العنوان : الاسراف في حفلات التخرج
أما بعد:
فإن من الخصال المذمومة أشد الذم في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسراف والتبذير قال تعالى (ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا) وقال تعالى (ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين) فالشيطان يأمر العبد بالشح والبخل فإن لم يطعه أمره بالإسراف والتبذير ولا يبالي الشيطان بأي الخصلتين أوقع فيها ابن آدم. فالشح من الشيطان والإسراف والتبذير من الشيطان.
أما الله تعالى فإنه يأمر بالبذل والإنفاق لكن بالمعروف وهو التوسط والاعتدال وهو درجة بين البخل والتبذير كما قال تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا) أي فتبقى لم تكسب حمداً ولم تبق مالاً.
ولما كان التوسط والاعتدال في الانفاق محبوباً إلى الله كان من أبرز صفات عباد الرحمن كما قال تعالى في مدحهم (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً).
فأنفقوا يا عباد الله على أنفسكم وأهليكم ودوابكم وأكرموا ضيوفكم وزكوا فريضة أموالكم وتصدقوا صدقة النافلة -فالعبد في ظل صدقته يوم القيامة- وراعوا في نفقاتكم التوسط والاعتدال.
عباد الله: إن صور الإسراف والتبذير في المجتمع كثيرة ومن أظهرها التبذير في حفلات مناسبات الأفراح فكم من الأموال والأطعمة التي تذهب هدرا دون مصلحة ولا فائدة.
ومنها حفلات التخرج والنجاح ولا شك أن التشجيع والتحفيز أمر مطلوب ولكن المستنكر هو المبالغة فيها ووضعها في غير موضعها فالابن أو البنت تحتفل به المدرسه ثم تحتفل به أسرته ولكل حفل نفقاته الباهضة من لباس وطعام وربما استئجرت لها قاعات واستراحات.
ومن المؤسف أنك إذا فحصت الطالب ونتيجته وجدته في كثير من الأحيان قد رُصد له معدل عالي ولكن عقله من المعلومات فارغ خالي. ولا شك أن هذه المخادعة تضر أبناءنا ولا تنفعهم لأنها توهمهم أن العبرة بالدرجة في الورقة وليست بالمعلومة المستفادة والخبرة المكتسبة.
فإن كان ولا بد منها فاقتصدوا فيها لأنها تستهلك من دخل الأسرة شيئا كثيراً ولا سيما حفلات البنات والحامل عليها في الغالب هو التقليد ومحاكاة الناس لا القناعة بجدواها.
أعاذني الله وإياكم من الإسراف والتبذير ومن البخل والشح ورزقني وإياكم الاعتدال في الإنفاق إنه سميع مجيب أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
ومن صور الإسراف المنتشرة الإسراف في استعمال الماء. وعلى سبيل المثال فإن أكثرنا يبالغ في استعمال الماء للوضوء والغسل فكيف بغيرهما، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بصاع والصاع يعادل لترين ونصف تقريباً وكان يتوضأ بمد واحِد وهو ما يزيد على نصف اللتر بقليل. فأين هذه الكمية مما نستعمله الآن.
وقد حذر السلف من المبالغة في استعمال الماء فيهما قال هلال بن يساف ” كَانَ يُقَالُ: فِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ وَلوْ كُنْتَ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ “. وقال إبراهيم التيمي (كانوا يقولون كثرة الوضوء من الشيطان) يعني الإسراف فيه وزيادة غسل الأعضاء على ثلاث مرات.
ومن الإسراف المنتشر استهلاك الطاقة الكهربائية في غير منفعة كتشغيل الإنارة والتكييف في البيوت والمساجد والمرافق العامة حال خلوها ممن يستفيد منها.
ومن أشد صور الإسراف وأعظمها ضررا الإسراف في المعاصي والذنوب والخطايا فإن كل بلاء يقع بالعبد فإنما هو بسبب ذنوبه فالذنوب مهلكة للعبد في دنياه وفي أخراه إن لم يرحمه الله ويغفر له فعلى كل مسلم أن يجدد التوبه والإنابة قلت ذنوبه أو كثرت ومن أسرف على نفسه فهو أولى بذلك من غيره قال تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) أي فلا يظن أن ذنوبه الكثيرة غير قابلة للتوبة فالله يتوب على من تاب ويغفر لمن رجع إليه وأناب.