جديد الإعلانات :

العنوان : التعليقات المختصرة على حائية ابن أبي داود رحمه الله – 4

عدد الزيارات : 5833

 21- وبالقدر المقدور أيقن فإنه… دعامة عقد الدين والدين أفيحُ

يقرر الناظم في هذا البيت عقيدة أهل السنة والجماعة في القدر :

وألخص الكلام في القدر في العناصر التالية:

1- تعريف القدر:

القدر هو : علم الله بالأشياء وكتابته لها في اللوح المحفوظ ، ومشيئته لها ثم إيجاده لها في مواعيدها التي سبقت في علمه جل وعلا.

وللتوضيح : فقراءتك الآن لهذا التعليق قد علمها الله جل وعلا في الأزل، وقد كتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض، ثم شاء الله وأراد أن تقع، ثم حصلت وكانت في الوقت الذي حُدد وقُدر لها وهو (الآن).

وعلى هذا المثال قِسْ كل شيء يقع في الوجود من خير وشر وإيمان وكفر وطاعة ومعصية ونعمة نقمة وبلاء وعافية وصغير وكبير لا يقع شيء في هذا الوجود في السماء والأرض في الدنيا والآخرة إلا بإذنه ومشيئته وإرادته الكونية القدرية. ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

2- مراتب القدر:  

للقدر أربعة مراتب تضمنها التعريف السابق للقدر وهي المراتب التالية:

المرتبة الأولى: العلم،  فالله بكل شيئ عليم  كما قال تعالى (وكان الله بكل شيء عليماً) وكما قال تعالى (وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً) ، فقد علم سبحانه ما كان في الماضي، ويعلم ما يقع الآن في الحاضر، ويعلم ما سيقع في المستقبل، ويعلم الأشياء التي لن تقع أبداً ، فالكافر بعد الموت يطلب العودة إلى الدنيا ليؤمن كما يزعم ولن يعود إلى الدنيا أبداً وقد أخبر الله أنه لو عاد إلى الدنيا لعاد إلى الكفر كما قال تعالى (ولو رُدّوا لعادوا لما نُهوا عنه).

المرتبة الثانية: الكتابة،  فقد خلق الله القلم وقال له اكتب فكتب القلم في اللوح المحفوظ كل ما هو كائن إلى يوم القيامة. قال تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء). يعني بالكتاب هنا اللوح المحفوظ على الصحيح وليس القرآن.

وقال صلى الله عليه وسلم (إن أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر: ما كان، وما هو كائن إلى الأبد) رواه أبو داود والترمذي واللفظ له من حديث عبادة بن الصامت.

المرتبة الثالثة: المشيئة، وهي الإرادة الكونية القدرية فإذا شاء الله شيئاً فلا بد من وقوعه (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) فلا يمكن أن يقع شيء في ملكه غير ما يريد. فالمعاصي والكفر والشرك والجرائم لا تقع إلا بمشيئته وإرادته وإن كان لا يحبها شرعاً ولا يريدها شرعاً.

ولله مشيئة وللمخلوق مشيئة ولكن مشيئة المخلوق تابعة لمشيئة الخالق كما قال جل وعلا (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ).

المرتبة الرابعة: الخلق والإيحاد فالعالم كله وهو ما سوى الله مخلوق فكل ما في السموات والأرض من ملك وانس وجن _ هم وأعمالهم_ ، وما فيها من دواب ونباتات وجمادات ورطب ويابس وحقير وكبير وحياة وموت كل ذلك مخلوق لله كما قال تعالى (الله خالق كل شيء) وقال تعالى (والله خلقكم وما تعملون).

3- حكم الاحتجاج بالقدر :  

ينبغي أن يعلم أن القدر يحتج به في المصائب فقط كما قال عليه الصلاة والسلام : (فإن أصابك شيء فقل : قدر الله وما شاء فعل)، ولأجل أن يصبر العبد ويسترجع ولا يقنط من رحمة ربه قال تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) [الحديد: 22، 23]

فإن أصابتك مصيبة في نفس أو أهل أو مال فاعتذر بالقدر ، وأن ما شاء الله كان ، وما لم يشاء لم يكن.

وأما في الذنوب والمعاصي فلا يجوز الاحتجاج والاعتذار بالقدر ، بأن يعصى الله ويقول: اللهُ قدّرها علي كما هو حال كثير من الناس.

ويجاب عن هذه الشبهة بما يلي :

  • أن العاصي لم يطلع على الغيب قبل إقدامه على المعصية، فكيف يحتج بشيء لا علم له به.
  • أن العاصي أوتي عقلاً وفهماً يدرك به معاني كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأوتي إرادة يقدر بها على الفعل والترك فإذا عصى الله فإنه يعصيه عالماً بأنها معصية ومختاراً بمحض إرادته غير مكره ، ومن فعل المعصية عالماً بها مختاراً لها متذكراً غير ناس فإنه يستحق العقوبة.
  • أن العاصي يجد من نفسه التفريق بين أفعاله الاختيارية كالقيام والجلوس والأكل والشرب والكلام والصمت ، وبين أفعاله الاضطرارية التي لا اختيار له فيها كارتعاش اليد ونحوها من الحركات (لا إرادية) .
  • أن العاصي لا يسير في حياته على مقتضى هذه القاعدة (الاحتجاج بالقدر) فإنه إذا جاع لا يترك الطعام ويقول : إن قدر الله لي شبعت بلا أكل، ولو اشتعلت نار قريبة منه فإنه لا يجلس ويقول : إن قدر الله لي لم أحترق بل هو يسعى دائماً فيما يرى فيه مصلحته فيأكل إذا جاع ويشرب إذا ظمئ، ويهرب إذا خاف ويتداوى إذا مرض، فكيف يتناقض ويعتذر بالقدر عند المعاصي فقط.
  • المحتج بالقدر في المعاصي لا يرضى بالاحتجاج بالقدر في باب الاعتداء عليه فلو _مثلا_ لطمه شخص بلا سبب ثم قال له : “معذرة فإن الله قدر علي أن ألطمك” . لم يرض بهذا العذر، ولم يقبل به حجة عليه.

تنبيه: آدم عليه السلام لم يحتج بالقدر على المعصية وإنما احتج به على المصيبة:

لما أسكن الله آدم وزجه الجنة نهاهما عن أكل الشجرة فأكلا منها _ وهذه معصية_ ثم أخرجهما الله من الجنة وأهبطهما إلى الأرض _ وهذه مصيبة_ فلما التقى آدم وموسى عاتب موسى أباه على أن أخرج نفسه وذريته من الجنة _ أي عاتبه على المصيبة ولم يعاتبه على المعصية _ فنبه آدمُ موسى أن الله قد قدر عليه قبل أن يخلقه أن يخرجه وبنيه من الجنة ويهبطهم إلى الأرض ، فغلب آدم موسى في الحجة، وهذا نص الحديث بتمامه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى، اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ ” فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فحج آدم موسى، فحج آدم موسى»” متفق عليه.

 

4- هل الإنسان مخير أم مسير :-

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : ” هو مخير ومسير، مخير من جانب لأن الله أعطاه عقلا وأعطاه بصرا وأعطاه أدلة وأدوات ومكنه من الإيمان والعمل، فهو قادر وله إرادة وله مشيئة يقدر أن يتباعد عن المعصية ويقدر أن يطيع وأن يعصي ويقدر أن يتصدق ويقدر أن يمتنع.

وهو مسير من جهة أخرى وهي أنه ليس له مشيئة إلا بعد مشيئة الله ولا اختيار إلا بعد اختيار الله ولا يستقل بالأشياء، فله إرادة خاصة ومشيئة خاصة بعد مشيئة الله وإرادته، ولهذا قال عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الآية. فالإنسان سائر ومسير وميسر لما خلق له”اهـ . مجموع فتاوى ابن باز (3/36).

5- الحذر من الخوض في القدر :

على المسلم أن يحذر في موضوع القدر ، ولا يخوض فيه بغير علم ، ولا يشغل نفسه وتفكيره بـ (لم قدّر الله كذا) فالله لا يسأل عما يفعل سبحانه وتعالى، وجاء في الحديث (إذا ذكر القدر فأمسكوا) أي لا تخوضوا فيه خوضاً بلا علم فيقع منكم تكذيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ويقع منكم ضرب لكتاب الله بعضه ببعض ، ومن آثار هذا الخوض المخالف للكتاب والسنة حصول النزاع والاختلاف في الدين بين المختلفين فيه.

وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه وهم يتنازعون في القدر فغضب واحمر وجهه ونهاهم عن ذلك كما قال عبد الله بن عمرو : :” خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال وكأنما تفقأ في وجهه حَبُّ الرمان من الغضب قال: فقال لهم: مالكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟! بهذا هلك من كان قبلكم” قال _ أي عبد الله:  فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم لم أشهده بما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده”. رواه أحمد وابن ماجه.

و لما خاض ناس في القدر بالجهل وبالهوى تخبطوا في موضوع القدر فمنهم من أنكره وهم القدرية النفاة، ومنهم من أنكر بعضه وأثبت بعضه، ومنهم من غلا في إثباته حتى زعم أن العبد مجبور جبراً على أفعاله وأقواله ليس له فيها اختيار فإذا أطاع الله أطاعه جبراً عنه وإذا عصى الله عصاه جبراً عنه. وكل هذه الأقوال الثلاثة منكر من القول وزور والعياذ بالله.

والحق فيما دل عليه الكتاب والسنة وقرره السلف الصالح عليهم رحمة الله، وسلك بنا سبيلهم هو المعطي من سأله المجيب من دعاه.

 

 

22- ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكرا … ولا الحوض والميزان إنك تنصح

قوله (ولا تنكرنْ _ بتخفيف النون_ جهلاً نكيراً ومنكراً):

أي آمنْ واجزِم بأنّ سؤال الملكين في القبر حق ثبتت به السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الميت إذا وضع في قبره ردت إليه روحه ثم يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك فإذا كان مؤمنا موحداً فإنه : “يقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقولان له وما علمك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادى مناد في السماء ان صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره”.

وأما إذا كان كافراً فاجراً والعياذ بالله فيقول إذا سألاه من ربك : “هاه هاه لا أدري فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدري فينادى مناد من السماء ان كذب فافرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه”. رواه أحمد وغيره.

وقد جاء تسمية هذين الملكين بمنكر ونكير وشيء من صفتهما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  ” إذا قبر الميت – أو قال: أحدكم – أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير..” الحديث رواه الترمذي وقال (حسن غريب). ومعنى أسودان أزرقان أي أنهم سود الألوان، زرق الأعين.

ومما يتعلق بهذه المسألة مسألة عذاب القبر ونعيمه فإن أهل السنة والجماعة يؤمنون بأن الميت سواء قبر أو لم يقبر بأن أكلته السباع أو الطيور في البر أو الحيتان في البحر أو احترق فإن روحه تعذب أو تنعم بحسب حاله في الدنيا.

 

كما قال تعالى عن فرعون وجنوده (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)  [غافر: 45 – 47] فأخبر سبحانه أنهم يعذبون في البرزخ إلى قيام الساعة والعياذ بالله.

وأخبر تعالى عن نعيم الشهداء في البرزخ فقال: ( ولَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 169 – 171]

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته : “اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر” متفق عليه.

وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين يعذبان لأن أحدهما كان يمشي بالنميمة والثاني كان لا يستنزه من بوله ومن شفقته بهما عليه الصلاة والسلام أخذ جريدة نخل رطبة فشقها نصفين وغرز في كل قبر واحدة وقال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا.

وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يفعله غيره لأن جمهور الصحابة لم يفعلوه ولأن عذاب القبر من أمر الغيب والله أعلم.

 

22- ولا تنكرن جهلا نكيراً ومنكراً **** ولا الحوض……………

ثم قرر الناظم وجوب الإيمان بالحوض فقال (ولا الحوض) أي ولا تنكر الحوض، والحوض مجمع الماء . فقد دل عليه الكتاب والسنة المتواترة قال تعالى (إنا أعطناك الكوثر) والكوثر الخير الكثير ، ومنه الحوض كما ثبت في صحيح مسلم عن النبي  صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” أتدرون ما الكوثر؟» فقلنا الله ورسوله أعلم، قال: ” فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم.. ” الحديث.

وسئل أبو برزة أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الحوض فقال : ” نعم لا مرة ولا اثنتين ولا ثلاثا، ولا أربعا، ولا خمسا, فمن كذّب به فلا سقاه الله منه.. ” أخرجه أبو داود.

وهو حوض عظيم جداً عرضه وطوله سواء وقد جاء في الأحاديث وصف تقريبي له أنه ما بين المدينة وصنعاء كما في حديث أنس وحارثة بن وهب، وفي رواية عن أنس أيضاً أنه ما بين صنعاء وأَيْلَة، و في حديث أبي سعيد الخدري : “ما بين الكعبة وبيت المقدس”،  كما في الصحيحين في أحاديث متفرقة.

وقد أحسن الله صفة ماء الحوض لوناً وطعماً وريحاً وبرداً وأثَراً فهو أبيض من اللبن، وأحلى من العسل وأطيب ريحاً من المسك وأبرد من الثلج من شرب منه لم يظمأ بعدها أبداً

فعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحوض: “ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل”.  وعن أبي هريرة عند مسلم أيضاً. وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم “أن ريحه أطيب من المسك.” وعن أبي برزة عن النبي صلى الله عليه وسلم   في صفة الحوض : ” أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج » أخرجه ابن حبان في صحيحه.

وفي هذا الحوض آنية كثيرة جداً عددها كعدد نجوم السماء كما في حديث أنس وعائشة في الصحيحين وغيرها من الأحاديث.

ويصب فيه ميزابان من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورِق أي فضة. كما في حديث ثوبان عند مسلم.

ومنبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده على حوضه كما في الصحيح من حديث أبي هريرة، وقد أطلعه عليه فرآه كما في الصحيحين من حديث عقبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن).

ويسبق النبي صلى الله عليه وسلم أمته على الحوض وفي يده عصا يذود عنه غير أمته ويعرفهم من بين الخلق في ذلك اليوم بآثار الوضوء ففي وجوههم غرة وفي أيديهم وأرجلهم تحجيل أي نور كما في حديث حيفة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (والذي نفسي بيده إني لأذود عنه الرجال كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه” قيل يا رسول الله أتعرفنا، قال: “نعم, تردون علي غُرّا محجلين من أثر الوضوء, ليست لأحد غيركم)

ومن أسباب ورود الحوض الصبر على جور الأئمة والحكام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار : ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) متفق عليه.

ومن أسباب الصد عن وروده الردة عن الإسلام وإحداث المحدثات والعياذ بالله فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “أنا فرطكم على الحوض, وليُرفعن رجال منكم ثم ليُختَلَجُنّ دوني فأقول يا رب أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك” متفق عليه واللفظ للبخاري.

وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم, وسيؤخذ ناس دوني فأقول يا رب مني، ومن أمتي فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم” وكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا” رواه البخاري.

ونقول كما قال : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا.

22- ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكراً… ولا الحوض والميزان إنك تنصح

تقدم الكلام على منكر ونكير وعلى الحوض وبقي الكلام على الميزان فأقول وبالله التوفيق:

الميزان في اللغة : آلة الوزن ، وهو هنا: ميزان عظيم له كِفَّتان توزن فيه أعمال العباد .

والإيمان به واجب لثبوته في الكتاب والسنة قال تعالى : ]ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين{ الآية . وقال تعالى: ]وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ { [الأعراف: 8، 9]

ومقتضى الأدلة الواردة أن الوزن يتعلق بثلاثة أشياء : بالعامل وعمله وصحيفة عمله

أما وزن العامل فجاء في حديث ابن مسعود : انه كان يجتني سواكا من الأراك وكان دقيق الساقين فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ممّ تضحكون؟ قالوا : يا نبي الله من دقة ساقيه فقال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد” رواه أحمد.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرءوا، {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} متفق عليه.

وأما وزن العمل نفسه : فيدل عليه ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:  ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق» رواه أبو داود واللفظ له ، والترمذي وقال عن بعض طرقه حسن صحيح. كما نقله عنه العراقي وابن حجر.

والله على كل شيء قدير فلا يعجزه أن يزن العمل خيره وشره بكيفية يعلمها هو سبحانه وتعالى.

وأما وزن صحائف الأعمال فالدليل عليه حديث البطاقة حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات، فقال: إنك لا تظلم “، قال: «فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي واللفظ له وقال: «هذا حديث حسن غريب».

 

وأنكرت المعتزلة الميزان الحقيقي وقالت هو كناية عن العدل وهذا من التأويل الفاسد والنصوص ترد عليهم.

وقول الناظم ( إنك تنصح )  إي إذا آمنت وأقررت بهذا ولم تنكره فإنك تنصح لنفسك وتسعى في طلب الخير لها فإنها العقيدة الصحيحة التي يفوز أهلها ويهلك من خالفها.

 

 23- وقل يخرج الله العظيم بفضله…من النار أجساداً من الفحم تطرح.

24- على النهر في الفردوس تحيا بمائه…كحب حميل السيل إذ جاء يطفح

25- وإن رسول الله للخلق شافع_ _ ……………………………

التعليق:

في هذه الأبيات الثلاثة يقرر الناظم أصلاً من أصول أهل السنة والجماعة وهو اعتقادهم أن من مات من عصاة الموحدين فإنه لا يخلد في النار إن دخلها بذنوبه بل إنه لا بد _بفضل الله ورحمته _ أن يخرج منها إلى الجنة، فلا يخلد في النار أبداً إلا من مات على الشرك الأكبر.

وخروجهم يكون بعد فضل الله إما بشفاعة الملائكة والأنبياء والصالحين وإما بمحض فضل الله بدون شفاعة من أحد كما ستراه في الأحاديث الأتية قريباً.

وأهل السنة والجماعة بهذا الاعتقاد يخالفون عقيدة الخوارج الذين يعتقدون أن أصحاب الكبائر كفار في الدنيا مخلدون في النار يوم القيامة.

ويخالفون المعتزلة الذين يعتقدون أن أصحاب الكبائر في منزلة بين الكفر والإيمان في الدنيا وأما في الآخرة فهم في النار خالدون مخلدون فيها.

وأدلة أهل السنة والجماعة على هذا الأصل كثيرة ومنها:

حديث أبي هريرة الطويل وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : ” حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار، من كان لا يشرك بالله شيئا، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يشهد أن لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون تحته كما تنبت الحِبّة في حميل السيل، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد” متفق عليه.

وحديث أبي سعيد الخدري الطويل أيضاً وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ” حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده، ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا “، وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} [النساء: 40] ، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر، أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض؟ ” فقالوا: يا رسول الله، كأنك كنت ترعى بالبادية، قال: ” فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا، أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا، أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي، فلا أسخط عليكم بعده أبدا ” متفق عليه واللفظ لمسلم.

 

( _ب)

وقول الناظم رحمه الله (فإن رسول الله في الخلق شافع) يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع للخلائق يوم القيامة بعد إذن الله تعالى، وللنبي صلى الله عليه وسلم عدة شفاعات يختص بها لا يشاركه فيها غيره ، ومنها شفاعات يشترك معه فيها غيره.

فأما الشفاعات الخاصة فمنها:

1- الشفاعة العظمى وهي المقام المحمود  والمقصود بها شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل المحشر أن يقضي الله بينهم ويريحهم من طول مقامهم فيه فعن أبي هريرة، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بلحم، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه فنهس منها نهسة فقال: ” أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون، وما لا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى الأرض، وسماك الله عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فيأتون إبراهيم، فيقولون: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم، فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله فضلك الله برسالاته، وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى صلى الله عليه وسلم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي، اذهبوا إلى عيسى صلى الله عليه وسلم، فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله، وكلمت الناس في المهد، وكلمة منه ألقاها إلى مريم، وروح منه، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى صلى الله عليه وسلم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنبا، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد، فيأتوني فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق، فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده، وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفع..” الحديث متفق عليه.

2- ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم  لأهل الجنة أن يدخلوها: ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: (أنا أوّل النّاس يشفع في الجنّة وأنا أكثر الأنبياء تبعًا).

3- ومنها شفاعته لأناس أن يدخلوا الجنة بغير حساب فعن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ((أعطيت سبعين ألفًا يدخلون الجنّة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر وقلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربّي عزّ وجلّ فزادني مع كلّ واحد سبعين ألفًا)) قال أبوبكر رضي الله عنه: فرأيت أنّ ذلك آت على أهل القرى ومصيب من حافّات البوادي. رواه أحمد وسنده ضعيف وله شواهد يتقوى بها.

4- ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم لأبي طالب أن يخفف الله عنه من العذاب _ مع خلوده فيها _  كما ثبت في الصحيحين من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، أنه  قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: «هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار»  وفيهما أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وذُكر عنده عمّه فقال: (لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النّار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه).

والكافر ليس من أهل الشفاعة ولكن هذه شفاعة اختص بها أبو طالب مع موته على الكفر لأنه دافع كثيراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البعثة حتى توفي قبل الهجرة بثلاث سنين.

(  _ت)

وأما الشفاعة العامة التي لا يختص بها النبي صلى الله عليه وسلم فمنها:

1- الشفاعة لأقوام من الموحدين دخلوا النار بذنوبهم ومعاصيهم أن يخرجوا منها وهي التي تقدم ذكرها في حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم في شرح البيت السابق.

2- الشفاعة لأناس أن يُرفعوا فوق درجاتهم التي تقتضيها أعمالهم. كما دعا صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه أن يرفعهم الله درجات عالية كما في دعائه لأبي عامر الأشعري يوم أوطاس “اللهم اغفر لعبيد أبي عامر” ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطية وقال : “اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس” متفق عليه.

ودعا لأبي سلمه بعدما فاضت روحه فقال : ” اللّهمّ اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديّين، واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، وافسح له في قبره، ونوّر له فيه” أخرجه مسلم.

وقد ثبت في مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: (إنّ الله عزّ وجلّ ليرفع الدّرجة للعبد الصّالح في الجنّة، فيقول: يا ربّ أنّى لي هذه؟ فيقال: باستغفار ولدك لك).

3- شفاعة الولدان الذين ماتوا صغاراً لآبائهم كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنّه قد مات لي ابنان، فما أنت محدّثي عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بحديث تطيّب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: قال: نعم، (صغارهم دعاميص الجنّة يتلقّى أحدهم أباه -أو قال: أبويه- فيأخذ بثوبه -أو قال: بيده- كما آخذ أنا بصَنَفَة ثوبك هذا فلا يتناهى -أو قال فلا ينتهي- حتّى يدخله الله وأباه الجنّة).

(  _ث)

وقبل الخروج من موضوع الشفاعة يجب أن نعلم:

1- أن الشفاعة ملك لله وحده فلا يملك أحد أن يشفع لأحد عند الله حتى يأذن الله للشافع ويرضى عن المشفوع كما قال تعالى (قل لله الشفاعة جميعاً) وكما قال تعالى (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) وكما قال تعالى (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)[النجم: 26]).

2- أن من مات وهو يشرك بالله شيئاً فليس له نصيب في الشفاعة ، فالشفاعة إنما ينالها من رضي الله عنه، ومن مات على الشرك فلا نصيب له في رضا الله عنه والعياذ بالله قال تعالى (ولا يرضى لعباده الكفر) وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أسعد الناس بشفاعتك فقال صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة.

فعباد القبور والموتى والغائبين حين يطلبون منهم الشفاعة قد وقعوا في أمرين:

الأول: أنهم اتخذوهم شركاء مع الله فالدعاء عبادة والعبادة لا تصرف لغير الله، والشفاعة لله فلا تطلب من غيره.

الثاني: أنهم بفعلهم هذا حرموا أنفسهم من فرصة شفاعة الأنبياء والصالحين لهم لأنهم وقعوا في الشرك ومن أشرك بالله ومات على ذلك فلا نصيب له في الشفاعة فهي إنما تنال أهل التوحيد بفضل الله.

3- على الصوفية والخرافيين والقبوريين وأمثالهم أن يتنبهوا أن دعواهم في التعلق بأهل القبور إنما من هو باب جعلهم وسائط بينهم وبين الله وليس لأنهم يعتقدون أنهم أرباب مثل الله تخلق وترزق وتحيي وتميت فهذا العذر لا يقبل منهم ولا ينفعهم فإن المشركين الأولين كانوا يقولون نفس هذا القول كما قال تعالى (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [يونس: 18]

وكما قال تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر: 3]. فالله لا يرضى أن يصرف الدعاء ولا غيره من العبادات لغيره سبحانه لا بحجة التوسل ولا الشفاعة ولا المحبة ولا غيرها من المعاذير.

نسأل الله أن يعاملنا بلطفه ورحمته وفضله وأن يشفع فينا ملائكته وأنبياءه والصالحين من عباده والله أعلم .

 

25_ …………………… *** وقل في عذاب القبر حق موضح.

تقدم الكلام على عذاب القبر ونعيمه في التعليق على البيت رقم 22 عند قوله (ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكراً) .

26-  ولا تُكْفِرن أهل الصلاة وإن عصوا … فكلهم يعصي وذو العرش يصفح

التعليق:

يقول الناظم رحمه : ( ولا تكفرن ) بتخفيف الفاء والنون من أجل الوزن ، أي : لا تكفّر والتكفير هو : الحكم بالإخراج من الملة .

قوله (أهل الصلاة ) يعني بهم : الموحدين  كما جاء في الأحاديث ومنها حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بال هذا؟» فقيل: يا رسول الله، يتشبه بالنساء، فأمر به فنفي إلى النقيع، فقالوا: يا رسول الله، ألا نقتله؟ فقال: «إني نهيت عن قتل المصلين» رواه أبو داود. و حديث عوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم» ، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة» أخرجه مسلم.

وأطلق أهل الصلاة على أهل التوحيد لأنها من أظهر علاماتهم وشعائرهم وشعاراتهم ولما جاء في الأحاديث الصحيحة من الحكم بالكفر على من لا يصلي والعياذ بالله ومنها حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر” رواه أحمد وابو داود وغيرهما.

وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» أخرجه مسلم.

 

قوله (وإن عصوا) أي لاتكفر أهل التوحيد بالمعاصي كالقتل والزنا وأكل الربا ونحو ذلك من المعاصي التي هي دون الكفر.

(فكلهم يعصي)  أي أن المسلم قد تقع منه الذنوب والزلات حتى الكبائر كالزنا والقتل والسرقة وأكل الربا والرشوة ونحو ذلك من الفواحش والمنكرات فلا يكون بارتكابه لها كافراً خارجاً من ملة الإسلام إنما يكون بذلك فاسقاً عاصياً ناقص الإيمان.

فإن أتى شيئاً من الكبائر مستحلا له والاستحلال عمل قلبي أي أن يعتقد بقلبه أن ذلك المحرم المعلوم حرمته حلالاً كأن يعتقد حل الربا أو الزنا أو القتل بغير حق ونحو ذلك فهذا يكفر بسبب استحلاله ما حرم الله.

وقول الناظم (فكلهم يعصي) مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم (كل بني آدم خطاء) فالنفس البشرية ضعيفة تقع في الذنب بسبب هواها أو قرينها من الشياطين أو قرين السوء من الإنس.

وقوله (و ذو العرش يصفح) أي يتجاوز عن ذنوب عباده إما تفضلاً منه بغير عمل من العاصي وإما بما جعل لهم من المكفرات كالتوبة، والأعمال الصالحة، والمصائب، وغيرها.

وفي هذا البيت يحذر الناظم – رحمه الله – من عقيدة الخوارج الذين يكفرون المسلمين بالكبائر وربما بلغ الغلو بكثير من الخوارج إلى التكفير ببعض المباحات.

ومن القضايا التي اشتهر التكفير بها اليوم :

1- تكفير الحكام الذين لا يحكمون الشريعة تكفيراً مطلقاً وقد أفتى ابن باز والألباني وغيرهما من علماء السنة أن الحكم بغير ما أنزل الله يكون كفراً أكبر ويكون كفراً أصغر كما قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال :” كفر دون كفر”. فإن استحل الحكم بغير ما أنزل الله أو اعتقد أنه أفضل من حكم الله أو أنه مساو له فهذه ردة.

2- التكفير بوجود البنوك الربوية في بلاد المسلمين والتعامل معها مع أن أكل الربا كبيرة وليس بكفر فالكفر يكون بالاستحلال لا بنفس الفعل.

3- التكفير بالانضمام إلى الهيئات الدولية كهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ونحو ذلك ، وهذه الهيئات الدولية أنشئت أصلاً من أجل إقرار منع العدوان العسكري _وإن كان يقع بسببها من الظلم والجور مالا يخفى_ وهو مقصد حسن والمسلمون بحاجته لأنهم في زمن ضعف وتشرذم وتفرق، وقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في المدينة و في خيبر وصالح المشركين في الحديبية.

4- التكفير بالتحالف العسكري مع الكفار وغيرهم ضد المعتدي الباغي بدعوى أنه من الموالاة مع أن الراسخين في العلم كالشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله بينوا أن هذه الصورة من حالات الضرورة ومن باب كف العدوان وليست من مظاهرة الكافر على المسلم.

نسأل الله أن يحمي بلاد المسلمين من الشرور والفتن. إنه سميع الدعاء.

  1. ولا تعتقد رأي الخوارج إنه… مقال لمن يهواه يُردي ويفضح

التعليق:

بعد أن حذّر الناظم من التكفير بغير حق حذر من عقيدة الخوارج التي تقوم على تكفير المسلمين واستحلال دمائهم بغير حق.

والخوارج شر الفرق وأخبثها وأشدها ضرراً على المسلمين ومن أبرز صفاتهم ما يلي:

أولاً: العناية بالعبادة من صلاة وصيام وتلاوة وقيام ليل كما قال صلى الله عليه وسلم (يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم) متفق عليه.

ثانياً: عدم فهم القرآن فهما صحيحاً كما قال صلى الله عليه وسلم (يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم) فقراءتهم بالألسن دون فهم بقلوبهم لحقيقة معانيه ولذا يكفرون المسلم ويستحلون دمه باسم القرآن ويخرجون على الحاكم المسلم، ويضعفون المسلمين باسم القرآن.

ثالثاً: يغلب عليهم صغر السن كما قال صلى الله عليه وسلم (حدثاء الأسنان) فتجدهم هم وشيوخهم ومن يعظمونه في سن الشباب لأن فكرهم يقوم على الهدم والتخريب والإفساد وهذا لا يتلاءم إلا مع حداثة السن.

رابعاً: سفاهة العقول وخفتها كما قال صلى الله عليه وسلم (سفهاء الأحلام) فليس لديهم علم راسخ ولا عقل مستنير لذا تراهم يقدمون على القتل والاغتيال والتدمير والتخريب دون أدنى ثمرة أو مصلحة تترتب على عملهم ذلك بل تكون عاقبة أعمالهم خسارة ودماراً ووهنا على المسلمين.

خامساً: أنهم يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان كما أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم.

وذلك أنهم يرون المسلمين مرتدين، والمرتد أشد كفراً من الكافر الأصلي _ أي الذي ولد ونشأ كافراً_ لذا كان قتل المسلمين أولى وآكد في نظرهم من قتل الكفار.

فأكثر من قتلوه من المسلمين ولا أظن لهم معركة واحدة كبيرة مع اليهود أو النصارى أو المشركين.

وللخوارج أساليب في استمالة الناس إليهم ومنها:

1- العناية بذكر مساوئ الحكام ومعاصيهم ومخالفاتهم وظلمهم وتضييقهم على الناس في معايشهم ورواتبهم بدعوى الغيرة على محارم الله، والحرص على مصالح الناس.

2- ربط الشباب برموز الخوارج المعاصرين باعتبار أولئك الرموز مجددين للإسلام وشهداء الإسلام كحسن البنا وسيد قطب و من سار في فلكهم.

3- تربية الشباب تربية (صوفية ثورية) من خلال المراكز الصيفية والمخيمات والرحلات الدعوية وغيرها ففي هذه الأماكن يعتنون بالجانب التعبدي والتدريب العسكري مع إغفال تام لدراسة عقيدة السلف بشكل عام وما يتعلق بحقوق ولاة الأمور بشكل خاص.

4- صرف أتباعهم عن كل مصدر قد يفضحهم ويفسد عليهم خططهم كالعلماء السلفيين الذين يحذرون من الفرق والبدع والخروج على ولاة الأمور بدعوى أنهم علماء حيض ونفاس ولا يفقهون الواقع وأنهم عملاء للسلاطين، وصرفهم عن الكتب والنشرات والمواد المرئية والمسموعة والمقروءة التي تكشف حقيقتهم بدعوى أن الذي ينشرها ويروجها إنما هي المباحث والمتعاونون معها من العملاء.

5- تغطية أنشطتهم المدمرة بالأعمال الخيرية التي تألفها النفوس وتميل لها بدافع فطرتها السليمة النقية كالتبرعات الخيرية وتحفيظ القرآن والتوعية في المدارس ونحوها ورحلات الحج والعمرة ونحوها من المناشط.

وأخيراً عليك أيها المسلم أن تحذر من الخوارج ومن طرقهم ومن أساليبهم، وبإمكانك كشفهم من خلال صفاتهم فأهل السنة يسمعون ويطيعون لولاة الأمور ولا ينشرون مساوئهم ويحرصون على الدعاء لهم ولا يرون الجهاد بغير إذنهم وأما الخوارج فتجدهم كما سبق يطعنون في الحكام ويؤلبون الناس عليهم ويحثون الشباب على الالتحاق بمواطن الفتن والحروب بدعوى الجهاد فيرسلونهم إلى اليمن والعراق وسوريا وغيرها بدعوى الجهاد وهم في الحقيقة يلقنونهم التكفير ونزع البيعة ويدربونهم على الحروب حتى يعود من يعود منهم ليقتل ويدمر ويفسد في هذه البلاد.

ومن أشهر الجماعات التكفيرية في هذا العصر تنظيم القاعدة وداعش والنصرة وكلها تولدت من رحم جماعة الإخوان المسلمين.

ومن أشهر المنظرين للتكفير في هذا العصر سيد قطب فإنه فتح باب التكفير في كتابه في ظلال القرآن وربّى عليه كثيراً من أفراد جماعته جماعة الإخوان ومن تأثر بهم.

نعوذ بالله من عقيدة الخوارج ومن شرورهم إنه قوي عزيز

 

  1. ولا تك مرجيا لعوبا بدينه … ألا انما المرجيُّ بالدين يمزح
  2. وقل انما الايمان قول ونية… وفعل على قول النبي مصرح
  3. وينقص طوراً بالمعاصي وتارة… بطاعته ينمي وفي الوزن يرجح

 التعليق:

بعد أن حذر الناظم من الخوارج وهم أهل الغلو في التكفير حذر من فرقة تقابلهم وتقف على الطرف الآخر طرف التفريط وهم المرجئة.

فإنهم لما رأوا الخوارج يكفرون مرتكب الكبيرة قالوا إن الأعمال كلها ليست من الإيمان ففعل الطاعات لا يزيد الإيمان وارتكاب المعاصي والمنكرات لا ينقص الإيمان.

فالمرجئة مأخوذة من الإرجاء وهو التأخير لأنهم أخروا العمل عن العمل عن الإيمان.

وهم طوائف منهم من يقول:

الإيمان معرفة القلب.

ومنهم من يقول تصديق القلب

ومنهم من يقول تصديق القلب وقول اللسان.

ومنهم من يقول قول اللسان فقط

وكلهم متفقون على أن العمل ليس من الإيمان.

وأهل السنة متفقون على أن العمل ركن من أركان الإيمان فهو عندهم تصديق القلق ونطق اللسان وعمل الجوارح.

قال الإمام أحمد (الإيمان لا يكون إلا بعمل) وقال الحميدي (الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، لا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل ولا قول إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بسنة) وقال المزني عن الإيمان والعمل : (وهما سيان ونظامان وقرينان لَا نفرق بَينهمَا، لَا إِيمَان إِلَّا بِعَمَل وَلَا عمل إِلَّا بِإِيمَان).

ووصف الناظم المرجئ باللعب في دنيه ، لان عقيدته تقول  له أنت مؤمن كامل الإيمان ولو فعلت ما فعلت من المعاصي ولو تركت ما تركت من الواجبات ما دمت مؤمناً بقلبك ولسانك أو ما دمت مؤمناً بقلبك. فيتجرأ بسبب ذلك على فعل المنكرات وترك الطاعات.

وفي هذا يقول سفيان الثوري: تركت المرجئة الإسلام أرق من ثوب سابِرِيّ. والسابري نوع رقيق من الثياب في ذلك العصر. فالثوب السابري رقيق يشف عما تحته فلا يستر صاحبه وهؤلاء إيمانهم رقيق لا يسترهم ولا يحجزهم عن ترك طاعة ولا عن فعل معصية.

ثم قال رحمه الله: (وقل إنما الإيمان قول ونية وفعل على قول النبي مصرح) يريد بهذا تعريف الإيمان عند أهل السنة وأنه قولٌ وعملٌ ونية وربما قالوا: قول وعمل، يعنون بذلك أن العمل لا يعتبر شرعاً إلا إذا كان عن نية كما في الحديث (إنما الأعمال بالنيات).

فنصوص القرآن والسنة دلت على أن العمل من الإيمان فقد سمى الله الصلاة إيمانا كما في قوله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة.

وكما سمى النبي صلى الله عليه وسلم إنكار المنكر إيماناً في قوله (وذلك أضعف الإيمان) أي التغيير بالقلب.

وسمى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث شعب الإيمان قول لا إله إلا الله إيماناً، وإماطة الأذى إيماناً وحياء القلب إيماناً.

 

ثم قال رحمه الله: وينقص طوراً بالمعاصي وتارة…بطاعته ينمي وفي الوزن يرجح.

يعني بذلك أن الإيمان يزيد وينقص ويتفاوت أهله فيه فليس إيمان الفاسق والعاصي والفاجر مثل إيمان الملَك أو النبي أو الصديق أو الصالح.

فمن أهل الإيمان مَن إيمانه كالجبال ومن أهل الإيمان مَن إيمانه كحبة خردل أو أصغر.

فكلما ازداد العبد إحساناً وطاعات كلما ازداد إيمانه وكلما نقصت طاعته وذكره وخشيته وتقواه كلما نقص إيمانه.

ومن أدلة زيادة الإيمان قوله تعالى : (والذين اهتدوا زادهم هدى)

وقوله تعالى : ( ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم )

ودليل النقصان هو دليل الزيادة وذلك أن كل ما قبل الزيادة قبل النقص .

ومن أدلة النقصان حديث الشفاعة وفيه أن من عصاة الموحدين من لم يكن معه من  الإيمان إلا مقدار حبة من خردل أو برة أو شعيرة وما هو أدنى من ذلك.

فنسأل الله أن يعصمنا من الزلل والفتن وضعف الإيمان وأن يعصمنا من الغلو والإفراط وأن يمسكنا بالسنة والقصد والاعتدال.

 

  1. ودع عنك آراء الرجال وقولهم … فقول رسول الله أولى وأشرح

التعليق:

يقرر الناظم رحمه الله  تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به من ربه من الكتاب والسنة وذلك بتقديم الدليل الشرعي على قول كل أحد.

كما قال تعالى : (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) .

وقال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) .

وقال تعالى : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) .

وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) الآية.

و قال بن عباس : أراهم سيهلكون أقول قال النبي صلى الله عليه و سلم ويقول نهى أبو بكر وعمر رواه أحمد .

وقال مالك : ما منا إلا رادٌ ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال الإمام أحمد : “عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.. أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعلّه إذا ردّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك “.

والمقصود أنه يجب ترك قول العالم ورأيه إذا خالف الدليل ، ويحرم ترك الدليل لأجل قوله فإن العالم قد يخفى عليه الحق في المسألة لعدم علمه بالدليل أو ظنه عدم ثبوت الدليل أو لنسيانه الدليل أو لغير ذلك من الأعذار.

وقد ذكر بعض أهل العلم أن العالم كالنجم والدليل كالكعبة فإذا رأيت الكعبة معاينة لم تلتفت إلى النجم وكذا إذا ثبت الدليل وجب عليك اتباعه ولا تلتف لغيره.

وقال بعض أهل العلم أيضاً قَدّرْ أن النبي صلى الله عليه وسلم حي وأنت بين يديه وهو يقول لك افعل كذا أكنت تخالف أمره لو قال لك قائل لا تفعله . فإذا كنت تطيعه حياً ولا تخالف أمره لقول أحد فما الذي غيّر الحكم بعد موته فتدع قوله للآراء المخالفة والله أعلم.

 

  1. ولا تك من قوم تلهّوا بدينهم…. فتطعن في أهل الحديث وتقدح

التعليق:

يحذر الناظم رحمه الله من الطعن في أهل الحديث، وهم أصحاب العقيدة السلفية أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. لأن الطعن فيهم طعن في الكتاب والسنة وفي العقيدة الصحيحة النقية، ولما في الطعن فيهم من الصد عن طريقهم وهي الطريق الموصلة إلى الجنة وما عداها من السبل والعقائد المخالفة فهي توصل إلى النار كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وكانت عادة المشركين الطعن في الأنبياء والرسول وأتباعهم فكانوا يرمونهم بالجنون والسحر والكذب والسفاهة ويعيرونهم بالفقر والضعف.

وقد ورث أهل البدع هذه العادة فعادوا أهل السنة أهل الحديث ورموهم بالصفات المنفرة عنهم فقالوا حشوية وقالوا وهابية وقالوا في هذا الزمن الأخير جامية ومدخلية و قالوا عن علمائهم علماء السلاطين وعملاء الحكام ونحو ذلك من الألقاب التي يقصدون بها التنفير عنهم.

والسلفيون أهل الحديث لم يأتوا بشيء من عند أنفسهم لا مسألة التحذير من البدع وأهلها ولا مسألة الحث على السمع والطاعة والنهي عن الخروج والفتن بل أدلتهم في ذلك كله قوله الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وآثار  الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

ولكن عادة أهل البدع الظلم والبهت والكذب والافتراء.

 

  1. إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه……فأنت على خير تبيت وتصبح.

بعد أن فرغ من نظم عقيدة السلف الصالح ختم نظمه ببشارة من تمسك بالعقيدة السلفية بأنه وفق للخير وهدي إليه فهو يبيت ويصبح يتقلب في نعيم العقيدة التي ارتضاها الله لعباده ووعدهم علهيا بالجنة وتوعد مخالفيها بالنار.

نسأل الله الثبات على السنة إلى يوم نلقاه. ونعوذ به من حال أهل الزيغ والضلال، ورحم الله ناظم هذه العقيدة ونفعنا بعلمه وجزاه عن السنة وأهلها خير الجزاء.

والحمد لله رب العالمين.

 

2 comments

  1. اللهم بارك فيك .. طيب جدا
    وفي وقتها الحمدلله مع دورة عدن شرح رسالة أصول السنه للامام الحميدي يرحمه الله ..
    أكيد الإيموجي بالخطأ في التعليق على البيت رقم 30 .

  2. بلغيث احمد سعيد القرني

    جزاك الله خيرا شيخنا المفضال

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *