العنوان : أكبر الكبائر . خطبة مكتوبة.
أما بعد: فإن الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر كما قال تعالى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم، وندخلكم مدخلاً كريماً) ثم الكبائر تتفاوت. فبعضها أكبر في القبح من بعض والعياذ بالله، وإن من أكبر الكبائر ما ثبت في حديث أبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت” متفق عليه.
أيها الإخوة في الله :
في هذا الحديث الشريف يتجلى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته وخوفه عليها مما يضرها فحذرها من أكبر الكبائر لأنها موبقات مهلكات تفسد على الناس دينهم وديناهم وأولاهم وأخراهم.
فأكبر الكبائر هو الإشراك بالله والإشراك بالله معناه أن يُعبد مع الله معبود آخر كدعاء الأنبياء والأولياء والاستغاثة بهم والذبح لهم والنذر لهم وغير ذلك من صور صرف العبادة لغير الله.
والشرك أعظم الذنوب وأكبرها وأخطرها لأنه يحبط جميع الأعمال الصالحة فهو كالحدث للطهارة فكما يبطل الحدث الوضوء كذلك يبطل الشرك جميع الحسنات. كما قال تعالى (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)
ولأنه يوجب الخلود في النار فمن مات يشرك بالله في عبادته معبوداً آخر كان من أهل النار الخالدين المخلدين كما قال تعالى (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) وكما قال تعالى في المشركين (وما هم بخارجين من النار).
وقال تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فالميت على الشرك الأكبر قد يئس من رحمة الله فلا تناله رحمة الله كما قال تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ولا ينصره ناصر ولا يشفع فيه شافع والعياذ بالله كما قال تعالى (فما له من قوة ولا ناصر) وكما قال تعالى (فما تنفعهم شفاعة الشافعين).
ثم ثنّى النبي صلى الله عليه وسلم بعقوق الوالدين لأن حق الوالدين عظيم جليل كبير يأتي بعد حق الله سبحانه وتعالى. قال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23، 24]
وعقوق الوالدين لا ينحصر في صورة واحدة فكل إساءة بالقول أو الفعل أو الإشارة أو غير ذلك فهي داخلة في العقوق بحسب قبحها وشناعتها.
أيها الأبناء: إن الوالدين باب واسع من أبواب الجنة فالمحروم من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل ببرهما الجنة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: “رَغِمَ أنفُه، ثمَّ رَغِمَ أنْفُه، ثمَّ رغِمَ أنْفُه”. قيل: مَنْ يا رسولَ الله؟ قال:”مَنْ أدْرَكَ والدَيْه عندَ الكبرَ أوْ أحَدَهُما ثمَّ لَمْ يَدْخل الجنَّةَ”. رواه مسلم
فتعاهدوا علاقاتكم بآبائكم وأمهاتكم ألينوا لهم الكلام. واخفضوا لهما الجناح. وتعاهدوهم بالصلة والهدايا والزيارات. تفقدوا حاجاتاهم لا سيما عند كبرهم وضعفهم ، أنفقوا عليهم لا سيما عند غناكم وفقرهم. أكثروا لهم من الدعاء والاستغفار في سركم وجهركم، فإن الله ينفعهم بدعائكم نفعاً عظيماً عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ان الله عز و جل ليرفع الدرجة للعبد الصالح ف ي الجنة فيقول يا رب أنى لي هذه فيقول باستغفار ولدك لك” رواه أحمد وابن ماجه.
ومن البر بهم صلة أرحامهم وأصدقائهم فذلك جزء من برهم بعد موتهم فعن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» رواه مسلم.
اللهم إنا نعوذ بك من الشرك كله دِقِّه وجِلِّه علانيته وسره أصغره وأكبره، اللهم إنا نعوذ بك من عقوق الوالدين ومن الشقوة في الدارين، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فبعد أن حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك وعقوق الوالدين حذر من جرم خطير ومع ذلك لا يبالي به كثر من الناس ألا وهو قول الزور وشهادة الزور. وهو القول المائل عن الحق ويدخل فيه القول على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم، ويدخل فيه تزكية أهل الأهواء والبدع ومدحهم والثناء عليهم وتصحيح بدعهم. ويدخل فيه الشهادة بالباطل في الخصومات لحرمان الخصم من حقه أو اتهامه بما ليس فيه أو الشهادة بالباطل لجر مصلحة لقريب أو صديق أو بقصد الحصول على منفعة مادية أو معنوية.
إن الرجل قد يُقتل بشهادة زور وقد يُرجم بشهادة زور وقد يجلد أو يقطع بشهادة زور وقد يسجن أو يغرم أو يلوث عرضه بشهادة زور ، قد يسلب ماله وينزع عنه ملكه بشهادة زور ..
فشهادة الزور تجر من المفاسد والأضرار العاجلة والآجلة ما لا يمكن عده ولا حصره. لذا اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها فعدل جلْسته وكرر التحذير مرات عديدة حتى أشفق عليه أصحابه وجلساؤه فقالوا ليته سكت.
فاتقوا الله في أقوالكم وشهاداتكم لا تشهدوا إلا بما علمتم ولا تشهدوا إلا بالحق والعدل قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]
وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة: 8]
ثم اعلموا أن خير الحديث كتاب الله ..