جديد الإعلانات :

العنوان : أفضل الناس: صدوق اللسان مخموم القلب (خطبة مكتوبة)

عدد الزيارات : 36696

أما بعد:

فإن موازين الفضل والكرم تتفاوت في أنظار الناس باختلاف الموازين التي يزنون بها الناس وأخلاقهم ولكن أصدق تلك الموازين هي التي جاءت في الكتاب والسنة فعليها ينبغي أن توزن الأخلاق ويوزن الناس.

وقد جاء في السنة النبوية أحاديث كثيرة تبين من هم أفضل الناس وأكرمهم على تعالى وأرفعهم درجة عنده ومن تلك الأحاديث حديث عبد الله بن عمرو بن العاص  رضي الله عنهما  أنه قال: «قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: ” كل مخموم القلب صدوق اللسان “. قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: ” هو النقي، التقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غِلَّ، ولا حسد» “. رواه ابن ماجه.

عباد الله: في هذا الحديث بيان لصفتين عظيمتين من صفات أفضل الناس في ميزان محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى (إن هو إلا وحي يوحى).

الصفة الأولى: الصدق التام الكامل فالصدوق أبلغ في الوصف من الصادق إذ هو من صيغ المبالغة أي هو الصادق المتحري للصدق الحريص عليه فلا يكذب يبتغي بذلك ما وعد الله به الصادقين في الدنيا والآخرة.

والصدق خلق عظيم وفضيلة عظيمة أمر الله به ورغب فيه وحذر من ضده قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) وقال تعالى {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}  وذكرَ اللهُ في سورة الأحزاب الصادقين والصادقات فيمن أعد لهم ومغفرة وأجراً عظيما.

وقال صلى الله عليه وسلم «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ, فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ, وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ, وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ, وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ, حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا«.

وقال صلى الله عليه وسلم محذراً من الكذب (آيَةُ المنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حدَّث كَذَبَ، وإذا وَعَد أخْلَف، وإذا ائتُمنَ خان) متفق عليه.

والصفة الثانية التي تضمنها الحديث من صفات أفضل الناس: هي سلامة القلب من كل أقذاره وأوساخه وجاء التعبير عنه في الحديث بالخم وهو الكنس والتنظيف تقول خممت البيت أي كنسته والمخمة المكنسة التي تكنس بها الأوساخ.

ثم زاد النبي صلى الله عليه وسلم المعنى توضيحاً فقال: «هو النقي، التقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد»

أي نقي القلب من الشرك كما قال تعالى (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) والتقي هو: الذي يفعل الطاعات ويجتنب المعاصي فإن عذاب الله إنما يُتقى بفعل أوامره واجتناب نواهيه. كما قال تعالى (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) أي أخلصها لتقواه وعصمها من اتباع الشهوات والشبهات.

(لا إثم فيه) وذلك أنه محفوظ بحفظ الله تعالى له فهو عامل بطاعة الله مجانب لمعصية الله وإذا وقعت منه معصية كبيرة أو صغيرة بادر إلى التوبة ولم يصر على ما فعل فتاب وأناب فتاب الله عليه فهو بين ذنب قد عصم منه وذنب قد تيب عليه منه.

(ولا بغي) أي أنه قد علم خطر البغي والظلم والعدوان فصان يده عن دماء الناس وأبشارهم، وصان بطنه عن أموالهم وصان لسانه وفرجه عن أعراضهم كما قال صلى الله عليه وسلم في وصف المسلم الحق (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) متفق عليه، وكما قال صلى الله عليه وسلم في وصف المؤمن الحق (المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم) رواه ابن ماجه.

جعلني الله وإياكم من المسلمين المؤمنين حقاً وصدقاً ، وممن قدم الآخرة على الأولى فالآخرة خير وأبقى.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 الخطبة الثانية:

أما بعد:

ومن صفات أفضل الناس وأكملهم عند الله تعالى أنهم قد تطهرت قلوبهم من الغل، والغل هو الحقد والضغينة والكراهية والبغضاء. وسلامة القلب من الغل على المؤمنين درجات فمن أعلى درجاتها سلامة القلب تجاه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فمن كان في قلبه على أحد من الصحابة كمعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما أو على أبي هريرة أو عائشة أو حفصة أو على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعاً كان ذلك دليلاً على نفاق في قلبه والعياذ بالله لأن الله تعالى وصف المؤمنين بسلامة قلوبهم تجاه أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) ولأن الله تعالى بين أن أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم إنما يغتاظ منهم الكافرون فقال (ليغيظ بهم الكفار).

وكذلك سلامة القلب من الغل الذي يكون بسبب البدع والمحدثات فإن أهل البدع كالخوارج في قلوبهم غل يفارقون بسببه جماعة المسلمين ويستحلون به دماءهم ويكفرونهم ويضللونهم بسببه والعياذ بالله. كما قال الأوزاعي : “المشاحن كل صاحب بدعة فارق عليها الأمة” وقال ابن ثوبان: “المشاحن هو التارك لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الطاعن على أمته السافك دماءهم”

ثم بعد ذلك سلامة القلب من الغل لعموم المسلمين ولا سيما من بينه وبينهم صلة ومعاملة بل إن قلوبهم ومشاعرهم تجاههم مبنية على النصح ومحبة الخير لهم.

ومن صفات أفضل الناس وأكملهم سلامة قلوبهم من الحسد لأنهم أصحاب قلوب نقية من الأهواء الفاسدة والمطامع المردية رضوا بما قسم الله لهم ولم يمدوا أبصارهم لمن فُضِّلوا عليهم. أيقنوا أن الله حكيم في قَسْمه كما أنه عدل في حكمه فلم يتمنوا زوال نعمة الله على غيرهم.

بل يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم كما قال صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه. ويعاملون الناس كما يحب أن يعاملهم الناس لقوله صلى الله عليه وسلم (فمن أحب أن يُزحزح عن النار، ويُدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) رواه مسلم. فما أطيبَ حياةَ من كان بهذه الصفات الجليلة وما أحسنَ حالَه وما أسعدَ قلبَه.

أسأل الله أن يهديني وإياكم لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو وأن يصرف عني وعنكم سيئ الأخلاق لا يصرف عنها سيئها إلا هو إنه سميع مجيب الدعاء.

معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين..

14 comments

  1. أبو سليمان

    حفظ الله شيخنا و جعله مباركا أين ما كان

  2. أبو عائشة

    جزاك الله خيرا شيخنا علي

  3. أبو عائشة

    جزاك الله خيرا يا شيخ

  4. وليد العكاري

    جزاكم الله خيرا شيخنا وجعل ما تكتبون في موازين حسناتكم

  5. أبو معاوية أحمد بن صغير الجزائري

    جزاك الله خيرا شيخنا الكريم وأستسمحك عذرا حيث أنني كثيرا ما أقتبس من خطبك في خطبي لما أرى فيها من بساطة الأسلوب وسمو الرسالة…

  6. بارك الله بعلم شيخناوبعمره وثبتناوإياه على السنة?✔️

  7. أسامة محمد علي

    جزاك الله خيرا
    نسأل الله ان يبارك في كل السلفيين
    أخوكم اسامة من ليبيا

  8. جزاك الله خير خطبة قيمة مشرقة بأنوار السنة جعلنا الله مخمومي القلب صادقي اللسان

  9. جزاك اللّه خيراً شيخنا الفاضل ونفع اللّه بك.

  10. أحمد السلفي الجزائري

    جزاكم الله خيرا ونفع بكم المسلمين

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *