العنوان : التحذير من اتخاذ القبور مساجد
أما بعد:
فإن المساجد هي أحب البقاع إلى الله كما في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا» وهي البيوت التي قال الله فيها {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
وإن من أعظم وأهم أحكام هذه المساجد أن لا تُجعل مقابر فلا يجوز دفن الموتى فيها ولا يجوز بناؤها على القبور ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذكرتا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»
وعن عَائِشَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قَالاَ: لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. متفق عليه.
وعَنْها رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» قَالَتْ: «فَلَوْلَا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا» متفق عليه
وعن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»
وعن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: “ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك” رواه مسلم
وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: ” إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد ” رواه أحمد
وروى مالك في ” الموطأ”: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ” اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ”
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: ” لعن رسول الله صلي الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد، والسرج “رواه أحمد. وفي صحيح مسلم عن أبي مرثد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا»
عباد الله:
هذه نصوص صريحة واضحة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وعن الصلاة إليها، و شدة غضب الله على من فعل ذلك ولعنه عز وجل لهم ، والشهادة عليهم بأنهم شرار الخلق عند الله يوم القيامة والعياذ بالله.
واتخاذ القبور مساجد له معنيان:
الأول: أن يقصد الصلاة عندها سواء جعل القبر أمامه أو خلفه أو عن يمينه أو عن شماله. فإنه متى قصد الصلاة عند القبر فقد اتخذه مسجدا.
والمعنى الثاني: أن يبنى المسجد على القبر أو يدفن الميت في المسجد.
وكل هذه الصور محرمة داخل أصحابها في اللعن والوعيد والعياذ بالله.
فاتقوا الله عباد الله واجتنبوا الشرك وأسبابه واحفظوا وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم في آخر حياته إذ وصاكم باجتناب اتخاذ القبور مساجد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإن الحكمة من النهي عن اتخاذ القبور مساجد هي حماية التوحيد من أسباب الشرك لأن الإنسان إذا عظّم القبر اليوم بالصلاة لله عنده فإن الشيطان سيزين له ولغيره بعد ذلك عبادة القبر نفسه ودعاء صاحبه والاستغاثة به واللجوء إليه.
وذلك هو الشرك بالله الذي هو أعظم الذنوب إذ لا ذنب أكبر ولا أعظم منه فإنه موجب للخلود في نار جهنم أبد الآباد لمن مات عليه أعاذني الله وإياكم.
فالحذر الحذر من هذا العمل والحذر الحذر من الصلاة في المساجد التي فيها قبور قالت اللجنة الدائمة للإفتاء : ” لا تصح الصلاة في المسجد الذي فيه قبر؛ لنهي النبي – صلى الله عليه وسلم – عن اتخاذ القبور مساجد”.
وأما بالنسبة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم فالمسجد لم يبن على قبر النبي صلى الله عليه وسلم بل المسجد بناه النبي صلى عليه وسلم بيده في حياته. ولما مات عليه الصلاة والسلام دفن خارج المسجد في بيته في حجرة عائشة رضي الله عنها. فلا المسجد بني على القبر ولا القبر دفن في المسجد. ولكن بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وموت أكثر الصحابة قام بعض الخلفاء بتوسعة المسجد النبوي فدخلت الحجرة في التوسعة الجديدة. وأفعال الملوك ليست حجة يعارض بها الشرع إنما الحجة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد سمعتم الأحاديث الكثيرة في تحريم اتخاذ القبور مساجد.
ونسأل الله تعالى أن يوفق حكام المسلمين لإخراج القبور التي دفنت في المساجد، وإزالة ما بني منها على القبور. تمسكاً بالسنة وحماية لعقيدة الأمة.
كما نسأله أن يجزي قادة البلاد السعودية على حرصهم على تطهير البلاد من مظاهر البدع والخرافات والغلو فليس في هذه المملكة المباركة ضريح يعبد ولا قبر في مسجد ولا مسجد يبنى على قبر ولله الحمد والمنة.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين…
نفع الله بك ورفع قدرك