العنوان : الثبات بعد رمضان
الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرض والسماوات، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ من سارعَ إلى الخيرات، واستقام على الطاعات ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أهل التقوى والصالحات.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: أُوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-؛ فهي سببُ الفلاح، و الفوز في الدنيا وفي الآخرة: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 52].
إخوة الإسلام: لقد أمرنا الله بالاستقامة على الطاعة والتقوى، فقال جل وعلا-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا) [هود: 112].
وجاء سُفيانُ بن عبد الله الثَّقَفي إليه -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: أوصِني، فقال: “قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم”. رواه مسلم.
وصيتان في القرآن والسنة تكفل العِيشةَ الرضيَّة، وتضمنُ الحياةَ الطيبة والسعادة الأبدية، يقول ربُّنا -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأحقاف: 13، 14].
فيا إخوة الإسلام: إنه ينبغي على من تفضَّل الله عليه بالمُسارعة إلى الخيرات في رمضان أن يحمَد الله -جل وعلا- وأن يشكُره حقَّ الشكر، ثم عليه أن يسير على الطريق المستقيم، وأن يزداد تقرُّبًا إلى المولى العظيم، وأن يكون حذِرًا أشدَّ الحَذَر من نقض غزله وتهديم بنائه وتخريب عمله بيده فإن الحسنة قد تذهبها السيئات إذا كثرت أو عظمت فيخف ميزان الحسنات ويثقل ميزان السيئات فيهلك العبد في جهنم والعياذ بالله
في صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من كانت عنده مظلمةٌ لأخيه من عِرْضٍ أو من شيءٍ فليتحلَّلْهُ منه اليوم قبل أن لا يكون درهمٌ ولا دينار، إن كان له عملٌ صالحٌ أُخِذ منه بقدرِ مظلَمَته، وإن لم يكن له حسناتٌ أُخِذ من سيئاتِ صاحبه فحُمِل عليه”.
وفي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن المُفلِسَ من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وضربَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنِيَت حسناتُه قبل أن يُقضَى ما عليه أُخِذ من خطاياهم فطُرِحَت عليه، ثم طُرِح في النار”.
فالتقصير في حقوق الله بترك أوامره واجتناب نواهيه والإساءة إلى الخلق بظلمهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم كل ذلك من أسباب خسارة العبد لصالح أعماله ورصيد حسناته.
فحافظوا على دينكم بالاستقامة على الطاعة بعد رمضان كما كنتم في رمضان أو أشد كما قال تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99]. وفي الحديث (الأعمال بالخواتيم)
بارك الله لنا في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما، أقولُ هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله أفضلُ الخلق أجمعين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اعمُروا أوقاتَكم بطاعة الله -جل وعلا-، ولا تشغلنَّكم مطالبُ الحياة الفانية عن حقائق الآخرة الباقية؛ فإن الفلاحَ والظَّفَر إنما هو في الاستقامة على طاعة الله -جل وعلا- إلى الممات، كما كان عليه نبيُّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ثم إنه قد صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “من صامَ رمضان ثم أتبَعهُ ستًّا من شوَّال فكأنما صامَ الدهر كلَّه”.
ولهذا ذهب جمهورُ أهل العلم إلى استحبابِ صيام ستٍّ من شوَّال، سواءٌ أكانت مُتفرِّقةً أم مُتتابِعة، إلا أنه من كان عليه صومٌ واجبٌ فإنه لا ينبغي أن يُقدَّم عليه غيرُه من التطوُّعات؛ لما عليه قاعدةُ الشريعة: أن الواجبَ أَوْلَى وآكَد من غير الواجب.
ثم إن الله -جل وعلا- أمرنا بأمرٍ عظيم، ألا وهو: الصلاة والتسليم على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا ونبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والآلِ أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم احفظنا واحفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماء المسلمين في جميع الأماكن والأزمان.
اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وأصلح لهم البطانة . ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار..
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.