العنوان : التحذير من الإسراف والتفاخر به
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واستعملوا ما رزقكم الله من نعمه فيما يرضيه واشكروه عليها يزدكم من فضله ولا تكفروها فيسلبكم إياها كما قال تعالى (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)
وإن من كفران النعم وأسباب زوالها ومحق بركاتها الإسراف والتبذير، والإسرافُ هو مجاوزة الحد المعروفِ شرعاً أو عُرفاً.
ومن أمثلته ما يشاهد عند بعض الناس من ذبح الذبائح الكثيرة التي تَفيض وتزيد على حاجة المدعوين ثم يكون مصيرها إلى المزابل والعياذ بالله.
ومن أمثلته استعمال الكهرباء فيما لا منفعة فيه ولا حاجة إليه كتشغيل كثير من المصابيح والمراوح وأجهزة التكييف والسخانات في غرف فارغة لا أحد فيها.
ومن امثلته الإسراف في استعمال المياه في الوضوء أو الغسل وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالـمُدِّ وهو مِلئُ الكفين المعتدلة، وكان يغتسل بالصاع وهو ملئ الكفين أربع مرات وربما زاد مداً فصارت خمسة. فأين نحن اليوم من هذا الهدي النبوي الكريم.
وكذلك من صوره إهدار الماء الكثير الزائد عن الحاجة في تغسيل الأواني أو البيوت أو السيارات.
ومن صوره أيضاً إهمال صيانة بعض المواسير والتمديدات في المنازل مما ينتج عنه تسرب كميات كبيرة من المياه في الشوارع أو المجاري دون نفع ولا جدوى.
عباد الله:
إن القاعدة الشرعية في الأكل والشرب واللُّبس والنفقة هو التوسط والاعتدال فلا قبض لليد قبضاً تاماً ولا بسط لليد بسطاً تاماً كما قال تعالى (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) وكما قال تعالى في صفة عباد الرحمن (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا).
عباد الله : إن الله تعالى قد ذم المسرفين فقال تعالى في آيتين من كتابه الكريم (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)
ونهى سبحانه وتعالى عن التبذير فقال تعالى (ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً). وقال صلى الله عليه وسلم ” إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعا وهات، ووأد البنات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ” متفق عليه.
ايها الإخوة في الله:
إننا اليوم نعيش في نعم عظيمة ومنها نعمة توفر الطعام والشراب من كل صنوفها وأنواعها بأبخس الأثمان وارخصها ونحن في قلب صحراء ليس بها انهار جارية ولا أمطار متتاليه ولكن ذلك من فضل الله علينا ورحمته بنا قد ساق لنا الأرزاقَ والثمراتِ من كل مكان فاحمدوا الله على هذه النعم واشكروه عليها، وتأملوا أحوال جيرانكم ممن أعطوا الأمطار والأنهار وكانوا بالأمس القريب مثلكم في رغد من العيش ثم انظروا كيف سُلبوا النعم وحلت بهم النقم فماتوا فقراً وجوعاً وخوفاً والله المستعان. ونسأل الله ان يفرج عنهم الباساء والضراء وأن يحفظنا ويعافينا من سوء القضاء.
اقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فإن من الناس من إذا أعطي نعمة من الدنيا أَشِر وبَطَر ، واختال وافتخر، وفرح واستكبر، وكان حاله كحال قارون لما آتاه الله المال ابتلاء واختباراً ففرح بماله، ونسبَ حصولَه عليه إلى نفسه فقال (إنما أوتيته على علم عندي) فغضب الله عليه وعاجله بالعقوبة فخسف به وبداره الارض والعياذ بالله.
وإن من الناس اليوم من نراهم يتفاخرون بأموالهم وبغير ذلك من حظوظ الدنيا فحملهم حب الفخر على الكفر بنعمة الله والإسراف والتبذير في إنفاقها لا لغرض إلا حباً للمدح والثناء وقد تجدهم لا يؤدون زكاة واجبة ولا يتصدقون قربة ونافلة، يبسطون أيديهم في المواضع التي يبغضها الله، ولكنهم أشحةٌ بخلاء في المواطن التي يحبها الله. وقد ذم الله تعالى من هذه صفته فقال تعالى (إن الله لا يحب كل مختال فخور) أي لا يحب كل متكبر يتفاخر ويتعاظم بما آتاه الله من الدنيا. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء، خُسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة) خسف الله به الأرض لأجل خيلائه في نفسه بإزاره فكيف بمن يتلف ويلعب بالنعم النفيسة الثمينة من الأموال وبهمية الأنعام وأنواع الأرزاق والطعام والشراب فخراً وتباهياً..
فاتقوا عباد الله والتزموا التوسط والاعتدال وتجنبوا التبذير والاسراف واحذروا الفخر والبطر وكفران النعم فإن الله تعالى سريع الأخذ شديد البطش. اللهم أعذنا من أسباب نقمك وموجبات غضبك وتحول عافيتك إنك سميع الدعاء.
ثم صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين وسيد ولد آدم أجمعين اللهم صل على محمد وعلى أل محمد وعلى أزواجه وذريته خلفائه الراشدين …
جزاكم الله خيراً شيخنا وجعل ذلك في ميزان حسناتك