العنوان : الحث على التواضع ونماذج من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم
أما بعد:
فإن التواضع من أجلّ مكارم الأخلاق أمر الله به وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم وكان إمامَ الناس في التواضع مع كونه سيدَ ولدِ آدم صلوات الله وسلامه عليه.
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [المائدة: 54] وقال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم لنقتدي به {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159]
ونهى سبحانه وتعالى عن أضداد التواضع من الكبر والعجب والخيلاء فقال تعالى {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمان: 18، 19]
أي لا تصد بوجهك عمن تكلمه احتقاراً له وتكبراً عليه، ولا تمش مِشية المتكبرين بل امش بهَون وتواضع.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتواضع فقال في خطبته : ” أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا”..
ثم قَالَ: “وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ”
ثم قال : “«وَإِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» رواه مسلم.
وبشّر المتواضعين بالرفعة فقال صلى الله عليه وسلم : ” ما نَقصت صدقَةٌ مِنْ مالٍ، وما زادَ الله عبْداً بِعَفْوٍ إلا عِزّاً، وما تَواضَع أحَدٌ لله إلا رفَعَهُ الله” رواه مسلم. وبشّر المتواضعين بالجنة فقال صلى الله عليه وسلم “مَنْ ماتَ وهو بريءٌ مِنَ الكِبْرِ والغُلولِ والدَّيْنِ دخَلَ الجَنَّةَ” رواه الترمذي وصححه الالباني.
وتوعد المتكبرين فقال صلى الله عليه وسلم «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: ” قال الله عز وجل: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما، قذفته في النار» رواه أبو داود.
وكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعاً مع أنه لا أحدَ أعظمَ منه منزلة عند الله تعالى ومن صور تواضعه أنه كان يجيب دعوة من دعاه ولو كان فقيراً أجاب دعوة جدة أنس ففرشوا له حصيراً قد اسوّد من طول ما لُبس أي من طول ما استُعمل فصلى عليه. وزار عبد الله بن عمرو في بيته فطرح له وسادة فأبى أن يجلس عليها وجلس على الأرض.
وكان يركب الحمار، وإذا مر بالصبيان سلم عليهم وربما حمل بعضهم معه على دابته بعضهم أمامه وبعضهم خلفه، وجلساؤه المؤمنون ولو كانوا فقراء. مماليك أو عتقاء. وكان يأكل على الأرض جالساً غير متكئ. وكان في بيته في مهنة أهله يخصف نعله ويخيط ثوبه ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين ليشفع لهم أو يقضي حوائجهم. وكان مع أصحابه على أكرمَ ما يكون الصاحب مع صاحبه قال عثمان رضي الله عنه : “إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في السفر والحضر وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا ويغزو معنا ويواسينا بالقليل والكثير” رواه أحمد.
فصلى الله عليه وسلم وتسليماً ورزقنا حسن الاقتداء به فخيرُ الأخلاق أخلاقُه وخيرُ الهدي هديُه صلى الله عليه وسلم . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب: 21] أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فإن من الصفات السيئة التي يبتلى بها بعض الناس الكبر والفخر وقد سمعتم خطر الكبر وأن مثقال ذرة منه في القلب تدخل العبد النار وتمنعه من دخول الجنة فكيف بمن كان في قلبه من الكبر أمثال الجبال.
ومن الكبر ردُ الحق ورفضُه ، الكبر احتقار الناس وازدراؤهم قال صلى الله عليه وسلم (الكبر بَطَرُ الحق وغَمْطُ الناس).
فلتحذر أيها المسلم المؤمن من احتقار الناس لأي سبب كان لا تحتقر أحداً لقبيلته ولا لجنسيته ولا للغته ولا لفقره ولا لجهله ولا للونه فإن هذه كلها لا ينظر الله إليها قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13] وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) } [الحجرات: 11]
وإن من المهم هو أن نربي أبناءنا على هذه الآداب الكريمة وأن نغرس فيهم حب التواضع وبغض الكبر والفخر والغرور كما ربى لقمان ولده على ذلك. فالتربية لها الأثر البالغ.
ولا ينفع أن تنهى ولدك عن الكبر وهو يراك تمارسه مع من هو دونك من خادم أو عامل فإن القدوة بالعمل أشد تأثيراً من التوجيه بالقول.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين..