العنوان : المسكن الصالح
أما بعد:
فإن من نعم الله تعالى التي امتن الله بها على عباده أن رزقهم بيوتا ومساكن تؤويهم وتسترهم وتحفظ أموالهم وأمتعتهم ويطمئنوا فيها ويسكنوا إليها ويتقوا بها البرد والحر والمطر والريح إلى غير ذلك من المصالح والمنافع فقال تعالى (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا)
ولكن السعادة بالدار إنما تكون بأمور كثيرة ومنها أن تشترى أو تكترى بمال حلال، لأن الحرام ممحوق البركة وأن تكون واسعة تتوافر فيها المرافق التي يحتاجها الساكن لحديث (من سعادة ابن آدم المسكن الصالح وفي الرواية الأخرى المسكن الواسع) أخرجه احمد وصححه ابن حبان.
ومنها أن يكون لك جيران صالحون تكون وإياهم كالأسرة الواحدة محبة وتعاوناً وتالفا وتزواراً وبذلاً للندى وكفاً للأذى فشأن الجار في الإسلام عظيم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه أي سيأمرني أن أعامله معاملة القريب من الرحم أو العصبة فيكون له جزء من الميراث كما لهم جزء منه لعظم مكانته وشأنه وأمر بإكرامه وجعله من لوازم الإيمان بالله واليوم الآخر فقال صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) ونهى عن أذيته أي أذى كان يحصل به الضرر سواء الضرر الحسي أو المعنوي حتى نفى الإيمان عن الجار المؤذي فقال صلى الله عليه وسلم (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالوا من يا رسول الله قال من لا يأمن جاره بوائقه أي أذيته.. رواه البخاري عن أبي شريح ورواه مسلم عن أبي هريرة بلفظ لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)
ومما تحصل به السعادة في السكن أن يكون الحي الذي تسكنه حياً صالحاً حتى تأمن على نفسك وأهلك وولدك ومالك أما إذا كثر في الحي أهل الفساد والشرور من أصحاب المسكرات والمخدرات والسرقات والتجمعات الليلية المشبوهة فإن هذا من دواعي القلق والخوف والاضطراب ولو كنت تعيش في مسكن صالح وبين جيران قريبين صالحين
فعلى سكان الحي إذا رأوا شيئاً من هذه المظاهر المقلقة أن يبادروا إلى القضاء عليها عن طريق الاجتماع والتشاور وبذل النصيحة للأطراف المؤذية وأهاليهم والرفع الى الجهات المختصة أما مجرد التذمر والتشكي فإنه لا يعالج مرضاً ولا يصلح حالاً.
وعلى سبيل المثال فظاهرة التفحيط من المظاهر المزعجة جداً والمخيفة جداً تحصد الأرواح وتتلف المال وتزعج الساكنين وتجمع أنواعاً من الفساد والأذى وعلاجها يكون بالتنسيق مع الجهات الأمنية والمروروية والبلدية والتعليمية والدعوة والإرشاد كل فيما يخصه ويدخل تحت اختصاصه ولكن الجهد الفردي المتمثل في الابلاغ لا يوصل إلى النتيجة المرجوة بل هو كالمسكّن فقط فمكاتبة تلك الجهات ومخاطبتها والتحاور وشرح حقيقة المعاناة لها كفيل إن شاء الله بالقضاء أو التخفيف من هذه الظاهرة تخفيفاً بيناً..
وقبل ذلك ومعه بذل النصح لهؤلاء الشباب المؤذين وحثهم على ترك هذا السبيل المظلم لأن دعوات الأباء والأمهات والمرضى والضعفاء الذين سرقت سياراتهم أو أوذوا في بيوتهم قد ترتفع في لحظة الى قيوم السموات والأرض فينتصر لها.. وكم رأينا ورايتم من العظات والعبر نسأل الله السلامة..
بارك الله لي ولكم في القرأن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكيم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه غنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
ومن السعادة في المسكن ترك المبالغة والمباهاة والترف فيها فكل ما أنفق في البيوت فوق الحاجة الصحيحة سواء من قيمة شرائها إو إجارها أو بنائها أو تزيينها فلا أجر فيه يقول صلى الله عليه وسلم “يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا في التراب”
وفي الحديث الأخر كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا إلا ما لا أي ما لا بد منه.. رواه أبو داود..
ومن السعادة في البيوت أن تكون بيوتاً معمورة بطاعة الله من قراءة قران وذكر وصلاة السنن الراوتب والنوافل وقيام الليل بعيدة عن أسباب الغفلة واللهو الجالبة لسخط الله كالتماثيل وصور ذوات الأوراح واقتناء الكلاب التي ليست كلاب حراسة أو صيد أو رعي..
ومن السعادة في البيوت أن يكون أهلها قائمين بالحقوق التي عليهم من العشرة بالمعروف والإحسان والبر والصلة والرحمة والرأفة..
ومن السعادة في البيوت أن تكون قلوب أهلها معمورة بالرضى عن الله والقناعة بما قسم الله فكم من الخلق يتمنون نصف أو ربع أو ثمن ما أنتم تتقلبون فيه من نعم الله عليكم..
ثم اعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار. وصَلُّوا رحمكم الله على محمد بن عبدالله كما أمركم ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، الأئمة المهدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين. اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، وجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا وولي عهده لكل خير، اللهم أعنهم وسددهم، إنَّك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.