العنوان : التدابير الواقية من الزنا في الشريعة الإسلامية
أما بعد:
فإن الزنا أعظم الذنوب بعد الشرك والقتل كما قال تعالى (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) وكما حديث ابن مسعود أنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم قال الشرك بالله قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك) متفق عليه.
وذلك لما يترتب عليه من المفاسد العاجلة والآجلة والعقوبات الخاصة والعامة..
ولما كان الدافع إلى الزنا قوياً لقوة الميل الطبيعي من الرجل إلى المرأة ومن المرأة إلى الرجل حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما تركت بعدي فتنة اضر على الرجال من النساء ولا من النساء على الرجال) ولما كان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم جاءت الشريعة بالتدابير الحكيمة الواقية من فاحشة الزنا. التدابير التي متى ما حرص عليها المجتمع المسلم ندر فيه وقوعه ندرة كبيرة ومتى ما فرط فيها المجتمع المسلم فشت هذه الفاحشة في أوساطه وانتشرت نعوذ بالله من أسباب سخطه.
فمن تلك التدابير:
الأمر بغض البصر قال تعالى ( لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)
قال ابن كثير : هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عمَّا حرَّم عليهم ، فلا ينظروا إلا لما أباح لهم النظر إليه ، وأنْ يغمضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد ، فليصرف بصره عنه سريعًا . كما رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صحيحه من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : سألت النبي – صلى الله عليه وسلم – عن نظرة الفجأة ، فأمرني أنْ أصرف بصري .
وقال تَعَالَى : ? يَعْلَمُ خَائِنةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ? قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتَهم ، وفيهم المرأة الحسناء ، أو تمر به وبهم المرأة الحسناء ، فإذا غفلوا لحظ إليها ، فإذا فطنوا غض بصره عنها ، فإذا غفلوا لحظ ، فإذا فطنوا غض ، وقد اطلع الله تعالى من قلبه أنه ودَّ أنْ لو اطلع على فرجها .
وروى أبو داود عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعلي : « لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى ، وليست لك الآخرة » .
وعن أَبي سعيد – رضي الله عنه – : أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ ، وَلا المَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ ، وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، وَلا تُفْضي المَرْأةُ إِلَى المَرْأَةِ في الثَّوْبِ الواحِدِ ». رواه مسلم .
وإذا نهي عن النظر إلى العورات مع اتحاد الجنس فالنهي عن النظر إلى عورة الجنس الآخر أولى بالنهي وآكد في التحريم.
إن النظر العمد إلى الحرام هو بوابة الولوج إلى الفاحشة حتى سمى النبي صلى الله عليه وسلم نظر العين زنا لأنه طريق إليه فمن أطلق بصره عرض نفسه للخطر ومن حفظ بصره سد طريق باب الفتن على نفسه وأعقبه الله لذة إيمان وقوة قلب ونورا فيه وفي وجهه وقد جاءت آية النور بعد آيات الأمر بغض البصر فاستنبط منها بعض أهل العلم أن غض البصر من أسباب حصول نور الإيمان في قلب العبد ولا شك أن نور الإيمان إنما يقذف في قلب من فعل الأوامر واجتنب النواهي ومن جملة ذلك غض البصر والكف عن إطلاقه في الحرام.
ومن التدابير الواقية من الزنا النهي عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، وذلك أن الشيطان يحضر بينهم فيزين لهم المنكر من قول أو لمس أو مواعدة ونحو ذلك مما يسخط الله
ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم متفق عليه، ولما كان بعض الناس يشدد في منع دخول الأجانب على أهله لكنه في الوقت نفسه يتساهل في دخول أقاربه على أهله بحكم الثقة والعادات والمجاملات نبه النبي صلى الله عليه وسلم على خطورة دخولهم ولو كانوا من أقاربه كإخوانه وبني عمه وذلك أن الحذر قد يؤتى من المأمن وكل ما بعدت الشبهة كل ما زين الشيطان أكثر فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار أفرأيت الحمو قال الحمو الموت. متفق عليه. وإنما شبهه بالموت لعظم خطره.
ومن التدابير الواقية من الزنا في الشريعة الإسلامية تحريم مس المرأة الأجنبية لأن المس من أعظم دواعي الغريزة وإثارتها فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له، رواه الطبراني والبيهقي ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو اتقى الناس لله واعلمهم بالله وأخوفهم منه لا يصافح النساء ولا في البيعة التي من شأنها التصافح تأكيدا للعهد وتوثيقا للعقد قالت عائشة رضي الله عنها (و ما مست يده صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط إلا امرأة يملكها) رواه الشيخان ولفظ مسلم (والله ما مست يد رسول الله {صلى الله عليه وسلم} يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام).
وكان يقول صلى الله عليه وسلم (إني لا أصافح النساء) رواه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح.
ومن التدابير الواقية من الزنا في الشريعة الإسلامية نهي المرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها ذو محرم) فكل سفر تسافره المرأة لزيارة أو سياحة او دراسة أو حج أو عمرة أو يلزمها شرعا أن يكون معها ذو محرم منها سواء كان سفرها بوسيلة نقل حديثة أو قديمة.
ومنها نهي المرأة عن التبرج والسفور والخضوع في القول والخروج من بيتها لغير حاجة وضربها برجلها ليظهر صوت خلخالها قال تعالى(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب : 32 ، 33] وقال تعالى (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور : 31]
ومن التدابير الواقية من الزنا ما كان يحرص عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الفصل بين الرجال والنساء في العبادة والتعليم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب النساء في الصلاة في بيوتهن وإذا حضرن المسجد أقامهن من وراء الرجال. فكن في مؤخر المسجد.
وفي التعليم واعدهن يوما يجتمعن فيه دون الرجال فيأتيهن ويعلمهن مما علمه الله. وذلك أن الخلطة الدائمة بين الرجال والنساء تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه وهذا بحمد الله مما لا يخفى خطره وضرره على منصف.
نسأل الله أن يحفظ علينا إيماننا وحياءنا وأخلاقنا وان يكفينا شر كل ذي شر ممن يريد بنا السوء والفحشاء والمنكر إنه قريب مجيب الدعاء.
أما بعد:
فمن التدابير الواقية من فاحشة الزنا أيضا ما جاءت به الشريعة من الأمر بالعبادة ولا سيما الصلاة فإن المحافضة عليها وإقامتها بحضور قلب تمنع من الفحشاء والمنكر، والوعيد على الفاحشة بالعقوبات المتنوعة في الدنيا والآخرة مما جاء في الكتاب والسنة هو من الزواجر التي قصد بها ردع النفوس عن الاقتحام في أوحالها, ومن الزواجر العامة والتدابير الواقية من المعاصي كلها ما نصت عليه النصوص في الكتاب والسنة الدالة على أن الله سميع بصير يعلم الغيب كما يعلم الشهادة مطلع على أحوال عباده مهما قطعوا الأسباب وغلقوا الأبواب واستخفوا عن عيون الخلائق فلا يغنيهم ذلك من الله شيئاً فهو مطلع بعلمه وسمعه وبصره إليهم، وملائكته تدون عليهم، والأرض التي تحتهم سيأتي اليوم الذي تتحدث فيه بأخبارهم وأعضاؤهم التي عصوا الله بها ستنطق وتخبر بآثارهم فأين المهرب وأين الملجأ إلا بالبعد عن الحرام والتوبة الصادقة مما سبق من الفواحش والآثام.
عباد الله إن الله لما أمر بغض البصر ختم الآية بقوله (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) فأمر بالتوبة ووعد التائبين بالفلاح ومناسبة ختام الآية بالأمر بالتوبة علم الله بضعف عبده وأمته وأنه لا بد أن يحصل منه تفريط ولو بعينه فذكره بالتوبة والإنابة ومسارعة الرجوع إليه قبل فوات الأوان فيكون من الخاسرين
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار اللهم آت أنفسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نعوذ بك من السوء والفحشاء والمنكر اللهم إنا نعوذ بك من الغلا والوبا والربا والزنا اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأييدك وارزقه البطانة الصالحة الناصحة الصادقة يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ..سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.