العنوان : الحث على صيام الست وعلى الثبات بعد رمضان
أما بعد:
فالحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الصيام والقيام وإتمام شهر رمضان ونسأل الله تعالى أن يتقبله منا وأن يتجاوز بفضله وكرمه عما كان فيه من تقصيرنا. وإن من فضل الله تعالى علينا أنه فتح لنا أبواب كرمه وهيأ لنا أسباب طاعته فما انتهى شهر الصيام حتى دخلت أشهر الحج إلى البيت الحرام فشهر شوال هو أول أشهر الحج التي قال الله فيها (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)
ومن الأعمال المستحبة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر صيام ستة أيام منه ففي الحديث الصحيح (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) أخرجه مسلم من حديث أبي أيوب رضي الله عنه.
ومن الأحكام المتعلقة بصيام الست أن من كان عليه قضاء من رمضان فإنه يبدأ بالقضاء أولاً ثم يصوم الست لأن الحديث جعل صيامها مرتباً على صيام رمضان ومن كان عليه قضاء من رمضان لم يكن صام رمضان إنما صام بعضه. ومنها أنه يصح صومها متفرقة ومتتابعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالتتابع فيها. ومن أحكامها أن من صامها مرة لا يلزمه أن يصومها كل عام. ومن فاته صومها في شوال لم يشرع له قضاؤها في شهر آخر لأنها سنة محلها شوال فإذا فات شوال فات محلها.
ومما ينبغي التنبه له أنه لا يشرع الاتفاق بين مجموعة من الناس من الأهل أو الأصدقاء أو جماعة المسجد أو غيرهم أن يصوموها سوياً لأن هذا الاتفاق والاجتماع لم يرد به الشرع قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن الصوم الجماعي في غير رمضان : ” أرى أنَّه ليس من السُّنة، وأنَّه نوعٌ من البدعة إذا اتفقوا على ذلك لأنَّنا إذا كنَّا ننكر التَّكبير الجماعي أو الذِّكر الجماعي -مثلاً- فهذا أيضًا كذلك؛ لأنَّ الصوم عبادة، فلا ينبغي أن يكون جماعيًا. لكن من غير اتفاق لا بأس مثل أن يُوافق أنَّنا صُمنا يوم الإثنين؛ فقال بعضنا لبعض: من كان صائمًا فالفطور عند فلان، واتفقنا أنْ نُفطر عنده -مثلاً-؛ هذا لا بأس به لأنه أمرٌ عارض، وليس اجتماعًا على عبادة. والاجتماع على العبادات والانفراد بها من الأمور المشروعة ولهذا لولا أنَّ الله شرع لنا أن نُصلِّي جماعة لكانت صلاة الجماعة بدعة؛ لكن شرعها الله لنا. كذلك الصَّوم جماعة، والاتِّفاق عليه مسبقًا نوعٌ من البدعة” . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله (هذا مُحْدَث، هذا مُحْدَث، الإفطار الجماعي، والصيام الجماعي، وقيام الليل الجماعي كما يفعله بعض الشُّباب، هذا كلّه مُحْدَث، لا أصل له) فجزى الله علماءنا خير الجزاء على بيان السنن وإبطال البدع.
اللهم فقهنا في دينك ومسكنا بسنة نبيك وجنبنا محدثات الأمور وقنا من مكايد أهل الكيد والشرور أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فإن الله تعالى خلقنا لعبادته كما قال جل وعلا (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وليس المقصود من هذه العبادة أن يعبد الإنسان ربه مدة ثم يترك عبادته بل لا بد من الاستمرار فيها والثبات عليها حتى ينزل الموت كما قال تعالى (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) فالعبادة ليست مختصة برمضان ولا بغيره من الشهور وغير مختصة بمرحلة من مراحل العمر دون غيرها بل الأيام والليالي كلها محل للأعمال كما أنها كلها مقادير للآجال.
فلا ينبغي لمن علم أنه خلق لعبادة ربه أن يدع الصيام والقيام والصلاة والقرآن والبر والإحسان بعد أن انتهى رمضان قال الحسن البصري رحمه الله «أَيْ قَوْمِ، الْمُدَاوَمَةَ الْمُدَاوَمَةَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ» وقال رحمه الله «أَبَى قَوْمٌ الْمُدَاوَمَةَ ، وَاللَّهِ ، مَا الْمُؤْمِنُ بالَّذِي يَعْمَلُ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ لاَ وَاللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِ أَجَلاً دُونَ الْمَوْتِ». وقال تعالى (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك) أي اثبت وداوم على الاستقامة أنت والمؤمنون معك.
عباد الله: قال صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالخواتيم) رواه البخاري. فإذا كانت العبرة بها كان على المسلم أن يحرص غاية الحرص على الاستقامة على السنة والثبات على العمل الصالح لأنه إن فعل ذلك أدركه أجله على حال حسنة فحسن ختامه، وإن أحسن ثم أساء ربما فاجأه الأجل على قبيح أقواله وأفعاله فساء ختامه والعياذ بالله. اللهم أحسن ختامنا ويمن كتابنا ويسر حسابنا وارزقنا الثبات على السنة إلى يوم نلقاك إنك سميع الدعاء…
بارك الله فيكم ونفع بكم المسلمين
اللهم ارزقنا حفظ السنه ونشرها بين العامة من المسلمين ..
بارك الله فيك فضيلة الشيخ
جزاكم الله خيرا .