العنوان : الحث على صيام شعبان والمبادرة إلى القضاء والتحذير من الاحتفال بليلة النصف منه
( الخطبــة الأولــى )
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)،
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)،
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
أما بعد:
فإن الحياة الدنيا دار اختبار لا دار قرار، ليبتلي الله عباده أيهم أحسن عملاً، فالسعيد حق السعادة من عمر وقته بما يقربه من ربه، ويباعده من أسباب غضبه ومقته.
وإن من أفضل القربات التي يتقرب بها العباد إلى ربهم التقربَ إليه بالصوم فإنه من أحب العبادات إلى الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل ” كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يسخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما ، إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه” رواه البخاري ومسلم والفضل في هذا الحديث وأمثاله يشمل صيام الفرض والنافلة
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد ، رواه البخاري ومسلم
و عن أبي هريرة عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال الصيام جنة وحصن حصين من النار ، رواه أحمد بإسناد حسن
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان رواه أحمد
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله مرني بعمل قال عليك بالصوم فإنه لا عدل له قلت يا رسول الله مرني بعمل قال عليك بالصوم فإنه لا عدل له قلت يا رسول الله مرني بعمل قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له ، رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صام يوما في سبيل الله بعدت منه النار مسيرة مائة عام رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد لا بأس به.
وإذا كان الصوم بهذه المنزلة من الله تعالى فنحن في شهر كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على صيام أكثره عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان. رواه البخاري ومسلم.
و عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ولا يفطر حتى نقول ما في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطر العام ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول ما في نفسه أن يصوم العام وكان أحب الصوم إليه في شعبان رواه أحمد.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان ، رواه الترمذي وقال حديث حسن.
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شعبان لقول عائشة في رواية مسلم (كان يصوم شعبان إلا قليلاً ). فتحمل الأحاديث التي يدل ظاهرها على صيامه شعبان كله أي على صيام أكثره.
وللمؤمن في رسول الله أسوة حسنة فينبغي لمن تيسر له الصوم بسبب نشاط أو فراغ أو رغبة أن يبادر إليه وأن يجاهد نفسه عليه ابتغاء للأجر وتأسياً بسيد البشر صلوات الله وسلامه عليه.
لقد اجتهد أهل العلم في البحث عن سبب إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان وأصح الأقوال في ذلك ما جاء مصرحاً به في الحديث الذي رواه ابن خزيمة وصححه من حديث أسامة بن زيد قال ” قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ، قال : ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم “.
ومن المسائل التي يجدر التنبيه عليها ما يلي:
أولاً : من كان عليه قضاء من رمضان المنصرم من رجل أو امرأة فلا يحل له أن يدخل عليه رمضان وهو لم يقض من غير عذر بل يجب القضاء قبل دخول الشهر. وينبغي أن يُنبه النساء وأن يذكرن بهذا فإن المرأة قد تذهل عن القضاء بسبب انشغالها بزوجها وأولادها.
ثانياً : روى أبو داود والترمذي وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا انتصف شعبان فلا تصوموا. وهذا الحديث محمول على من لم يصم قبل منتصفه شيئاً فينهى عن صوم النافلة أما لو صام قضاء فليس عليه شيء أو لو صام قبل النصف فإنه يصوم بعده.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بسنة سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
(الخطــبة الثانيــة )
أما بعد:
قد جاءت أحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان منها ما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن _ أي من كانت بينه وين أخيه المسلم شحناء وقطيعة على أمر الدنيا_ وعن مكحول عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين _ أي حتى يسلموا_ ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه رواه البيهقي وقال وهو أيضا بين مكحول وأبي ثعلبة مرسل جيد. وفيها أحاديث منها ما هو ضعيف جداً ومنها ما هو موضوع.
ولكن لا يدل ثبوت فضلها أن تخصص بقيام أو صيام فضلاً عن الاحتفال والاجتماع فيها فهذه الاحتفالات من البدع التي لم ترد في كتاب ولا سنة.
أيها الإخوة من الأدعية التي تنتشر بين الناس في رجب وشعبان (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان) وهذا الدعاء ورد في حديث لكنه غير صحيح فيه زائدة بن أبي الرُقاد _ بضم الراء _ قال البخاري منكر الحديث.
ثم اعلموا رحمكم الله أن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين,,,, اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين,,,, ربنا اغفر لنا ولوالدينا يوم يقوم الحساب,,, ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا,,,, ربنا إنك رؤوف رحيم,,,, اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين