العنوان : التعليقات المختصرة على لامية ابن تيمية رحمه الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فهذه تعليقات مختصرة على لامية شيخ الإسلام ابن تمية كتبتها على حلقات مختصرة لبعض الإخوة في تطبيق الواتساب ، وقد رأيت نشرها لتعم بها الفائدة والله الموفق.
- يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي … رزق الهدى من للهداية يسأل
في هذا البيت:
يخاطب شيخ الإسلام من سأله مستفسرا عن عقيدته التي يدين الله ويجزم بها دون شك أو تردد وقبل أن يجيب السائل دعا الله له أن يرزقه الهداية لأن القلوب بيد الله يهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله.
- اسمع كلام محقق في قوله… لا ينثني عنه ولا يتبدل.
يقول: أيه السائل اسمع الجواب من رجل محقق ، والمحقق هو من يثبت المسألة بدليلها ، ثم أخبر عن نفسه أنه عازم على ثباته على هذه العقيدة حتى يموت لا يرجع عنها ولا يستبدل بها غيرها وهكذا يجب على المسلم أن يعزم على الثبات على الاستقامة حتى يموت.
3- حب الصحابة كلهم لي مذهب ومودة القربى بها أتوسل
يقول رحمه الله : مذهبي حب الصحابة كلهم.
والصحابة جمع صحابي وهو: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ولو لحظة مؤمنا به ومات على الإسلام.
وحب الصحابة واجب شرعي وهو علامة على الإيمان كما أن بغضهم علامة على النفاق والعياذ بالله.
فإنهم أول هذه الأمة إيماناً بالنبي صلى الله عليه وسلم وتصديقاً به وجهاداً معه، حفظوا لنا الكتاب والسنة وبلغوها كاملة غير منقوصة، وهم خير القرون لم يبدلوا ولم يحدثوا في دين الله كما قال صلى الله عليه وسلم (خير الناس قرني).
وطريقة الكفار هي بغض الصحابة وعداوتهم وعيبهم وامتلاء قلوبهم بالحقد عليهم والغيظ منهم كما قال تعالى (ليغيظ بهم الكفار) ، وشابههم الرافضة والخوارج فأبغضوا كثيراً من الصحابة وعادوهم وسبوهم وكفروهم واستحلوا دماءهم والعياذ بالله.
فعلى المسلم محبة الصحابة وتوقيرهم وإجلالهم والترضي عنهم وسلامة القلوب والألسن تجاههم كما قال تعالى (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)
كما عليه اجتناب الغلو ومجاوزة الحد الشرعي في أحد منهم قال صلى الله عليه وسلم (إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين).
وبدأ الناظم بالصحابة لأن مصدر العقيدة هو الكتاب والسنة، وهم أعلم الناس بهما وأفقههم فيهما فمن ابتغى الهدى فعليه بحبهم والاقتداء بهم واتباع آثارهم كما قال تعالى (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) وكما قال صلى الله عليه وسلم في بيان الفرقة الناجية (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي).
ثم قال الناظم: (ومودة القربى بها أتوسل)
أي أتقرب إلى الله تعالى بحب قرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، والقرابة هم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهم أزواجه أمهات المؤمنين ، وذريته، وقرابته كعمه العباس وبنيه وعمه حمزة وذريته، وأبناء عمه أبي طالب وهم جعفر وعلي وعقيل. وذريتهم..
فمحبتهم لسببين:
أولهما : محبتهم بسبب إيمانهم فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.
وثانيهما : محبتهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنزلتهم منه. قال تعالى (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) قيل معنى الآية : لا أسألكم إلا أن تحفظوني في قرابتي وتحسنوا إليهم وتبروهم. وقال أبو بكر الصديق (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته) أخرجه البخاري .
وضل في أهل البيت طائفتان طائفة غلت فيهم وجاوزت الحد الشرعي وهم الشيعة والرافضة
وطائفة فرّطت في حقهم وهم الناصبة فأبغضوا علي بن أبي طالب وأهل البيت وعادوهم
وهدى الله أهل السنة فوفقهم للحق وهو محبتهم وتوقيرهم وحفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم فيه مع اجتناب الغلو والإفراط في أحد منهم.
فائدة: التوسل بأهل البيت والصالحين ثلاثة أنواع:
الأول: توسل مشروع وهو التقرب الى الله بمحبتهم في الله، لأنه من صالح عمل العبد. وكذا بطلب الدعاء من الصالح الحي الحاضر عند الحاجة كما توسل عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء فقام العباس ودعا ربه فسقاهم الله.
الثاني: توسل مبتدع، وهو التقرب إلى الله بذواتهم أو بجاههم أو بحقهم كأن يقول اللهم إني أسألك بفلان أو بجاه فلان أو بحق فلان.
الثالث: توسل شركي مخرج من الملة وهو دعاء الموتى والصالحين والاستغاثة بهم والذبح والنذر لهم سواء قصد النفع منهم أو قصد أن يكونوا وسطاء بينه وبين الله فإن هذا هو معتقد المشركين الأولين كما قال تعالى ({وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3] وقال تعالى ({وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18] فسماهم كفاراً وسمى عملهم هذا شركاً.
4- ولكلهم قدر قد علا وفضائل لكنما الصديق منهم أفضل
يقول: ولكل صحابي منزلة علية، وفضيلة شريفة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثلَ أُحدٍ ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه)
وهم يتفاوتون في الفضل فأفضلهم على الإطلاق أبو بكر الصديق. فهو ثاني اثنين في الغار مع النبي صلى الله عليه وسلم لا ثالث لهما إلا الله، وهو أول رجال هذه الأمة إسلاماً، وقد استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته ليصلي بالناس فدل على أنه خيرهم وأفضلهم، وأجمع الصحابة على تقديمه على سائر الأمة فبايعوه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومناقبه كثيرة وفضائله جمة غزيرة رضي الله عنه.
ويعتقد أهل السنة والجماعة أن أفضل الأمة بعد أبي بكر عمر الفاروق ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم جميعاً.
5- وأقول في القرآن ما جاءت به آياته فهو الكريم المنزل
الشرح: يقرر الناظم في هذا البيت عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن بأنه كلام الله منزل غير مخلوق.
فإن القرآن كلام الله كما قال تعالى (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام) يعني القرآن. تكلم الله به وسمعه منه جبريل ونزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء: 192 – 195]
والله يتكلم متى شاء بما شاء كلاماً حقيقياً بصوت وحروف يسمعه من شاء من خلقه لا يشبه كلامه كلام المخلوقين. لأن الله (ليس كمثله شيء).
والذين قالوا بخلق القرآن زعموا أن الله لا يتكلم _تعالى لله عما يقولون علوا ً كبيراً _ حيث نفوا عن الله ما أثبته لنفسه، وشبهوا ربهم بالجمادات الصماء، والحيوانات العجماء، ومن لا يتكلم لا يصلح أن يكون إلهاً معبوداً فإن الله ذم اليهود لعبادتهم العجل وهو لا يتكلم كما قال تعالى (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ) [الأعراف: 148] وقال تعالى عن السامري{فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا } [طه: 88، 89]
فمن نفى عن الله صفة الكلام لزم على كلامه أن الله لا يصح أن يكون إلهاً معبوداً والعياذ بالله.
6- وأقول قال الله جل جلاله والمصطفى الهادي ولا أتأول
7- وجميع آيات الصفات أمرها حقا كما نقل الطراز الأول
8- وأرد عهدتها إلى نقالها وأصونها عن كل ما يتخيل
يقول الناظم رحمه الله: إن من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بما جاء في الكتاب والسنة مما يتعلق بصفات الله وأمر الغيب كالميزان والصراط ونعيم الجنة وعذاب النار على حقيقتها لأن معانيها معروفة في لغة العرب وهي اللغة التي خاطبنا الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأما كيفية هذه الصفات وما جرى مجراها من الغيبيات فلا نعلمه ولا نخوض فيه ولا نسأل كيف هو كما قال الإمام مالك لما سأله السائل كيف استوى الله على العرش فقال له : (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة).
وقد ضل في هذا الباب طوائف، ومنها:
طائفة تشبه الله بخلقه فتقول يد الله كايدينا ووجهه كوجوهنا ونزوله كنزولنا الخ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا قال تعالى (ليس كمثله شيء) وقال تعالى (ولم يكن له كفوا احد) وقال تعالى (هل تعلم له سميا) أي مثلا وندا.
وطائفة تعطل صفات الله تعالى فتنفي عن الله ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
وطائفة تثبت ولكنها تؤول صفات الله فتثبت لله اليد ولكن تؤول اليد بالقدرة أو النعمة وتثبت الغضب والرضا ولكنها تؤولها بإرادة الثواب أو العقاب وهكذا تفعل في أكثر الصفات الإلهية.
وكلها فرق ضالة وطوائف منحرفة عن الصراط المستقيم الذي كان عليه الطراز الأول أي الجماعة الأولى وهم أصحاب رسول الله ومن تبعهم بإحسان.
9- قبحا لمن نبذ القُرَان وراءه واذا استدل يقول قال الأخطل.
التعليق:
يشنع الناظم ويوبخ من عطل الصفات وتأولها على غير معانيها الصحيحة بدعوى تنزيه الله تعالى وليس هذا بتنزيه بل هو تعطيل فالتنزيه الصحيح هو أن ينفي المسلم عن الله ما نفاه سبحانه وتعالى عن نفسه أو نفاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم كما نزه الله نفسه عن مماثلة المخلوقين فقال (ليس كمثله شي) وكما نزه نفسه أن يكون له ولد أو والد فقال (لم يلد ولم يولد) وكما نزه نفسه عن الظلم فقال (وما ربك بظلام للعبيد) فهذا هو التنزيه الصحيح.
ولكن الجهمية وتلاميذهم ومن سار في فلكهم لم يأخذوا العقيدة في الله عن الكتاب والسنة وإنما أخذوها عن كتب الفلاسفة وعن العقول والأفكار فألحدوا في اسماء الله وعطلوا صفاته سبحانه ثم إذا طولبوا بالدليل عن الصفة التي عطلوها والتأويل الذي تأولوه لم يأتوا بدليل صحيح أو باستدلال صحيح وإنما يستدلون بحجج ضعيفة متاهفتة وإليك مثالان لما قاله الناظم رحمه الله:
المثال الأول: أن الله تعالى وصف نفسه في سبع آيات أنه استوى على العرش فأنكرت الجهمية ومن سلك مسلكهم صفة الاستواء وقالوا إن معنى الاستواء في الآيات الاستيلاء أي أن الله قهر العرش واستولى عليه ثم استدلوا على هذا التأويل والتحريف ببيت منسوب إلى شاعر نصراني يقال له الأخطل وهو (قد استوى بِشْرٌ على العراق من غير سيف ودم مهراق) مع أن الاستواء في لغة العرب له أربعة معان: هي العلو والارتفاع والصعود والاستقرار. فليس فيها الاستيلاء.
وهذا البيت لا يعرف قائله حقيقة. وللبيت لفظ آخر يوافق اللغة العربية وهو (بشر قد استولى على العراق). فانظر كيف يترك المعطلة والمؤولة الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة ويتشبثون ببيت لا يعرف من قاله ولا يوافق لغة العرب التي نزل بها القرآن.
ولو كان الاستواء من معانيه الاستيلاء لما صح تفسير استواء الله على العرش بالاستيلاء لأن المعنى يكون لم يكن العرش قبل خلق السموات والأرض تحت سلطان الله وملكه وقهره ثم قهره واستولى عليه وهذا محال فما من شي في الارض ولا في السماء صغر أو كبر إلا وهو في ملك الله وتحت قهره وأمره سبحانه وتعالى.
المثال الثاني: أن الأشاعرة يثبتون لله الكلام النفسي فقط يعني المعاني دون الألفاظ، وينفون أن الله يتكلم بصوت وحرف يسمعه من شاء الله من خلقه. فحروف القرآن وكلماته هي من جبريل أو من محمد صلى الله عليه وسلم قالاها تعبيراً أو حكاية عن كلام الله الذي في نفسه. وما دليلهم مع أن القرآن والسنة والعقل السليم كلها متظافرة على أن الله يتكلم بكلام حقيقي بحرف وصوت كما يليق بجلاله وكماله قالوا الدليل بيت الأخطل النصراني :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
فانظر كيف يتركون الآيات والأحاديث والدلائل والحجج والبينات التي تقرر أن الكلام هو اللفظ بصوت وحرف وأن الله يتكلم حقيقة وأن القرآن والتوراة والانجيل والزبور كلامه وأن يقضي بالأمر بما يشاء .. انظر كيف يتركون ذلك كله ثم يتعلقون ببيت شاعر نصراني الله أعلم بحقيقة ضبطه ولفظه لأنه قد جاء في بعض نسخ ديوانه (إن البيان من الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا).
فالحمد لله الذي وفق أهل السنة لأخذ دينهم وعقيدتهم من كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم فهدوا إلى الصراط المستقيم وعصموا من الزيغ والضلال المبين.
قال الناظم رحمه الله:
10- والمؤمنون يرون حقاً ربهم وإلى السماء بغير كيف ينزل
في الشطر الأول من البيت يقرر الناظم نظر المؤمنين لربهم في الآخرة، فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة من فوقهم، كما قال تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) فلما كشف عنها الحجاب ونظرت إلى ربها بعيونها التي في وجوهها ألبس الله وجوههم نضرة النعيم. وقال تعالى عن المشركين (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فلما حجب أعداءه علمنا أنه لا يحجب أولياءه وإلا لكانوا سواء.
وقال تعالى (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) فزادهم الله على إدخالهم الجنة أن يكشف الحجاب فينظرون إليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه .
وعن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إنكم سترون ربكم عيانا) رواه البخاري، وفي لفظ (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة – يعني البدر – فقال: «إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: «هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب» قالوا: لا، قال: ” فإنكم ترونه كذلك) متفق عليه.
ورؤية الله لا تكون إلا في الآخرة لأن الخلق في الدنيا لا يتحملون رؤيته ولذلك لما سأل موسى عليه السلام ربه أن يراه بين له أنه لا يستطيع أن يراه بدليل أن الجبل الصلد الصلب وهو أقوى من البشر لا يتحمل رؤية الله لو تجلى له فكيف تطيق أنت رؤيته قال تعالى (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا، وخر موسى صعقاً).
وقد ضلت طوائف من أهل البدع فأنكرت الرؤية وردت الأحاديث وحرفت معاني الآيات والعياذ بالله فمنهم من يقول إن الله لا يرى ومنهم من يقول يرى ولكن من غير جهة وهو يلتقي مع الأول في النتيجة وهي نفي الرؤية، نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله أن يجعلنا من أهل الجنة وأن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه الكريم.
10 – ………………….. وإلى السماء بغير كيف ينزل.
تقدم شرح الشطر الأول وهو : والمؤمنون يرون حقا ربهم ، وفي الشطر الثاني يقرر صفة كريمة من صفات الله جل وعلا وهي أنه ينزل إلى السماء الدنيا ، كما جاء في الأحاديث الصحيحة الكثيرة المخرجة في الصحيحين وغيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فينادي “هل من مستغفر ؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر” وأكثر الروايات أن النزول الإلهي يكون في الثلث الأخير وفي بعضها إذا ذهب شطر الليل.
