العنوان : خطبة عيد الفطر 1431هـ
الخطبة الاولى:
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى فإن التقوى سبب السعادة والفلاح. من اتقى الله جعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب. من اتقى الله عاش سعيدا ومات حميدا وبعث يوم النشور إلى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
معاشر المؤمنين:
هذا يوم العيد عيد الفطر أحد يومين اختارهما الله لهذه الأمة يأتي أولهما بعد الفراغ من شهر الصيام والقيام والاجتهاد في الطاعة والعبادة ليكون فرحاً بنعمة الله وإجماماً للنفس لئلا تمل طاعة الله ويأتي ثانيهما بعد أيام حافلة بالتعب والنصب في أداء شعائر الحج ومناسكه ليفرحوا بالنسك ويأكلوا من الهدي ومما رزقهم الله
فأعيادنا أهلَ الإسلام أعياد مرتبطة بشعائر الإسلام واثنين من أركانه صيام رمضان وحج بيت الله الحرام…
وما للأمة عيد شرعي غير هذين اليومين عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ، ولهم يومان يلعبون فيهما ، قال : ما هذان اليومان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أبدلكم الله خيرا منهما : يوم الأضحى ، ويوم الفطر».أخرجه أبو داود والنسائي.
إخوة الإسلام: إن للعيد معانيا وحكماً كثيرة فمنها تحقيق العبودية لله التي من حققها دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب وذلك أن المسلمين صاموا لأن الله أمرهم بالصيام ثم أفطروا لأن الله أمرهم بالفطر فهو إلههم يشرع لهم ما شاء من الشرائع وهم عباده يمتثلون أمره ويجتنبون نهيه طلبا لمرضاته وهرباً من أليم عقابه وسخطاته
ومن معانيه أنه يوم فسحة يلعبون فيه ويروحون عن أنفسهم ويفرحون بما من الله به عليهم من فضله لكن في حدود ما شرع الله كلعب الرجال بالسيوف والحراب وآلات الحرب والجهاد وضرب الجواري الصغيرات بالدفوف فيما بين النساء فهو يمثل نموذجا لتوازن دين الإسلام واعتداله فلا رهبانية البوذية والنصرانية التي تقوم على تعذيب الأجساد والأنفس بحرمانها من حاجتها الفطرية الغريزية ولا إباحية المناهج الشهوانية المادية التي لا تقف عند حد في باب المتعة واللذة.
ومن معانيه تذكير المسلمين بوحدتهم في العقيدة وأخوتهم في الدين على تباين طبقاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم لذا شرع في العيد أن يجتمع أهل البلد في مصلى واحد يجتمعون فيه كلهم للصلاة وسماع الخطبة والذكر وما يحصل بسبب ذلك من التلاقي والتعارف وتبادل التحايا والتهاني والدعاء ولا يشرع تعدد المصليات إلا إذا اتسع البلد وكثر الناس وعسر اجتماعهم في مصلى واحد.
فكونوا إخوة حقاً وصدقاً وذلك بالتحاب في الله والتواصل والتزاور والتناصح بالحق والتعاون على البر والتقوى والسعي في إصلاح ذات البين ونبذ التهاجر والتدابر بسبب الخصومات على أمور الدنيا وحظوظ النفوس الأمارة بالسوء.
ابذلوا المعروف وأحسنوا الجوار وصلوا الأرحام فإنها سعادة وراحة في الدنيا وأجر عظيم وثواب جزيل يوم القيامة
احذروا ظلم الناس عامة وظلم المسلمين خاصة في دمائهم أو أعراضهم أو أموالهم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيها المسلمون:
إن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى وإن أجلها بعد المنة بنعمة الهداية للإسلام والتوفيق لسلوك السنة ما من الله به علينا في هذه البلاد من الأمن والطمأنينة واجتماع الكلمة وتحكيم الشريعة وظهور الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه النعم تستحق الشكر حتى تثبت فلا تسلب وحتى تزيد فلا تنقص فإن النعم تبقى بالشكر وتُسلب بالجحود والكفر ومن شكر هذه النعمة التحدث بها في مجالسنا ليتذكر الناسي ويتنبه الغافل ومن شكرها الدعاء الصادق لمن كان سبباً فيها من الأحياء والأموات من ولاة أمور هذه البلاد ومن أعانهم وشد من أزرهم فإنه (من لا يشكر الناس لا يشكر الله).
ومن أسباب بقاء هذه النعمة التمسك القوي بتعاليم الدين الآمرة بعبادة الله وتوحيده فإن تحقيق التوحيد أعظم أسباب تحقيق الأمن كما قال تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)
وبصدق الولاء لولاة الأمور بالسمع والطاعة لهم في غير معصية الله فبذلك تجتمع الكلمة وتأتلف القلوب وينتفي الشقاق والاختلاف الذي هو أساس الضعف والهوان واشتعال الفتن الداخلية والخارجية (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)
ومن أسباب بقاء هذه النعمة أن يكون مصدر التلقي والفهم للشريعة الإسلامية المصدرَ النقي الصافي الا وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتزام فهم السلف الصالح وذلك بالرجوع إليها لمن كان من أهل العلم وبالرجوع إلى العلماء الراسخين الذين عرفوا بالعلم والعمل ولزوم السنن كما قال تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
الله اكبر الله أكبر لا إله إلا لله الله أكبر ولله الحمد
أيتها الأخوات في الله:
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص النساء بموعظة خاصة في خطبة العيد وتأسياً به صلوات الله وسلامه عليه أذكركن بتقوى الله واجتناب معصيته فإن المعاصي طرق النار وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم النساء في يوم العيد بأنه اطلع على النار فرأى أكثر من فيها من النساء فمن ارادت السلامة فلتجتنب معصية الله ولتلزم طاعته ولتستكثر من نوافل العبادة ولا سيما الصدقة ولو بالقليل فإن الصدقة تطفى غضب الرب.
ايتها الأخوات إنكن بحمد الله في ظل الإسلام تعشن عيشة كريمة ليس لها نظير فأنت شقيقة الرجل تشاركينه في التكليف بالشرع وتشاركينه في استحقاق الثواب والعقاب
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ببرك أما وجعل الجنة تحت قدميك
وأمر بالإحسان إليك زوجة وجعل خير الرجال خيرهم لزوجه.
وأمر ببرك بنتا وأختاً وجعل حسن تربيتك وتعليمك والإنفاق عليك حجاباً من النار
وخصك الله بأحكام تناسب طبيعتك فأمرك بالحجاب والتستر عن الأجانب عنك لما في السفور والتبرج من الفتنة لك وبك
ونهاك عن السفر بلا محرم حماية لك وخوفا عليك فمطامع الرجال تغلب ضعف المرأة ما لم يكن لها المحرم الحامي وقد قال الحكيم (تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الحامي)
ونهاك عن الخلطة بالرجال لأن الخلطة الدائمة بالرجال سبب عظيم لتعلق القلوب وزنا العين والسمع واللسان وربما جر بعد ذلك الى الفاحشة الكبرى فالله قد فطر قلوب الرجال على الميل الى النساء وفطر قلوب النساء على الميل الى الرجال والا لما قامت الحياة الزوجية ولما بقي النوع الإنساني على الوجود
وإذا نظرنا إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته نجد أنه كان عظيم العناية بفصل الرجال عن النساء الأجنبيات عنهم في العبادة والتعليم فجعل للنساء يوما خاصا بهن يجتمعن فيه فيأتيهن ويعلمهن مما علمه الله وكان يجعل النساء خلف الرجال في الصلاة ويأمرهن بالانصراف قبل الرجال ، وكان ينهى عن الدخول على النساء الأجنبيات ولو كانوا من اقارب الزوج أو اقارب المرأة مالم يكن محرما كل ذلك احتياطا للفضيلة والأخلاق والعفة حتى لا تضعف النفس أمام داعية الشهوة.
إن أعداء الفضيلة يصورون هذه التعاليم بصورة بشعة يحاولون إقناع الناس أنها عادات وليست عبادات وأنها أحكام تكبل المراة وتهينها وتخنقها وتعوقها عن التقدم والرقي عكساً للحقيقة وتمرداً على الشريعة.
أيتها المؤمنات : إن من خير ما تتقرب به المراة إلى ربها أن تقر في بيتها كما قال تعالى (وقرن في بيوتكن) وأن لا تخرج إلا لحاجة وإذا خرجت لحاجة خرجت محتشمة متسترة تفلة أي غير متطيبة ولا متزينة فإذا قضت اشغالها وحاجاتها عادت سريعا إلى بيتها ومقر أمانها وطمأنينتها.
ايتها الأخوات المؤمنات الطاهرات: لقد حصل نقص كبير في شان اللباس عند بعض نساء المؤمنين فأخذن يقلدن ما يرد من الشرق والغرب من لبس العاري والقصير والضيق والشفاف وغير ذلك فتذكرن قوله صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم ارهما) ثم قال (ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) رواه مسلم في صحيحه . وقوله (لم ارهما) يدل على أن هذه الالبسة العارية لم تكن في نساء المؤمنين في زمنه وهو خير أزمان الناس طهراً وعفة وحياء وحشمة ونساؤه هن اللواتي ينبغي أن يكن قدوة لنساء المؤمنين.
نسأل الله أن يحفظ نساءنا من كل من يحاول إفسادها في عقيدتها أو إفسادها في أخلاقها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى
أيها المسلمون:
إن الأحاديث والآثار الواردة في شأن العيد تدل على جملة من الأحكام والسنن والآداب في هذا اليوم الكريم ومنها مشروعية الاغتسال واكل تمرات قبل الخروج لصلاة العيد ولبس الملابس الحسنة والخروج ماشياً إلى المصلى والرجوع ماشيا من طريق اخرى غير الطريق التي جاء منها
وليس لصلاة العيد سنة قبلها ولا بعدها لكن إذا كانت الصلاة في المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ويشتغل في جلوسه بالتكبير والتهليل حتى يحضر الإمام
ويشرع للنساء الخروج إلى العيد حتى الحيض لكنهن يعتزلن المصلى بل يكن من وراء الناس يسمعن الذكر والدعاء ويشهدن الخير
ومن لم يخرج زكاة الفطر فليخرجها بعد الصلاة ولا يؤخرها عن يوم العيد من غير عذر شرعي تبرأ به الذمة.
ايها المسلمون:
إنه ليس السعيدُ من لبس الجديد وشهِد العيد وأتَته الدنيا على ما يريد لكن السعيد من اتَّقى العذاب الأليم وفاز بجنّات النعيم فأطاع العزيزَ العليم.
عبادَ الله، تذكَّروا ما أنتم قادِمون عليه من المَوت وسكراتِه، والقبرِ وظلُماته، والحشر وكرباته، والصِراط ورَوعاته، واذكروا من شهد معكم العيد الماضي من الاحباب والاصحاب، كيف اخترمهم هادِم اللذات، فأصبحوا في القبور مرتهَنين بالأعمال، وهم اليوم إما في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار فتيقَّنوا أنّكم واردون على ما عليه ورّدوا، وشاربون من كأسَ المنيّة الذي شرِبوا، فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33].
الا لا تركنوا إلى هذه الدّنيا التي لا تؤمن شرورها، ولا يدوم سرورها، وانظروا إلى الدنيا على انها مزرعة للآخرة فابذروا الإيمان والعمل الصالح لتفوزوا بجنة عرضها السموات والأرض في يوم الحصاد جعلنا الله وإياكم من اهلها.
أيها الإخوة:
اجتمع في هذا اليوم عيدان عيد الفطر والجمعة فمن شهد العيد فلا يلزمه حضور الجمعة فإن شاء حضر الجمعة مع الأئمة وإن شاء صلاها ظهراً ولا يحل له ترك الجمعة والظهر اعتذاراً بأنه صلى العيد فلا دليل يعتمد عليه على ترك الظهر والجمعة معاً.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين..