده بذلك في كتابه الكريم فقال سبحانه (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) وقال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) وقال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) وقال تعالى (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة).
أيها الناس: إن النعم التي نتقلب فيها في بلادنا المباركة من الأمن والأمان والطمأنينة والرخاء هو ثمرة من ثمرات التمسك بالكتاب والسنة والتزام عقيدة السلف الصالح ونبذ الشركيات والبدع والخرافات فاعرفوا قدر هذه النعمة ولا تتسببوا في زوالها ومحقها بترك أسبابها وفعل ما يخالفها. اللهم إنا نسألك الثبات على الكتاب والسنة والتوحيد ونسألك المزيد من فضلك إنك سميع الدعاء.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فإن دين الإسلام دين كامل جاء بما يصلح الناس في عقيدتهم وعباداتهم. وأخلاقهم وسياستهم. وسلمهم وحربهم. وكل ما يحتاجون إليه. فجاء بالأمرِ بإفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه كما قال تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) ومعنى ذلك أنه لا يحل صرف شي من العبادات ومنها الدعاء والاستغاثة والذبح والنذر لغير الله تعالى لا للانبياء ولا للأولياء ولا لآل البيت ولا لمشايخ الطرق الصوفية ولا لغيرهم. لأن ذلك من الشرك الأكبر والعياذ بالله.
ودين الإسلام دين اتباع لا ابتداع كما قال تعالى (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) وقال ابن مسعود رضي الله عنه (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم) فكل البدع الدينية ضلالة وانحراف عن الصراط المستقيم ومآلها إلى النار كما قال صلى الله عليه وسلم (شَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ) رواه النسائي.
ودين الإسلام دين اجتماع لا افتراق ودين ائتلاف لا اختلاف فقد أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالاجتماع على الحق ومنه الاجتماع على ولاة الأمور بالسمع والطاعة ونهينا عن الخروج عليهم وشق عصاهم ولو حصل منهم جور أو ظلم قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقال صلى الله عليه وسلم «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس»، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله، إن أدركت ذلك؟ قال: «تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع» رواه مسلم.
فاحذروا دعاة الفتن والثورات وتكفيرِ العلماء الحكام. والمحرضين على شق العصا ومفارقة الجماعة فإنهم دعاة على أبواب جهنم يقودون الناس إلى الاحتراق بنار الفتن وويلات الدمار في الدنيا ويقودون الناس إلى مقت الله وعذابه في الآخرة والعياذ بالله.
عباد الله:
ودين الإسلام دين الأخلاق الفاضلة الكاملة يأمر ببر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار وبذل المعروف وكف الأذى وإيتاء كل ذي حق حقه ومعاملة الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به.
وينهى عن الظلم والعدوان فلا يحل في ديننا سفك دم مسلم ولا كافر بغير حق. ولا يجوز فيه العدوان على أعراض الناس ولا على أموالهم ولو قلت بغير وجه حق.
وديننا دين طاهر ينهى عن الفواحش والآثام فحرم الله الزنا والربا وشرب الخمر وفعل قوم لوط والسرقة والسعي في الأرض بالفساد.
دين يأمر المرأة بالعفاف والستر والحجاب والقرار في البيوت وعدم الخروج منه إلا لحاجة، وإذا خرجت خرجت بكامل حيائها وسترها واحتشامها قال تعالى (يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} وهذا لأمهات المؤمنين ولكل المؤمنات.
وجاء دين الإسلام بأحسن نظام وأكمله فيما يتعلق بشؤون الأسرة فأمر الزوجين أن يتعاشرا بالمعروف وأن يقوم كل واحد منهما بواجباته وأن تتم تربية الأبناء والبنات على وفق تعاليم الإسلام في الأخلاق والعبادات. وتعاهدهم على ذلك من نعومة أظفارهم.
فتفقهوا في دينكم على أيدي علماء السنة، واعرفوا قدره وتشبثوا به وعضوا عليه بالنواجذ. واحذروا البدع والمحدثات وفتن الشبهات والشهوات. حمانا الله وإياكم منها.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين..