العنوان : حسن الظن بالله خطبة مكتوبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فإن من العبادات العظيمة الجليلة حسنَ الظن بالله تعالى، لأن حسن الظن بالله تعالى باعث على فعل الخيرات وترك المنكرات، وعلى الجد والاجتهاد في تحصيل الأسباب المشروعة والمباحة في طلب الرزق وجلب المنافع ودفع المضار، وحسن الظن بالله أيضاً هو سبب عظيم في طمأنينة القلب وراحة البال وانشراح الصدر، كما أنه نعم العُدّة والسلاح عند هجوم المصائب والمشكلات، وهو من أفضل القربات والعبادات التي يختم بها العبد حياته حين توشك شمسها على الأفول وشمس آخرته على البزوغ.
ففي الحديث القدسي الصحيح يقول الله تعالى (أنا عند ظن عبدي بي) متفق عليه. أي فمن ظن بالله خيراً تفضل الله عليه وأفاض عليه من خيره، ومن ظن بالله شراً لم يكن له إلا ما ظن والعياذ بالله. ولهذا جاء في رواية الترمذي (إن ظن بي خيراً فله وإن ظن شراً له) .
ففي هذا الحديث دعوة قوية ليحسن العبد ظنه بربه جل وعلا.
وحسن الظن مطلوب من العبد في كل وقت وحين ولكن يتأكد في مواطن، ومن تلك المواطن ما يلي:
أولاً: حين تؤدي ما أمرت به من الإيمان والعمل الصالح، فتؤدي هذه العبادات _كما أُمرت مخلصاً لله متبعاً هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم_ وأنت تحسّن الظن بربك أن يتقبلها منك ويثيبك عليها مصداقاً لوعده الكريم إذ يقول جل وعلا {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وإذ يقول تعالى {إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا }
ثانياً: حين تتقي الله تعالى باجتناب المعاصي والسيئات فتكف عنها خشيةً من الله وأنت تحسن الظن بربك أن يثيبك على تركها بأحسن بالفوز العظيم كما قال تعالى {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} وكما قال تعالى {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}
ثالثاً: حين تدعو ربك وتطلب منه الخير كالجنة والمغفرة والرحمة والعفو والرزق والشفاء والولد والزوج أو غير ذلك من وجوه الخير أو تدعوه مستعيذاً به من النار أو عذاب القبر أو سوء القضاء أو غلبة الدين أو قهر الرجال أو غير ذلك من وجوه الشر والأذى.
وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ» رواه الترمذي. فمن حسّن ظنه بالله واعتقد أن الله يجيبه إذا دعاه ويعطيه إذا سأله أكثر من الدعاء ولم ييأس ولم يقنط ولو تأخرت الإجابة أما من ساء ظنه بالله فإنه ينصرف عن دعاء ربه وإذا دعا ربه ما اسرع ما يترك الدعاء فيكون ذلك سبباً في حرمانه قال صلى الله عليه وسلم ” يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ” متفق عليه. وهل مكث يعقوب يدعو ربه برجوع يوسف السنين الطوال إلا بحسن ظن بربه وعدم يأسه من رحمته.
حين تسأل الله من فضله فإنك تسأل الغني الجواد الواسع الذي لا تنفد خزائنه سبحانه.
وحين تستعيذ بالله مما تخاف وتحاذر فإنك تستعيذ بالقوي الذي لا يعجزه شيء الذي أمره إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.
وحين تسأله العفو والمغفرة فإنك تحط رحالك في جناب الغفور الرحيم الذي سبقت رحمتُه غضبَه وسبق عفوُه عقوبتَه وسبق حِلْمُه أَخْذَه. الذي لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب منه ولو كان الشرك الأكبر.
رابعاً: حين تنزل بك المصائب والملمات والمشكلات المعضلات في مالك أو صحتك أو غير ذلك من مصائب الدنيا فحسِّن ظنك بربك واعتقِد أن قضاء الله لعبده المؤمن كلّه خير له فإن يبتلي المؤمن بالسراء ليشكر فيكتب له أجر الشاكرين ويبتليه بالضراء ليصبر فيكتب له أجر الصابرين. وكم من مصيبة نزلت بالعبد فكانت عاقبتها خيراً عظيماً له في الدنيا والآخرة. ومن جهة أخرى فحين تنزل بك الشدائد فلا تقنط أبداً من زوالها مهما اشتدت أو طالت بل حسّن ظنك بربك وأعظم طمعك ورجاءك في واسع جوده أليس هو القائل (فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسرا) أليس هو القائل (سيجعل الله بعد عسر يسراً) إذاً فلم اليأس والقنوط من رحمته؟ إن الناس ليدخلهم القنوط من رحمة ربهم حتى إن الله ليضحك من حالهم وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم ” ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده ، و قرب غِيَرِه ، فقال أبو رزين : أوَ يضحك الرب عز وجل ؟! قال : نعم . فقال : لن نعدم من رب يضحك خيرا “. أي إن الناس ليشتد بهم القحط فييأسون من نزول الغيث فيضحك الله من يأسهم مع قرب خيره منهم ونزول المطر عليهم، ولما سمع أبو رزين رضي الله هذا الجواب قال تلك الكلمة العظيمة (لن نعدم من رب يضحك خيراً) أي إذا كان ربنا يضحك فهذا يدل على لطفه بعباده ورأفته بهم وأن خيره قريب منهم متى سألوه والتجؤوا إليه وطبلوه.
خامساً: من المواطن التي يتأكد فيها حسن الظن بالله تعالى عند التوبة والإنابة من الذنوب فمهما عظم ذنبك وكثرت معاصيك فإياك أن يغلق عليك الشيطان باب الرجاء في عفو الله وتوبته عليك . إياك إياك أن تهرب عن ربك يأسا من مغفرته وكيف يسوء ظنك به أن لا يغفر لك وهو القائل { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } فمن تاب تاب الله عليه بل وبدّل سيئاته إلى حسنات كما قال تعالى بعدما توعد أهل الكبائر بالنار {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }
سادساً: من المواطن التي يتأكد فيها حسن الظن بالله عند حلول الأجل ونزول علاماته فعلى العبد في تلك الحال أن يعظم رجاؤه في عفو الله ومغفرته ورحمته فمن رجا ذلك عند الموت وكان ذلك ظنه بربه كان الله له على ما ظن قال صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث ليال:
: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ» أخرجه مسلم. ودخل واثلة رضي الله عنه على يزيد بن الأسود وقد اشتد مرضه فقال له: واحدةٌ أسألك عنها؟ قال: وما هي؟ قال كيف ظنك بربك؟ قال: فقال أبو الأسود: وأشار برأسه أي حسن. قال واثلة: أبشر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قال الله عز و جل: “أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء” رواه أحمد.
سابعاً: عند رؤية ما يصيب المسلمين من أنواع البلايا والمصائب من الفرقة والاختلاف ومن تسلط الأعداء ومن كثرة الفتن فلا ينبغي للمسلم أن يقنط من رحمة الله ولا ييأسَ من رَوحه بل يكون عظيمة الثقة في أن ما يصيب المسلمين إنما هو بسبب ذنوبهم وتفريطهم وأن الحق مع ذلك ظاهر غالب وأن العاقبة لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقاً كما قال تعالى {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} فمتى استقاموا وأنابوا ونصروا الله بتمسكهم بدينه نصرهم وجعل العاقبة لهم كما قال تعالى {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} فعلى أهل الإسلام أن يجدوا ويجتهدوا في الأخذ بأسباب القوة والنصر وأول ذلك التمسك بالتوحيد وصحيح الاعتقاد وترك البدع والمحدثات وسيرون ما وعدهم ربهم والله لا يخلف الميعاد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن حسن الظن بالله ليس معناه أن يقيم العبد على معصية الله ويضيع أمر الله ويرجو مع ذلك الرحمة والمغفرة وليس معنى حسن الظن بالله أن يدع العبد العمل والأخذ بأسباب الرزق ويرجو مع ذلك أن يأتيه الرزق وهو على فراشه.
بل إن هذا هو الخداع والغرور وسوء الظن بالله تعالى، لقد ظن المشركون أن لن يعذبهم الله وظن كفرة اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه فرد الله عليهم كلهم وخيب ظنهم السيء بربهم قال تعالى فيمن عصاه وظن أن الله لا يعذبه {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال تعالى (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) وقال إبراهيم مهدداً قومه إذ عبدوا الأوثان {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } أي ما تظنون أنه سيفعل بكم وقد عبدتم غيره إلا العذاب الشديد والنكال الأليم إن متم على ذلك.
فعلى المسلم أن يفهم حسن الظن بالله الفهم الصحيح وهو العمل بطاعة الله واجتنابُ معصيته والأخذُ بالأسباب مع رجاء فضل الله والفوز بمعونته وقبوله ومغفرته. إن المزارع لو ترك أرض مواتاً دون حرث ولا بذر ولا سقيا ثم ترقب أن يحصد في نهاية الموسم حصاداً وفيراً مربحاً لعده الناس سفيها معتوهاً فهذا مثال الخداع والغرور الذي يظنه بعض الناس حسن ظن بالله. وفي الفرق بين المؤمن والمنافق يقول الحسن البصري : ” إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فَأَحْسَنَ الْعَمَلَ وَإِنَّ الْفَاجِرَ أَسَاءَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ فَأَسَاءَ الْعَمَلَ”
اللهم اجعلنا ممن أحسن الظن بك على الوجه الذي يوافق شرعك فأعطيته خيراً مما ظن وفوق ما ظن برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. اللهم أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا ونائبه لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم إجعلنا ممن يحسنون الظن بربهم على الوجه الذي يرضاه، خطبة نافعة ماتعة أجزل الله العطاء للشيخ علي بن يحبى الحدادي ورفع قدره ودرجته في الدنيا واﻵخرة آمين
جزاك الله خيرا شيخنا الجليل الغالي فضيلة الشيخ الدكتور علي بن يحى الحدادي ونفع بك الإسلام والمسلمين
بارك الله ( شيخنا الجليل ) وبارك ما قال وماكتب وجعله في موازين أعماله ونفعه به “يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم”
وجزى الله من نشرها بين المسلمين خيرا
اللهم اجعلنا ممن أحسن الظن بك على الوجه الذي يوافق شرعك فأعطيته خيراً مما ظن وفوق ما ظن برحمتك يا أرحم الراحمين.
آمين
بارك الله فيك يا شيخ أسأل الله أن يغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وان يدخلك الجنة . اميين يارب