والله عز وجل يفعل ما يشاء متى يشاء سبحانه فإنه ينزل إلى السماء الدنيا كما ثبتت به السنة ويجي يوم القيامة للفصل والقضاء بين العباد في كما القرآن والسنة (وجاء ربك والملك صفاً صفاً) (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام).
ولكل أهل بلد حكمهم الخاص بهم فمن كان عليهم ثلث الليل الأخير فهو وقت التنزل الإلهي في حقهم، ولا يقال إن الثلث الأخير لا ينقطع عن الدنيا لحظة ومعنى ذلك أنه يلزم أن يكون الوقت كله وقت تنزل فإن النبي صلى الله عليه وسلم نص فقال (حتى ينفجر الفجر) والله لا يقاس بخلقه ولا تشبه أفعاله أفعال خلقه (ليس كمثل شيء وهو السميع البصير).
وقد أنكر أهل البدع نزول الرب جل وعلا، وقالوا لو اثبتنا النزول لشبهنا الله بالمخلوق لأن المخلوق ينزل والله ليس كمثله شيء.
وهذه حجة ضعيفة اضعف وأوهى من بيت العنكبوت. فإن الله تعالى أخبرنا أنه ينزل ولم يخبرنا كيف ينزل فنحن نؤمن بنزوله وإن كنا لا نعرف كيفية نزوله.
فنحن موجودون والله موجود فهل ننفي عن الله الوجود بدعوى أن ذلك يستلزم التشبيه ، ستقولون : (لا) بل له وجود يليق بجلاله ولنا وجود يليق بضعفنا ونقصنا. فيقال : كذلك فقولوا في النزول لله نزوله اللائق به كما أن لنا نزولنا الذي يلائم حالنا..
ثم إن النزول في حق المخلوقين يختلف ويتفاوت فنزول المطر غير نزول الطائرة ، ونزول الأسعار غير نزول مقدار الحب والبغض في القلب ، ونزول الضغط والسكر غير نزول الإنسان من السلم والدرج.
فهذا تفاوت عظيم في كيفية النزول بين هذه المخلوقات مع كونها كلها مخلوقة فكيف يقال إن إثبات النزول للخالق يلزم منه تشبيهه بالمخلوق.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه والتمسك بسنة نبيه وأن يوفقنا لاغتنام أوقات التنزل الإلهي لنعمرها بالصلاة والذكر والدعاء إنه سميع مجيب.
11- وأقر بالميزان، والحوض الذي أرجو بأني منه ريا أنهل
يقرر الناظم في أول هذا البيت عقيدة أهل السنة والجماعة في شأن من شوؤن الآخرة وهو الميزان الذي يضعه ربنا جل وعلا في ذلك اليوم لإظهار عدله بين عباده ، وهو الحكم العدل سبحانه و لو لم يزن أعمالهم.
وهو ميزان عظيم له كفتان توزن في أعمال العباد من خير وشر ، وتوزن فيه صحائف الأعمال، و يوزن فيه العبد نفسه ولله في ذلك الحكمة البالغة.
ومن أدلة الميزان قوله تعالى ({وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 8، 9] وقوله تعالى (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ } [القارعة: 6 – 11]
ومن أدلة السنة على الميزان حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: «أنا فاعل» قال: قلت: يا رسول الله فأين أطلبك؟ قال: «اطلبني أول ما تطلبني على الصراط» . قال: قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: «فاطلبني عند الميزان» . قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: «فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن» : «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه» أخرجه الترمذي وقال حسن غريب وصححه الألباني.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ” كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده ” متفق عليه من حديث أبي هريرة وهو آخر حديث في صحيح البخاري. وفي هذا الحديث وزن العمل نفسه.
وقوله صلى الله عليه وسلم ” إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرءوا، {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} [الكهف: 105] ” متفق عليه من حديثه أيضاً. وفي هذا الحديث وزن العامل.
وحديث صاحب البطاقة فيه دليل على وزن صحائف الأعمال.
ويجيء الميزان في القرآن والسنة مفرداً ومجموعاً (ميزان) و (موازين) ولا تعارض بينها فالإفراد لكونه ميزاناً واحداً، والجمع باعتبار كثرة ما يوزن فيه .
اللهم اجعلنا ممن ثقلت موازنيه فكان من المفلحين، ولا تجعلنا ممن خفت موازينه فكان من الخاسرين.
11- وأقر بالميزان، والحوض الذي أرجو بأني منه ريا أنهل.
تقدم في الحلقة السابقة الكلام على الميزان، وفي هذه الحلقة يختص الكلام بالحوض.
والحوض في اللغة: مجمع الماء وأصل اشتقاقه من حِضْت المَاء أحوضه حوضا إِذا جمعته..
وللنبي صلى الله عليه وسلم حوض عظيم في عرصات القيامة عرضه شهر وطوله شهر وعدد آنيته مثل نجوم السماء كثرة. قال صلى الله عليه وسلم : «إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن» متفق عليه من حديث عقبة بن عامر. ومعنى فرطكم : أي سابقكم إليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي« متفق عليه.
وعن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله ما آنية الحوض قال: «والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، ألا في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه، يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل» أخرجه مسلم.
والإخبار عن كثرة أنيته _حتى إنها أكثر من عدد النجوم في الليلة المظلمة التي لا قمر فيها فإن النجوم تبدو فيها أكثر من الليلة التي فيها قمر_ دليل على أن من ورده يشرب منه بيده وليس في الأحاديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسقي أحداً من أمته بيده الشريفة وعليه فلا يشرع الدعاء المشهور عند الناس (اللهم اسقنا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبداً) لعدم الدليل عليه.
ويرد الحوض ويشرب منه كل من اتبعه فلم يحدث في دين الله وأما من بدلوا وأحدثوا فإن الملائكة تصدهم عنهم كما قال صلى الله عليه وسلم :” أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك” ومعنى يختلجون أي يجذبون ويسحبون”. والمقصود بهم من ارتد بعد موته وقتل أو مات مرتداً والعياذ بالله.
ومن أسباب ورود الحوض الصبر على جور الحكام وظلمهم وترك الخروج عليهم _بغير حق_ كما قال صلى الله عليه وسلم للأنصار : «فإنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» متفق عليه من حديث أنس. وبنحوه عندهما من حديث عبد الله بن زيد.
والنبي صلى الله عليه وسلم.
اللهم إنا نسألك الثبات على السنة، وورود حوض نبيك والشرب منه، اللهم لا تردنا عنه برحمتك يا أرحم الراحمين.
12- وكذا الصراط يمد فوق جهنم …. فمسلّم ناج وآخر مهمل
الصراط : جسر ينصب يوم القيامة على متن جهنم ، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : “ويضرب الصراط بين ظهري جهنم”. متفق عليه.
وفي شأن الصراط يقول تعالى (وإن منكم إلا واردها) قال ابن مسعود : “يَرِدُ الناس جميعا الصراط، وورودهم قيامهم حول النار، ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم”.
وهذا الصراط يمر الناس عليه على قدر أعمالهم. فمنهم من يمر عليه كالبرق ، أي لا يبقى على الصراط الا بمقدار ما يلمع البرق في السماء، ومنهم من يمر عليه كالريح ومنهم من يمر كأجاويد الخيل ومنهم دون ذلك حتى إن منهم من يزحف ، روى أحمد والنسائي في السنن الكبرى عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “فيمر منهم مثل البرق، وبعضهم مثل الفرس المضمّر، وبعضهم يسعى، وبعضهم يمشي، وبعضهم يزحف” الحديث.
