العنوان : التحذير من بعض المرويات الباطلة
أما بعد:
اتقوا الله عباد الله واعلموا أن السنة النبوية وحي أوحاه الله إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وسنته صلى الله عليه وسلم واجبة الاتباع قال تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً) وقال سبحانه (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تثيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)
ولكن ينبغي أن يعلم أنه ليس كل ما ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم هو ثابت عنه، بل فيما ينقل ما لم يثبت عنه وإنما أضيف إليه كذباً أو خطأً.
والواجب على المسلم أن يتحرى في النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينقل حديثاً إلا إذا علم ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم من خلال كلام أهل العلم المعتبر كلامهم في الحديث النبوي، فإذا لم تعلم صحة النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فاحفظ لسانك لأن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الكبائر حتى قال صلى الله عليه وسلم (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) فالكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كالكذب على غيره لأن الكذب عليه يترتب عليه الزيادة في الدين أو النقص منه وبذلك يفسد الدين وتنطمس معالمه.
ومن المشاهد تساهل كثير من الناس في النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى إن منهم من يروي المكذوبات ومنهم من يروي الأحاديث الضعيفة التي لا يجوز أن تروى إلا لبيان ضعفها تحذيراً للأمة وصيانة للسنة.
وتعظم البلية إذا كانت هذه المرويات ينقلها أصحابها في الصحف أو الإذاعة أو البرامج المرئية أو خطب الجمعة أو في المؤلفات حيث تنتشر انتشاراً سريعاً وأكثر الناس لا تمييز عندهم ولا بصيرة لهم يفرقون بها بين ما يصح وما لا يصح ولا شك أن هذا التساهل في النقل تهاون خطير وتقصير كبير.
أيها الإخوة في الله:
إن الأحاديث التي تنتشر بين كثير من الناس وهي غير ثابتة كثيرة جداً ومنها على سبيل المثال:
حديث (من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني) وهذا حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العلامة ابن عبد الهادي رحمه الله (واعلم أن هذا الحديث المذكور منكر جداً لا أصل له بل هو من المكذوبات الموضوعات).
واعلموا أيها الإخوة أنه لا تلازم بين الحج زيارة المسجد النبوي على صاحبه الصلاة والسلام، فمن حج ورجع إلى بلده ولم يزر المدينة فحجه صحيح كامل لا ينقص من أجره تركه زيارة المدينة بعده والحمد لله.
وزيارة المسجد النبوي مستحب في كل وقت من السنة، وأما السفر من مكة أو من أي بلد آخر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهذا عمل ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة، وإنما جاء الترغيب في زيارة المسجد النبوي للصلاة فيه، إذ الصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه ما عدا المسجد الحرام.
وليس في الإسلام شد الرحال بالسفر إلى قبر أحد في الدنيا بل هو من الغلو المذموم في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم ومسلمة، وجفاؤه كفر ونفاق، فلو كان ترك زيارة قبره بعد الحج جفاء لكان ذلك كفراً وهذا ما لم يقله أحد من علماء الأمة.
ومن الأحاديث الباطلة في هذا المعنى حديث (من زار قبري وجبت له شفاعتي) وهذا أيضاً حديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح بذلك ثلة من أئمة الحديث كالبيهقي وابن تيمية وابن عبد الهادي. وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إنما تنال بعد فضل الله بتحقيق التوحيد ولاستقامة على السنة، ومجانبة البدع والمحدثات في الدين.
وزيارة القبور في الإسلام مشروعة للرجال بدون سفر، يأتيها المسلم ليدعو لأهلها إن كانوا مسلمين، ويتذكر الآخرة والمصير إليها فيستعد لها بالعمل الصالح.
ومن الأحاديث الباطلة حديث (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور) وهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يرويه من يريد فتح باب الشرك على الأمة وتزيينه لها.
وما للمسلم معاذ يعوذ به، وليس له ملاذ يلوذ إليه إلا ربه سبحانه وتعالى فهو الذي بيده تفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، لا يملك شيئاً من ذلك أحد سواه، قال تعالى (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)
لقد كان العرب في جاهليتهم الجهلاء وضلالتهم العمياء إذا نزلت بهم الأهوال والكربات تركوا دعاء الأصنام والأوثان ولجؤوا إلى الله وحده يستغيثون به، ويبتهلون إليه قد علموا أنه لا ينجيهم مما هم فيه اليوم إلا هو، وقد حكى الله هذا عنهم في مواضع من كتابه الكريم كما قال سبحانه (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون) وكما قال سبحانه (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) فكانوا أحسن حالاً من هؤلاء الذين يشركون بربهم في الرخاء والشدة لا تكاد تلهج ألسنتهم إلا بالخلق ينادون محمداً صلى الله عليه وسلم ويستغيثون بعلي والحسين أو عبد القادر أو البدوي وغيرهم ممن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً.
ومن الأحاديث الباطلة حديث (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وهذا الحديث كذب، ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث مع أن جاهه عند الله تعالى أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين) اهـ
ومن الأحاديث الباطلة أيضاً حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم لما اقترف خطيئته. وهو أيضاً حديث مكذوب حكم بوضعه جماعة من أهل العلم بالحديث.
والتوسل إلى الله تعالى إن كان معناه دعاء غير الله وصرف شيء من أنواع العباد إليه، فهذا شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام.
وإن كان معناه التوسل إلى الله بذوات الصالحين أو جاههم عند الله فهذا بدعة ما أنزل الله بها من سلطان.
وإن كان المقصود به التوسل إليه سبحانه بأسمائه وصفاته أو بالإيمان والعمل الصالح أو بالاعتراف بالذنب أو بإظهار الفاقة والحاجة إلى الله تعالى أو بدعاء الحي الحاضر فهذا توسل شرعي دلت عليه النصوص.
إخوة الإيمان:
إن مما أفسد العقائد هذه الأخبار المكذوبة التي تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيها الدعوة إلى الوثنية وإلى البدع والخرافة فأفسدت في الأرض فساداً كبيراً.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
ومن الأحاديث التي يكثر تناقلها بين الناس وهي لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم القصة التي فيها نشيد (طلع البدر علينا) وهي قصة رواها البيهقي من طريق ابن عائشة وبينه وبين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قرابة مئتي عام إذ هو من رجال الطبقة العاشرة
وأما فيما يتعلق بالنشيد فقد رخص الشارع للنساء بالغناء المباح وضرب الدفوف عليه في الأفراح.
وأما النشيد الديني الذي يسمى اليوم بالأناشيد الإسلامية فهذا لا أصل له في الشرع وإنما هو باطل تسلل إلى أهل السنة من قبل أصحاب الطرق الصوفية والذين أخذوه من الرهبانية النصرانية الذين جعلوا دينهم ألحاناً وترانيم يطربونها.
و الله عز وجل إنما شرع لنا التقرب إليه بتلاوة كتابه، وذكره آناء الليل وأطراف النهار، ومدارسة العلم الشرعي والدعوة إليه على بصيرة.
ومن المؤسف حقاً أن تخصص اليوم للأناشيد القنوات الفضائية والمواقع الشبكية، والأجنحة الكبيرة في التسجيلات الإسلامية، وتنفق فيها الأموال الطائلة، وتصرف فيها الأعمار الثمينة.
ومن الأحاديث التي لا تثبت حديث (من قرأ سورة الواقع كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً) أي فقر.
وقد ضعفه جماعة من أهل العلم كابن القطان والذهبي وابن حجر وغيرهم.
عباد الله:
إن بعض الناس بسبب جهله قد يضع أحاديث كذباً وإفكاً بدافع ترغيب الناس في الخير أو ترهيبهم من الشر، والنية الحسنة لا تعفي صاحبها من تبعة الإثم والمسؤولية فإن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كبيرة من الكبائر ولو كان بقصد الدعوة إلى الخير، ففي مواعظ القرآن الكريم ومواعظ صحيح السنة كفاية والحمد لله.
ومن الناس اليوم من نحى منحى الترغيب والترهيب بذكر القصص و الوقائع التي يدخلها كثير من المبالغة والتهويل بدعوى التأثير على الناس وهذا كله من الجهل بدين الله، ومن الجهل بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله، إذ الدعوة الصحيحة إنما تكون بالكتاب والسنة ومن لم تنفعه مواعظ الوحي لا ينفعه شيء.
ومن الأحاديث التي لا تثبت حديث (رجعنا من الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر) يعني من جهاد الكفار إلى جهاد النفس. قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الخبر (لا أصل له ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وجهاد الكفار من أعظم الأعمال، بل هو أفضل ما تطوع به الإنسان) اهـ
ومن الأخبار المشتهرة بين الناس قصة عمر مع المرأة التي اعترضت عليه في مسألة تخفيف المهور وقول عمر (كل الناس أفقه من عمر) وهذا القدر من الخبر غير ثابت بل الذي صح هو أن عمر خطب الناس وحثهم على الاقتصاد في المهور ونهاهم عن المغالاة فيها. وأما الحوار الذي دار بينه وبين المرأة وتعليقه على كلامها فغير ثابت لانقطاع الإسناد وضعف بعض رواته كما يعلم بمراجعة كلام أهل العلم.
فاتقوا الله عباد الله وتحروا فيما تنقلونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وتحروا في كل ما تلفظون فإن كل ما تلفظ به يا عبد الله مسجل عليك في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة وأنت اليوم متكلم وغداً مسؤول (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم وفى كل نفس ما كسبت وهو لا يظلمون).
علي بن يحيى الحدادي