العنوان : بشرى للصائمين
أما بعد:
فإن الصيام عبادة عظيمة جليلة لذا شرعه الله لهذه الأمة ولمن كان قبلها كما تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، وجعل صوم رمضان أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (بني الإسلام على خمس) ثم ذكر منها (صوم رمضان).
وقد رتب الله على الصيام إيمانا واحتساباً سواء كان الصوم فرضاً أو نفلاً من الأجور العظيمة والخيرات الكثيرة مالا يمكن عده ولا حصره. فهنيئاً ثم هنيئاً لأهل الصيام في هذه الدنيا ويوم يلقون ربهم.
قال تعالى (والصائمين والصائمات والحفاظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً).
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً” فهذا صوم يوم واحد يصومه العبد يباعده الله عن النار هذه المسافات العظيمة لا يتأذى برؤيتها ولا بسمع حسيسها.
ولكرامة الصائمين على الله فقد أعد لهم باباً في الجنة يقال له الريان لا يدخل منه غيرهم فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد. ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال أين الصائمون فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد”. وتأمل اسم هذا الباب ومناسبته للصوم فإن الصائم أول وأكثر ما يجهده في الغالب هو العطش فجعل الله اسم ذلك الباب مبشراً بالري الذي لا ظمأ بعده.
وتأمل أيضاً قوله إن في الجنة بابا ولم يقل للجنة باب حتى يفهم السامع أن ذلك الباب فيه من نعيم الجنة وخيراتها ولذاتها مالا يعلمه إلا الله.
ولما كان للصوم تأثيراً على الصائم في خروج خلوف الفم لخلو معدته من الطعام والشراب ولما كانت تلك الرائحة مؤذية لمن يجدها جاءت البشارة النبوية الكريمة في الحديث التالي إذ يقول صلى الله عليه وسلم (ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) لأنه نتيجة عبادة حبيبة إلى الله فكانت حبيبة إلى الله كما أن دم الشهيد يتحول ريحه يوم القيامة إلى ريح مسك كما في الصحيحين.
وإذا كان الإنسان يفرح عند إتمام عمله بإنجازه فإن الصائم يفرح فرحتين فرحة عاجلة حين تغرب الشمس فيفطر وحين ينهي صوم رمضان كاملاً يفرح في الدنيا فرحاً طبيعيا ً بما أحل الله له من الطعام والشراب بعد منعه منه، ويفرح فرحاً شرعياً بأن وفقه الله لإتمام العبادة وترقبه قبولها وثوابها من الله تعالى. ويفرح في الآخرة حين يرى الكرامات والمقامات التي أعدها الله بسبب صومه وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم (للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه) متفق عليه.
ومن كرامة الصيام على الله تعالى أن منتهى ثوابه ليس له مقدار فلا تقف المضاعفة على عشر حسنات ولا سبعين ولا سبعمائة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ” أخرجه مسلم. وذلك أن الصوم عبادة يتجلى فيه الصبر لله تعالى الصبر على فعل المأمور والصبر على ترك المحظور والصبر على ألم الجوع والظمأ وقد قال تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصائمين المقبولين المغفور لهم إنه سميع الدعاء، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
ومن فضائل الصوم وبركاته أن الصائم لا يقتصر ثوابه على الصوم فقط ولكنه يحصل أجوراً باسباب أخرى متعلقة بصومه ومن ذلك أن الصائم إذا أكل عنده صلت عليه الملائكة كما ثبت عن عبد الله بن عمرو موقوفاً عليه وله حكم الرفع وجاء معناه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر صححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان.
وإذا تسحر المسلم وكذا إذا عجل فطره وأخر سحوره أثيب على ذلك ونال بها محبة الله سبحانه وتعالى وحصل لهم من الخير والبركة مالا يعلمه إلا الله كما في الحديث (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) وفي الحديث (تسحروا فإن في السحور بركة) وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل بين سحوره وبين دخوله في صلاة الفجر قدر خمسين آية أي أن الفاصل بينهما دقائقُ معدودة.
وكذلك تنال بركة الصائم غير الصائم ايضاً وذلك إذا فطره فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» رواه ابن ماجه وغيره.
ومن أعظم فضائل صوم رمضان أن الله يغفر به ما تقدم من ذنوب العبد كما في الحديث الصحيح (من صام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
فأخلصوا النية في صيامكم وحافظوا على صيامكم مما ينقص أجره وثوابه من اللغو والرفث والذنوب والمعاصي فإن الصوم ليس عن الطعام والشراب فقط بل لا بد لكماله وتمام نفعه من اجتناب المعاصي والخطايا القلبية والعملية الظاهرة والباطنة.
اللهم احفظ صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا وتقبلها منها بفضلك ومنك وكرمك وتجاوز اللهم عن ضعفنا وتقصيرنا وخطانا إنك رؤوف رحيم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين..