جديد الإعلانات :

العنوان : التذكير ببعض الآداب والأحكام المناسبة لفصل الشتاء

عدد الزيارات : 3633

 

الخطبة الأولى …

أما بعد :

فإن من حكمة الله وآيات قدرته اختلافَ الفصول وتعاقبَها لتتم بها مصالح العباد في أقواتهم وأرزاقهم وأسفارهم وليتفكروا في عجيب قدرة الله تعالى وتقليبه للزمان من برد إلى حر ومن حر إلى برد ومن طول إلى قصر ومن قصر إلى طول فهو وحده القادر على ذلك لا يشاركه فيه أحد من خلقه وهو بذلك المستحق وحده للعبادة لا يشاركه في استحقاقها ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولي ولا شجر ولا حجر.

أيها الإخوة في الله :

دخل عليكم فصل الشتاء ببرده وزمهريره ، وخرج عنكم فصل الصيف بحره وقيظه فأخذ بعض الناس يسب البرد ويتسخطه لما وجد فيه من العنت والمشقة والأمراض في نفسه أو ولده وأهله وهذا غلط عظيم فإن سب الدهر حرام ، إذ ما يجري فيه من خير وشر ونفع وضر إنما هو من خلق الله وتقديره وفي الحديث الصحيح قال الله تعالى ( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار)

أما لو وصف المرءُ اليومَ بشدة البرد وذكر ما لاقى فيه من التعب والنصب من باب الإخبار لا من باب السب والتسخط والاعتراض فلا حرج فيه لقوله تعالى حكاية عن لوط عليه السلام ( وقال هذا يوم عصيب)

ثم إنكم بحمد الله تتقلبون في نعم لا تعد ولا تحصى قد منّ الله عليم بما يقيكم البرد وشدته من بيوت وملابس ومدافئ وأطعمة وأشربة فاحمدوا الله واشكروا له على فضله فكم من الناس قد عضهم الفقر والحاجة والخوف والتشرد لا يجدون ما يقيهم من الحر ولا البرد فاذكروا نعمة الله عليكم واشكروه قولاً وعملاً .

(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ _ أي وسرابيل تقيكم البرد_ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ81)

عباد الله :

إن نزول المطر في بلادكم بعد تأخره عنكم نعمة عظيمة من الله فهو وحده الذي ينزل الغيث وينشر رحمته ولو أمسكه عنكم ما استطاع أحد أن ينزله فتدارككم برحمته ولطفه فارتوت أرضكم وابتهجت نفوسكم ونسأل الله أن يكتب فيه البركة وأن يجعله عونا على طاعته وأن يلهمنا شكر نعمته

لكن من الناس من يكفر نعمة الله فينسبها إلى غيره حيث ينسب نزول المطر إلى الأنواء والنجوم   وهذا غلط عظيم فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل _ يعني على إثر مطر _ فلما انصرف _ أي لما فرغ من صلاته _ أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم . قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تروا إلى ما قال ربكم ؟ قال ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون الكواكب وبالكواكب ) رواه مسلم .

فعلى المؤمن أن ينسب هذه النعمة إلى مسديها والمتفضل بها وهو الله وحده ولا ينسبها إلى شيء من خلقه . فإن الكواكب والأنواء لا أثر لها في نزول الأمطار، نعم قد تجري العادة أن ينزل المطر في بعض الأنواء فلا بأس أن يقول مطرنا في نوء كذا يعبر بحرف الجر (في) الدال على الظرفية ، أما أن يعبر بالباء الدالة على السببية فهذا المحرم الممنوع .

ومن الناس من يستغل نعمة الأمطار وحسن الهواء واخضرار الأرض في معصية الله من إضاع الصلاة واتباع الشهوات فيقوم بالرحلات البرية المعمورة بالمعصية من ترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها واستماع آلات الطرب وإطلاق البصر إلى حيث نهى الله عز وجل كالنظر إلى النساء الأجنبيات والمردان عمداً وتلذذاً والعياذ بالله.

وبعض النساء هداهن الله قد تتساهل كثيراً في حجابها وحشمتها بحجة أنها في نزهة وتمشية مع أنها في مكان يكتظ بالرجال الأجانب عنها وهذا حرام عليها فالمرأة مأمورة بالحجاب الشرعي وستر بدنها عن الأجانب عنها حيث كانت إلا لمسوغ شرعي مما نص عليه أهل العلم ودلت عليه أدلة الشرع وقواعده.

وكما هو حرام على النساء فحرام على أولياء أمورهن أن يأمروا بذلك أو يرضوا به أو يسكتوا عنه فإن ولي المرأة مسئول عنها قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودهاً الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)  وفي الحديث الصحيح (والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته)

وحيث كانت هذه المتنزهات تشتمل على المنكرات الظاهرة فلا يجوز حضورها للنزهة ومخالطة أهلها إلا لمن كان قادراً على إنكار المنكر وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل يخرج للفرجة في الزهر في مواسم الفرج حيث يكون مجمع الناس ويرى المنكر ولا يقدر على إزالته وتخرج امرأته أيضاً معه هل يجوز ذلك وهل يقدح في عدالته فأجاب (ليس للإنسان أن يحضر الأماكن التي يشهد فيها المنكرات ولا يمكنه الإنكار، إلا لموجب شرعي ‏:‏ مثل أن يكون هناك أمر يحتاج إليه لمصلحة دينه أو دنياه لابد فيه من حضوره ، أو يكون مكرهًا‏.‏ فأما حضوره لمجرد الفرجة ، وإحضارُ امرأته تشاهد ذلك ، فهذا مما يقدح في عدالته ومروءته إذا أصر عليه ‏.‏ والله أعلم‏ ) اهـ [مجموع الفتاوى 28/239] ‏

أيها الإخوة  :

بإمكان الإنسان أن يرفه عن نفسه وأهله على وجه لا محذور فيه فأرض الله واسعة ومتى وجدت الرغبة الصادقة في البعد عما يسخط الله فإن السبيل ميسرة (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية …

أما بعد :

إن الله عز وجل شرع لعباده الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر والأصل في الطهارة استعمال الماء للوضوء والاغتسال ، ورخص الله في التيمم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله بسبب المرض أو شدة برودة الماء ونحو ذلك من الأسباب.

قال تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )

وصفة التيمم أن يضرب الصعيد الطاهر بكفيه مفرجتي الأصابع ثم يمسح بهما وجهه ثم يسمح ظاهر كفيه وباطنهما بقصد الطهارة لحديث عمار رضي الله عنه حيث علمه النبي صلى الله عليه وسلم التيمم فقال ( إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه ) رواه البخاري.

وإذا كان الماء بارداً وأمكن تسخينه قبل خروج الوقت فلا يجوز التيمم بل يسخن الماء ثم يتوضأ أو يغتسل

ومن تيسير الله تعالى أنه رخص لعباده أن يمسحوا على الخفاف والجوارب ومثلها الشراب إذا توفرت فيها الشروط الشرعية بأن تلبس على طهارة ، وأن تكون ساترة للمحل المفروض غسله، وأن يكون المسح في المدة المؤقتة شرعاً وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر ، وأن يكون المسح في الحدث الأصغر.

ومدة المسح تبدأ من المسح الأول بعد الحدث فإذا انتهت المدة وأحدث خلعهما وتوضأ وغسل رجليه .

ومن لبسهما على غير طهارة ناسياً وتوضأ ومسح عليهما أعاد الوضوء والصلاة التي صلاها بذلك المسح الباطل.

أيها الإخوة:

إن بعض الآباء قد يشفق على أولاده الذكور في البرد فلا يأمرهم بالصلاة في الجماعة مع أنه لديهم من الملابس ما يتقون به البرد وهذه شفقة في غير محلها بل عليه أن يجتهد في أمرهم بالصلاة ويتابعهم في ذلك مع الأخذ بالأسباب فإن رحمتهم الحقيقية هي في تربيتهم على ضوء تعاليم الإسلام وآدابه وشرائعه.

ومما يحسن التنبيه عليه أن بعض الناس قد يستدفئ بالنار والجمر ولا يحتاط منهما فيغلق على نفسه الأبواب والنوافذ مما يسبب له الموت اختناقاً ، أو يدع النار مشتعلة وينام فتحرقه وقد حذرنا نبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه من مثل هذا التصرف لخطر عواقبه فقال صلى الله عليه وسلم ( إن هذه النار إنما هي عدو لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم ) رواه ابن ماجه.  وفي الصحيحين من حديث  جابر بن عبد الله – رضى الله عنهما – رفعه قال : « خمروا الآنية ، وأوكوا الأسقية ، وأجيفوا الأبواب ، واكفتوا صبيانكم عند العشاء ، فإن للجن انتشارا وخطفة ، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد ، فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت » فما أحسن هذه الشريعة وما أكملها حيث جاءت بما فيه صلاح أمر الدين والدنيا.

ثم اعلموا رحمكم الله أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *