العنوان : تأييد القرار الملكي وبيان الداخلية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوالله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فوزا فوزا ً عظيماً)
أما بعد: فإن الله تعالى أوجب على المسلمين أن يكون لهم إمام يجتمعون عليه ويأتمرون بأمره لتتحد كلمتهم ويثبت أمنهم وليقموا شعائر ربهم من جمعة وجماعة وحج وجهاد وحماية للثغور وإقامة للحدود وبذلك يستقيم لهم أمر دينهم ودنياهم ، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم بادر الصحابة رضوان الله عليهم إلى حسم قضية خلافته قبل الانشغال بغيرها حرصاً على اجتماع الكلمة ودرءاً لأسباب الخلاف والشقاق بين أهل الإسلام.
وأوجب الله على ولاة أمور المسلمين أن يحكموا بالعدل وأن يسوسوا الناس بالرحمة والشفقة والنصح وأن يأخذوا للضعيف حقه من القوي كما قال تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن كان سمعياً بصيراً) ووعد الله الإمام العادل أن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ووعد كل من عدل في رعيته وأهله بأن يرفع على منابر من نور يوم القيامة.
وتوعد الراعي الغاش لرعيته سواء كان حاكما او رب أسرة بالوعيد الشديد والحرمان من الجنة والعياذ بالله.
إن من آكد حقوق الرعية على ولاتها أن ينصحوا لهم في أمر دينهم بأطْرهم على الحق والرشاد وتجنيبهم طرائق الابتداع والإلحاد لأن الدين إذا صلح واستقام صلحت قلوب الناس وأخلاقهم وأرزاقهم وأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم كما قال تعالى (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) وقال تعالى ({وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ }
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم _ وهو قدوة كل ولي أمر مسلم _ لأن منصب الإمامة يعني خلافة النبي صلى الله عليه وسلم في سياسة الرعية في أمر دينهم ودنياهم _ أقول كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس كل جمعة فيأمرهم بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وينهاهم عن البدع والمحدثات ويحذرهم منها غاية التحذير, وكان صلى الله عليه وسلم ينهى اصحابه عن أسباب التفرق والاختلاف في الدين كما كان ينهى المراء والمجادلة في القرآن ويغضب لذلك إذا رآه ويحمرّ وجهه حتى كأنما فقئ فيه حب الرمان.
ولما طلع أول رأس للخوارج همّ النبي صلى الله عليه وسلم بقتله ثم تركه مراعاة منه لدرء مفاسد كبيرة أكبر من مفسدة تركه ولكنه حذر تحذيراً بالغاً من الخوارج ومنهجهم _مع وصفه لهم بشدة العبادة_ وتوعدهم بما لم يتوعد به غيرهم من الإبادة والاستئصال كما أباد الله عاداً وثمود.
وهكذا كان ولاة الأمر من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم _وهم النموذج الأمثل والقدوة اللازمة لولاة أمور المسلمين حتى تقوم الساعة_ فقد كانوا أحرص الناس على حفظ الإسلام، والأخذ بكل حسم وحزم على يد من يريد التلاعب بالدين: بالردة عنه، أو إحداث البدع فيه، أو شق عصا المسلمين. وعلى سبيل المثال :
فقد قاتل أبوبكر رضي الله عنه أهل الردة ولم تأخذه بهم رأفة في دين الله .
وعاقب عمر رضي الله عنه أشد العقوبة من حاول أن يلبس على الناس كتاب ربهم _ وأعني به صَبيغ بن عِسْل_ بالجلد الموجع والطرد في البلاد والحصار النفسي التام بمنع الناس من محادثته وكلامه والسلام عليه أو رد سلامه.
وعاش المسلمون في زمن عثمان حياة إسلامية هنية رغيدة أعلام الجهاد منشورة وجنود الإسلام منصورة وشرائع الدين ظاهرة وارزاق الناس متوافرة في عهد استمر اثني عشر عاماً حتى وقعت الفتنة فقتل فيها شهيداً رضي الله عنه.
وفي زمن علي رضي الله عنه سار السيرة نفسها فوقف بكل حزم مع من ألحد في الدين أو خالف سبيل المؤمنين فهو الذي خَدّ الأخاديد وأوقد فيها النار وأمر بتحريق الملاحدة الذين ادعوا فيه أنه رب الناس وإلههم. وقد وافقه الصحابة على استحقاقهم القتل وإن خالفوه في الطريقة فرأوا قتلهم بالسيف لا بالتحريق بالنار لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يعذب بالنار إلا رب النار جلّ وعلا.
ولما ظهرت الفتنة الكبرى فتنة الخوارج أهل النهروان وكان حالهم من أشد الأحوال التباساً على جمهور المسلمين لأنهم كانوا أهل أهل قرآن وصلاة وصيام قد أكلت الأرض جباههم وركبهم لطول سجودهم وشدة عبادتهم ولكن كان عند علي رضي الله عنه من العلم بالكتاب والسنة ما تبين له به حقيقة هؤلاء القوم وأنهم هم الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم وتوعدهم بالقتل لو أدركهم ومع ذلك لم يبادرهم بالقتال وإنما ناصحهم بنفسه وأرسل إليهم ابن عمه فناصحهم وناقشهم وفنّد شبهاتهم فرجع من رجع وأصر من أصر . ثم مع ذلك تركهم في شأنهم حتى ابتدؤوا باستحلال دماء المسلمين وأموالههم وتخريب أمنهم فاستعان الله عليهم وقاتلهم بمن معه حتى قضى على ذلك القرن منهم.
فهذه نماذج معدودة توضح حرص النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده على حفظ عقائد المسلمين من البدع والمحدثات والفرق والأحزاب والحزم مع من يريد إفساد كلمتهم واجتماعهم على الحق وعلى ولاة ألامر من بعدهم أن يحذوا حذوهم ويقتفوا أثرهم ليصلح حال البلاد والعباد.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له في أسمائه وصفاته وألوهيته وسلطانه واشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن بلادنا الغالية عانت منذ أكثر من عشر سنوات من قضايا الإرهاب المتمثلة في التكفير بغير حق والتفجيرات التي ذهب ضحيتها عدد كبير من الابرياء من أهلنا وأبنائنا وجنودنا ومن ضيوف بلدنا ممن أعطي العهد والأمان على نفسه.
ومع الفتن المعاصرة التي تعصف ببعض البلاد من حولنا وحرص كثير ممن لا يريد بنا خيراً أن يجرنا إلى مستنقع الفتن والفوضى أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قراراً عظيم الشأن يحاصر الإرهاب ويضيق عليه الخناق حماية للعقيدة وحفاظاً على الوطن وتثبيتاً للأمن، ثم جاء البيان التوضيحي من وزارة الداخلية فوضع النقاط على الحروف وفصل ما أجملته العناوين في القرار فصرّح بتجريم الإلحاد في دين الله وجرّم الانضمام باي صورة كانت إلى الجماعات الضالة المنحرفة التي تخالف عقيدة السلف في فكرها وتتربص بنا كيداً وشراً في منهجها وقد نص البيان على بعض الجماعات ومنها جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمُ القاعدة وذكرت بعض ما تفرع عنهما وغير ذلك من الأحزاب والانتماءات.
وإذا كان بعض الناس قابل هذا البيان التوضيحي بالاستغراب فأهل العلم والبصيرة لم يستغربوه بل كانوا ينتظرونه من زمان طويل. فإن العلماء الراسخين ولا سيما من درسوا وخبروا هذه الجماعات افتوا ببدعيتها وانحرافها من عشرات السنين فقد افتى الإمام الكبير والعلامة الشهر عبدالعزيز بن باز رحمه الله الذي توفي قبل خمسَ عشرةَ سنة بأن جماعة الإخوان والتبليغ من الفرق الضالة الهالكة، وحذّر من تنظيم القاعدة ومن زعيمها وزعماء الحركة الإصلاحية بأسمائهم وأعيانهم، وهكذا كان لكثير من إخوانه من العلماء الربانيين ممن أفضى إلى ربه أو ممن لا يزال على قيد الحياة في هذا الجانب جهود مشكورة ، وهي بين ايديكم مشهورة منشورة . من شاء الوصول إليها لم يعجزه عبر وسائل الإعلام والاتصالات والتواصل الحديثة.
فعلينا أيها الإخوة أن نكون صفاً واحداً مع ولاة أمورنا ولا سيما في القرارات الكبيرة التي يراد بها الحفاظ على عقيدتنا وعلى أمننا وعلى وحدتنا وعلى اجتماع كلمتنا
والتي يراد بها قطع الطريق على أهل الكيد والمكر ممن يتربص بنا ليلاً ونهاراً ليجعل بلدنا فوضى وأمننا مجرد أحلامٍ وذكرى.
لا رفع الله للكائدين راية ولا حقق لهم غاية وجعل تدبيرهم تدميرا عليهم وجعلهم لكل عدو متربص بدولة التوحيد والسنة عبرة وآية.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الاربعة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك وأزواجه وأهل بيته يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا واصلح أئمتنا وولاة أمورنا . اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوي وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه.
اللهم أصلح حكام المسلمين واجمع كلمتهم على الحق والدين وأصلح بهم حال البلاد والعباد واقمع بهم أهل الزيغ والفساد.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي وعن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.