والسرعة في ذلك اليوم لا علاقة لها بالقوة الجسدية في الدنيا وإنما العبرة بالإيمان والعمل الصالح قال صلى الله عليه وسلم (تجري بهم أعمالهم) أخرجه مسلم.
و دون الصراط ظلمة يكون الناس فيها فيعطهم الله نورا على قدر إيمانهم وأعمالهم الصالحة والصراط نفسه فيه ظلمة لذا لا يجوزه إلا من كان معه نور يهديه الله في طريقه ذلك ، قال تعالى: (يسعى نورهم بين أيديهم) قال ابن مسعود في تفسيرها : ” على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة ومنهم من نوره مثل الرجل القائم وأدناهم نورا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة”.
ومن مكر الله بالمنافقين وخداعه لهم _ والمكر والخداع بمن يستحقه محمود غير مذموم_ كما قال تعالى (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) وقال تعالى (يخادعون الله وهو خادعهم) أن المنافقين يعطون شيئاً من النور حتى إذا دنوا من الصراط وكان أشد شيء حاجة إلى النور انطفأ نورهم والعياذ بالله فيقولون للمؤمنين (انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً) فيرجعون بحثاً عن النور فيضرب بينهم بسور يحول بينهم وبين الجنة فيهلكون في النار والعياذ بالله كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “ويعطى كل إنسان منهم منافقا، أو مؤمنا نورا، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون” الحديث.
وعلى جانبي الصراط تقوم الأمانة والرحم كما في صحيح مسلم ، ومعنى ذلك أنهما يطالبان بحقهما فمن قام بهما سلم ومن ضيعهما أهلكتاه في جهنم والعياذ بالله.
وعلى حافتي الصراط كلاليب تخطف من أمرت بخطفه ممن عصى فترك المأمور أو فعل المحظور.
ويقوم على الصراط النبي الكريم الرحيم بأمته المشفق عليهم صلوات الله وسلامه عليه فيناشد ربه قائلاً : “رب سلم سلم”.
ولله عز وجل صراطان صراط في الدنيا وهو دينه وشرعه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وصراط في الآخرة وهو الجسر المنصوب على متن جهنم . فمن استقام على صراطه في الدنيا أعانه الله وثبته ويسر له المرور عليه والنجاة من أهواله ومن ضيع الصراط في الدنيا خذل في ذلك اليوم بقدر ما ضيع وفرّط.
فنسأل الله أن يثبتنا على الصراط المستقيم في الدنيا، وأن يثبتنا على الصراط في الآخرة وأن يرزقنا السلامة فيه إنه كريم رحيم مجيب الدعاء.
13- والنار يصلاها الشقي بحكمة…. وكذا التقي إلى الجنان سيدخل
يقرر الناظم في هذا البيت أن الجنة حق وأن النار حق ، وأن النار دار الأشقياء والجنة دار الأتقياء السعداء.
كما قال تعالى : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) } [هود: 105 – 108]
فالنار يصلاها الشقي كما قال تعالى (لا يصلاها إلا الاشقى الذي كذب وتولى) وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا } [النساء: 56]
ودخول النار على نوعين:
الأول: دخول مؤبد وهو في حق من مات على الكفر الأكبر والشرك الأكبر، أو الظلم الأكبر أو الفسوق الأكبر أو النفاق الأكبر قال تعالى (إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا) وقال تعالى (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة: 167]
الثاني: دخول مؤقت ، وهو في حق من دخلها من عصاة الموحدين، فيخرجون منها بعد انتهاء المدة التي قدرها الله لهم فيها ثم يخرجهم بشفاعة الشافعين من الملائكة والأنبياء والمؤمنين أو بمحض فضله، فيخرجون فحما قد احترقوا فيلقون في نهر الحياة ثم ينبتون ثم يدخلهم الله الجنة كما جاء في أحاديث الشفاعة ومنها حديث أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم – أو قال بخطاياهم – فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما، أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة، أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحِبّة تكون في حَميل السيل ” متفق عليه. ومعنى ضبائر أي جماعات. والحبة بكسر الحاء اسم لبزور البقول والأعشاب البرية. وحميل السيل أي ما يحمله من الطين وغيره فتكون فيه الحبة فتنبت على شاطئ الوادي.
وأما دخول الجنة فهو نوع واحد إذ كل من يدخلها يدخلها دخولا مؤبدا لا خروج بعده والحمد لله على فضله كما قال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122) [النساء: 122، 123] وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البينة: 7-8]
والمتقون هم الذين اجتنبوا الشرك وأخلصوا الدين لله وكذا اجتنبوا ما نهى الله عنه، وفعلوا ما أمر الله به حسب استطاعتهم. قال تعالى (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: 14 – 17]
وعن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن سرق، وإن زنى، قال: وإن سرق، وإن زنى ” متفق عليه ، وفي الصحيحين أيضاً عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وحق العباد على الله أن لا يعذب من مات لا يشرك بالله شيئاً).
14- ولكل حي عاقل في قبره ….عمل يقارنه هناك ويسأل.
يقرر الناظم رحمه الله في هذا البيت مسألة من مسائل الغيب مما يكون في عالم البرزخ وهي المدة بين الموت وبين البعث والنشور، وذلك أن العبد إذا حمل إلى قبره تبعه في الغالب أهله وماله (مثل سيارته التي يحمل فيها أو يأتي فيها ولده، ومثل بشته أو لحافه الذي يوضع على نعشه ونحو ذلك) وقد لا يتبعه أهل ولا مال. وإنما يتبعه عمله فقط. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : «يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» متفق عليه.
ثم تختلف حال أهل القبور فأما العبد المؤمن فإذا وضع في قبره ردت إليه روحه فيأتيه “ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقولان له وما علمك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادى مناد في السماء ان صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه يجئ بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي”
وأما العبد الكافر أو الفاجر فيأتيه “ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدري فينادى مناد من السماء ان كذب فافرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه يجئ بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة” رواه أحمد في مسنده من حديث البراء بن عازب.
15- هذا اعتقاد الشافعي ومالك ….وأبي حنيفة ثم أحمد ينقل
16- فإن اتبعت سبيلهم فموفق ….وان ابتدعت فما عليك معول
يقرر الناظم أن هذه القضايا العقدية التي نظمها ليست عقيدة من عند نفسه ولكنها عقيدة مأخوذة من الكتاب والسنة فهي مبنية على الاتباع لا على الاجتهاد والابتداع لذا توارثها السلف الصالح جيلاً بعد جيل لا يختلفون فيها لأن المصدر واحد وقد نص على بعض أئمة الإسلام وهم الأئمة الأربعة المتبعة مذاهبهم الفقهية في أكثر بلاد المسلمين وهم الائمة : أبو حنيفة النعمان المتوفى سنة 150ه ، و مالك بن أنس المتوفى سنة 179هـ ، ومحمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204هـ ، وأحمد بن محمد بن حنبل المتوفى سنة 241هـ .
وهي عقيدة من سبقهم من أئمة السنة وعقيدة من جاء بعدهم، ومن أراد السلامة والسعادة فعليه أن يسلك سبيلهم ويقتفي اثرهم، وما غلط فيه الفرد والواحد من الأئمة وأهل العلم فلا يتابع في غلطه كما غلط الأحناف في تعريف الإيمان فأخرجوا منه الأعمال.
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في دينه وأن يثبتنا على الإسلام والسنة وأن يجنبنا طرق الزيغ والبدعة.
ونسأله سبحانه أن يرحم ناظم هذه الأبيات سواء كان شيخ الإسلام ابن تيمة أو غيره فهي منظومة قيمة تقرر ما كان عليه سلف الأمة والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.
جزاك الله خيرا… وبارك فيكم وفي علمكم